الفن النوبي مهدد فعليًا بالنقراض، إلا أن الأمل معقود على عشرات الفرق التي تحيي الليالي النوبية في أنحاء مختلفة من مصر والعالم، وعلى نجومية بعض النجوم من أمثال محمد منير، الذي يعيد إحياء التراث النوبي الجميل.

إيلاف من القاهرة: في السابع من يوليو، يجري الاحتفال باليوم العالمي للتراث النوبي، الذي أصبح حاضرًا بقوة على الساحة الفنية في مصر، ومختلف أنحاء العالم. 

صار الفنانون النوبيون مطلوبين لفنهم الراقي المبهج والباعث على التفاؤل، الذي يلقى قبولًا وتفاعلًا من المصريين والأجانب على حد سواء، على الرغم من أنهم يقدمون أغنيات بلغتهم النوبية غير المتداولة.

رقصات مبهجة 

تتميز منطقة النوبة في جنوب مصر بأنها غنية بتراثها الحضاري في جميع مناحي الحياة، سواء في الطابع المعماري، أو الأزياء، أو الفن. وتعتبر اللغة النوبية من اللغات غير المكتوبة التي تتناقلها الأجيال شفاهة، ولا تعترف بها الدولة المصرية رسميًا، لكنها حاضرة بقوة في المناطق النوبية، حيث يستخدمها أصحابها، ويعلمونها لأبنائهم جيلًا بعد جيل.

أغنيات ورقصات
في فندق في مدينة الغردقة على ساحل البحر الأحمر، يجلس السيّاح من مختلف الجنسيات، وهم في حال من الانسجام مع ما تقدمه فرقة نوبية من أغانٍ ورقصات من التراث النوبي، بينما لم يستطع بعضهم الجلوس في مكانه، وأطلق لنفسه العنان، رقصًا وتصفيقًا مع أعضاء الفرقة.

قدمت الفرقة النوبية مجموعة من الرقصات النوبية التراثية، ومنها "الكوم باك"، وهي الرقصة الرئيسة عند النوبيين، ورقصة "جريشاد"، التي يدور فيها الراقصون على شكل دائرة، ويصفقون بالكفوف المائلة إلى أسفل، إضافة إلى الرقص على إيقاع "كومبان كاش"، وهي رقصة تؤدّى مصاحبة للأغاني الرومانسية، غير أن رقصة "الأراجيد" هي الأكثر شهرة وتفاعلًا بين المصريين والأجانب.

قالت ميرا ديمتري، وهي سائحة روسية تتكلم العربية، لـ"إيلاف" إنها تعشق الفن النوبي، مشيرة إلى أنها تحفظ بعض الأغاني النوبية الشهيرة، خصوصًا التي يقدمها الفنان محمد منير.

الفن النوبي يلقى رواجًا لدى المصريين والأجانب

أضافت أن الفن النوبي مميّز برقصاته السهلة والبسيطة، والملابس الزاهية التي تبعث على الفرحة والسرور والاسترخاء النفسي، منوهة بأن لديها أصدقاء نوبيين. كما كشفت أنها نظمت حفلة ذات مرة لفرقة نوبية في موسكو، ولاقت إقبالًا كبيرًا من الروس، وأرجعت ذلك إلى عشقها للفن النوبي.

عشرات الفرق
قال عادل محمود، مدير فرقة نوبية، إن الفن النوبي يلاقي إقبًالا من الجماهير في مصر والخارج. أضاف لـ"إيلاف" أن والده أسس الفرقة في بداية التسعينيات، مشيرًا إلى أنها تعتمد على تقديم الفن النوبي وحده، سواء الرقصات أو الأغاني القديمة، وتلقى قبولًا كبيرًا في الفنادق والأفراح.

لفت إلى أن هناك عشرات الفرق النوبية تعمل في مصر، وبعضها لديه شهرة عالمية، منوهًا بأن فرقته قدمت عروضًا وحفلات في الخارج، في الأردن والعراق وتركيا وروسيا وألمانيا.

أشار محمود إلى أن هناك العديد من الفنانين النوبيين الذين حققوا شهرة كبيرة على المستويين المحلي والدولي، وساهموا في انتشار التراث النوبي، ومنهم، حمزة علاء الدين، وهو فنان عازف على آلتي العود والطار النوبيتين، وقدم ألبومًا باللغة الانجليزية باسم "ميوزيك أوف نوبي" في عام 1968، وقدم الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام العالمية، ومنها "الحصان الأسود"، وعمل أستاذًا في جامعات أميركية.

عشرات الفرق النوبية تعمل في مصر

غير أن محمود يرى أن الفنان محمد منير هو الأكثر تأثيرًا في تطوير وانتشار الفن النوبي، مشيرًا إلى أن الأجانب أصبحوا يعرفون الفن النوبي جيدًا بسبب "الكينغ"، ويطلبون أغانيه خصيصًا، سواء في الحفلات الخارجية أو تلك التي تقام في مصر.

يدخل القلب
بحسب تصريحات الدكتور محمد سرور، أستاذ التراث النوبي في جامعة القاهرة، فإن النوبة تمتلك تراثًا ضخمًا ومتنوعًا سواء المعماري أو الملابس والأزياء أو التراث الشفهي، منوهًا بأن لدى النوبة تراثًا من الغناء والرقصات لم يتم جمعه وتوثيقه حتى الآن.

أضاف لـ"إيلاف" أن الفن النوبي جماعي، يعتمد على الغناء أو الرقص الجماعي، ويستخدم مجموعة محددة من الآلات الموسيقية، منها "الطار"، وهو دف في إطار خشبي رقيق، و"الطنبورة"، وهي آلة وترية يشد أوتارها في إطار خشبي على شكل مثلث، إضافة إلى العود والطبلة والدف.

النوبة تمتلك تراثًا ضخمًا ومتنوعًا

أشار إلى أن التراث النوبي يتميز بأنه مبهج ويبعث على السعادة، سواء في طريقة بناء المنازل والواجهات الملونة التي تتسم بها أو الملابس الزاهية، أو الوشوم التي ترسم على الأيدي أو الوجوه في جميع المناسبات، أو الأغاني التي لديها طابع رومانسي ويدعو إلى الحب والتفاؤل.

قال إن الفن النوبي يعاني أزمة حقيقة، لاسيما في ظل عدم انتشار اللغة النوبية، مشيرًا إلى أن الفنانين النوبيين المشاهير مثل محمد منير وأحمد منيب وحمزة علاء الدين وبحر أبو جريشة يقدمون الموسيقى النوبية باللغة العربية، ونادرًا ما يقدموا أغنيات بلغتهم وموسيقاهم.

الفن النوبي جماعي يعتمد على الغناء والرقص

واعتبر سرور أن التفاؤل والبهجة هما سر بقاء الفن النوبي ومقاومته للانقراض، وازدهاره في المرحلة الراهنة، مشيرًا إلى أنه يدخل القلب ويملؤه بالبهجة، حتى إن كان المتلقي أو الجمهور لا يعرف اللغة النوبية.