إيلاف من المغرب: يحفل المطبخ المراكشي، بشكلٍ خاص، والمغربي، بشكلٍ عام، بأصناف وأنواع من الحلويات، التي تعدت شهرتها حدود البلد، مؤكدة غنى الموروث الحضاري الوطني.

ومن بين الحلويات التقليدية المغربية الشهيرة، تحضر "الشباكية" التي تعد، بشكلٍ خاص، بمناسبة شهر رمضان الكريم، لترافق شوربة "الحريرة"، فضلاً عن "كعب الغزال" و"غْريبة" و"الفقاص" و"المحنشة" و"البريوات"، التي تقدم، عادة، لترافق كؤوس الشاي، التي تسبق تقديم الوجبات الرئيسية، المعروفة، خاصة "الكسكس" و"البسطيلة" و"الطاجين" و"الطنجية".

ويحرص المغاربة على إعداد وتقديم الحلويات التقليدية في المناسبات العائلية والدينية، عنوان كرم وعربون محبة، ومقياساً للحكم على مهارة ربات البيوت.

ويبقى القاسم المشترك بين "كعب الغزال" و"غريبة" و"البريوات" و"المحنشة" و"الفقاص" و"الشباكية"، أنها تصنع من حشوة اللوز المقشر والمسلوق والمنسم بالسمن البلدي والقرفة والسكر وماء الزهر، قبل أن تُطهى في الفرن (كما هو حال "كعب الغزال" و"غريبة" و"الفقاص") أو تقلى في الزيت وتغمس في العسل (كما هو حال "البريوات" و"المحنشة" و"الشباكية").

كعب الغزال بأحد أشكاله التقليدية

كعب الغزال:
ويتفق عدد من الآراء على أن "كعب الغزال" هو سيد الحلويات المغربية، حيث يقبل عليه الكبار والصغار، آخذين في الاعتبار قيمته الغذائية ومكوناته التي تجعله طيعاً عند تناوله.

وتحرص ربات البيوت وعاملات المخابز ومحلات بيع الحلويات في المغرب على أن يتوسط "كعب الغزال" قائمة الحلويات، سواء عند عرضه للبيع أو تقديمه للضيوف، اعترافاً بقيمته ومكانته على رأس هذه الحلويات.

بلكبير:
ويقول حسن بلكبير، الذي يدير أحد أشهر محلات بيع الحلويات في مراكش، إن الحلويات التقليدية، التي توارثها المغاربة منذ القدم، كـ"كعب الغزال" و"الشباكية" و"غريبة" و"الفقاص" و"المحنشة"، تبقى ضرورية خلال المناسبات العامة والخاصة، حيث لا يكتمل تشكيل قائمة الحلويات التي تقدم للضيوف من دون أن تحتل مكانًا رئيسياً وأساسياً، إلى درجة أنه يمكن التخلي عن الحلويات "الطارئة" على المطبخ المغربي، والتي هي في أصلها إما شرقية أو أوروبية، لكن يستحيل التخلي عن الحلويات التقليدية.

ويحسب للمطبخ المغربي، أنه لم يتقوقع على نفسه، بل حاول التعرف على ما يميز المطابخ العالمية، تحقيقاً لمتعة الأكل وميزة الانفتاح على الآخر، لذلك تتعدد الأشكال التي تقدم بها الحلويات، بين المغربية الخالصة، أو تلك التي تمت استعارة أشكالها من مطابخ أخرى، مع حرص على تأصيلها و"مغربتها".

سرحان:
ويعترف الشاعر المغربي سعد سرحان، في مؤلفه "ديوان المائدة"، بتفضيله لـ"كعب غزال"، إذ يكتب: "كلما وجدت نفسي عرضة لطبق من الحلوى تمتد يدي تلقائيًا إلى "كعب الغزال"، فهو عندي تاج الحلويات الذي لن يخلع أبدًا. لاسمه نصيب من الشعر، ولشكله سر الهندسة: القوس، أما قلبه فمن معجون اللوز".

ويتخذ "كعب الغزال" شكل قوس أو هلال. ويرجع البعض سر تسميته كذلك إلى "شكل قدم الغزال، الذي يتخذ شكل هلال"، فيما يرجع ظهوره إلى "القرن الثامن عشر بمدينة فاس".

ورغم التحولات التي عرفها مجال الحلويات، في المغرب، وظهور أشكال جديدة ومتنوعة من الحلويات التي تعتمد على مواد تختلف عن تلك التي تدخل في إعداد "كعب الغزال" و"المحنشة" و"الفقاص" و"البريوات" و"غريبة"، فقد حافظت هذه الحلويات التقليدية المغربية على مكانتها، سواء عند أرباب المخابز، أو في المنازل، حيث تحرص الأسر على اقتنائها جاهزة أو تحضيرها في البيت، لتقديمها للضيوف.

ويرى سرحان أن طفرة الحلويات في المغرب "لها سبب آخر، لعله تعدد الأعياد والمناسبات. فبعد أن كان لدينا عيدان فقط: الصغير والكبير (الفطر والأضحى) صارت لنا أعياد الميلاد وعيد الحب وحفلات الاستقبال وحفلات التخرج وحفلات رأس السنة... فلم تعد الأعراس تكتفي بالأقراص والأقواس (أقصد غريبة وكعب غزال) فصار ما صار من هذه الأطباق التي ينسيك التالي منها السابق".

كما يتحدث سرحان عن تطور صناعة الحلويات بعد إنشاء معاهد لدراستها، ومحلات فخمة لبيعها، وبرامج تلفزيونية للتعريف بها والترويج لها، فيقول إن "أصنافها تعددت بعد أن توسعت دائرة محتوياتها، فشملت الشوكولا والكاراميل والكوكو والفواكه المعلبة ومشتقات الحليب وفواكه البحر. فصار منها الحلو والمالح، الرطب والصلب، الساخن والمثلج وغيرها. هكذا صارت الحلوى للمائدة كالحلى للجسد، تعرض في واجهات لاتقل بريقاً وتُباع في حق يناسب حجمها وتحمل خاتم صانعها الذي يخال نفسه صائغاً، فيضع فوق بعضها ما يشبه الحجر الكريم وغالبًا ما يرى في حبة اللوز زمردة. ولست أبالغ إذا قلت إن الحلوى أصبحت تستأثر باهتمام النساء أكثر مما تفعل الحُلى، فيقبلن على شرائها جاهزة وعلى تعلم صناعتها من التلفزيون وكتب الطبخ، كما يتبادلن الخبرات حولها بينهن. لكأن الموائد أجساد النساء، أجسادهن الأخرى التي يعرضن مفاتنها إذ يحلينها بنفائس الحلويات. فلا غرو أنهن أصبحت يتحدثن، بعد كل حفل، عن أصناف الحلويات بعد أن كنّ، في الماضي، يتحدثن عن حلى المدعوات، فارتفعت أسهم منظمي الحفلات في بورصة المجتمع بما يقدمون من أطباقها".