رغم حرارة الجو المرتفعة وطول ساعات الصيام في الصيف، يبدو عامل النظافة عبد الله محمد، 71 عاما، مصمما على صيام شهر رمضان كاملا رغم عمله المؤلم الذي يتطلب منه كنس شوارع القاهرة في قيظ النهار.

ويزيد طول وقت النهار في يونيو ودرجات الحرارة المرتفعة التي تلامس الـ 40 درجة مئوية يوميا أو أكثر من 50 درجة مئوية في الشمس، من صعوبة الصيام على المسلمين الذين يمتنعون عن الاكل والشراب من شروق الشمس حتى غروبها.

وتسجل ساعات الصيام في مصر نحو 16 ساعة اي قرابة ثلثي ساعات اليوم. ويغادر محمد منزله في مدينة دهشور قرابة 80 كم جنوب القاهرة في الرابعة والنصف فجرا ليبدا عمله في القاهرة في السادسة صباحا.

ولا يجد محمد معضلة في طول ساعات الصيام، ويقول بحماسة وهو يدفع عربته البلاستيكية ذات العجلتين والتي يستقر فيها تراب ومخلفات جمعها بيديه "اعمل وانا صايم. الامر طبيعي".
واضاف "من اعتاد على الصيام، سيصوم في قلب النار. من اعتاد على الصيام، اعتاد الا يجوع او يعطش".
الا ان محمد يقر بان قواه تخر من جراء العمل تحت الشمس في النهار. ويقول "بعد الساعة الثانية او الثالثة عصرا. ابدا في العطش فاذهب للنوم واصحى قبل المغرب بنص ساعة".
ولا يدر عمل العامل البسيط محمد لثماني ساعات في هذه الظروف الصعبة عليه اكثر من 25 جنيه يوميا (قرابة 3 دولار فقط). وينعكس ذلك على وجبتي الفطور والسحور البسيطتين اللتين يتناولهما.

16 ساعة صيام
كل عام يحل شهر رمضان 10 او 11 يوما مبكرا حسب التقويم الهجري الذي يعتمد على حركة القمر. وهذا العام حل رمضان في يونيو الذي يشهد اطول ايام النهار والتي تمتد الى 16 ساعة مع درجة حرارة عالية ونسبة رطوبة مرتفعة.

و"خلال شهر رمضان كله تقريبا، تتعرض مصر لرياح قادمة من الصحراء الشرقية بالاضافة الى شبه الجزيرة العربية"، بحسب وحيد سعودي الناطق باسم هيئة الارصاد الجوية في مصر.
وعلى بعد امتار من عمل محمد، يعمل الشيف فتحي (37 عاما) على اعداد وجبات الافطار من الدجاج المشوي. يقول وقد بدت عليه علامات الاجهاد بسبب الحر "كلنا هنا (في المطعم) نصوم. الصغار قبل الكبار".

وفي مطعم الشيف فتحي، ياتي الموظفون مبكرا في الثامنة والنصف صباحا، ويبدأ اعداد الطعام منذ منتصف النهار اي نحو 7 ساعات قبل وجبة الافطار. ومع آذان المغرب وحلول وجبة الافطار، لا يتناول موظفو المطعم وجبات كاملة مكتفين فقط بشربة ماء او عصير بسيطة فالشيف فتحي يقول "اهم شيء في هذا الوقت يكون خدمة زبائن المحل".

وبالنسبة للميكانيكي رضا محمدين فانه يتفهم عدم قدرة عمال ورشته على العمل بالنهار اثناء الصيام.
ويقول محمدين ان العمال لا يستطيعون "الوقوف اكثر من ساعتين او ثلاثة بحد اقصى في الشمس للعمل. هذا اقصى ما يمكنهم فعله" اثناء الصيام، مشيرا الى ان "النهار يعتبر ميتا في رمضان".

ثواب مضاعف
رغم هذه الاجواء الصعبة خاصة على من يعملون في الشارع، يحرص ملايين المسلمين على الصيام فلذلك "ثواب مضاعف" دينيا. ويقتدي المسلمون الورعون بحديث للرسول محمد يقول فيما معناه ان المسلم الذي يصوم في شدة الحر "يضاعف ثوابه" بسبب تحمله للعطش الشديد.

والصيام مفروض على المسلم البالغ الا ان كثيرا من الاسر المسلمة تشجع اطفالها الصغار على الصيام منذ الصغر كوسيلة لضمان اعتيادهم عليه. ويتبارى الصغار عادة في صيام اجزاء من النهار وليس اليوم باكمله.

وتقول ريهام ابراهيم، 36 عاما، وهي ام لطفلين عمرهما 8 و10 سنوات "احرص ان يصوم ابنائي منذ الصغر حتى يعتادا على الصيام في الكبر دون صعوبة". وتابعت "الامر بدأ تدريجيا باجزاء من اليوم حتى وصلا انهما قررا ان يصوما اليوم باكلمه".

ويؤكد الصيدلي محمد ابراهيم الذي يدير صيدليته الخاصة في حي السيدة زينب الشعبي في القاهرة ان هذا العام يشهد معاناة ملحوظة للصائمين خصوصا مع طول ساعات الصيام وموجة الحر والرطوبة خاصة الاصابة ب"الصداع والضغط المنخفض والدوار".

وقال ابراهيم "يوميا اعطي حقنا مسكنة غير مفطرة لزبائن من مختلف الاعمار". وأضاف "كثير من الزبائن يشتكون بسبب الحر وطول ساعات الصيام ويسألون عن كيفية مواجهة التعب والارهاق. هناك رغبة كبيرة لدى كثير من الناس في مواصلة الصيام.