وقالت هيئة الرعاية الصحية الوطنية "ان اتش اس" في بريطانيا إن مشروعا بدأ استنادا إلى أحد الأبحاث التي أُعدت في جامعة ليدز البريطانية، يتعامل مع أثر الدين الإسلامي في علاج الاضطرابات النفسية والعقلية، "يظهر إشارات فردية على نجاح تلك الطريقة".

وقال المسؤولون عن المشروع الجديد إن العديد من المسلمين الذين يعانون من هذه النوعية من الاضطرابات لا يستجيبون للعلاج بسبب ما يشعرون به من "عار" عند الإصابة بالمرض النفسي.

انكسار

مرت سامية، التي تقترب من نهاية عقدها الرابع، بتجربة قاسية مع الاكتئاب، وهي الآن تشارك في المشروع العلاجي لهيئة الرعاية الصحية الوطنية. تقول سامية: "كنت أستجمع قواي، متظاهرة بالشجاعة، لكنني كنت أحس بالانكسار من داخلي."

وأضافت: "لكن عندما كانت تلك الاضطرابات تمزقني وتدفع بي إلى أسوأ حالاتي، كنت أبدأ في التفكير في أني فعلت ما يغضب الله."

وقالت غزالة مير، التي تقود فريق البحث المشرف على تطوير المشروع العلاجي الجديد بمعهد علوم الصحة في جامعة ليدز، إنها مخاوف مشتركة بين المسلمين الذين يخضعون لعلاح الاضطرابات النفسية والعقلية.

وأضافت أن "هذه الوصمة هي التي تجعلهم يفسرون الحاجة إلى العلاج النفسي من الوهلة الأولى على أنها خطب ما يشوب الإيمان." وأكدت أن هذا الأمر لا ينطبق فقط على من يخضعون لعلاج الاضطرابات العقلية بالفعل، بل يمتد إلى كل من تبدو عليهم إشارات المعاناة النفسية في المجتمع.

وأشارت إحصائيات هيئة الرعاية الصحية إلى أن الاضطرابات العقلية تتحول إلى أمراض مزمنة لدى المسلمين البريطانيين أكثر من غيرهم، كما أنهم الفئة التي لا تحرز تقدما ملحوظا بعد فترات من العلاج.

إمرأة مسلمة

حقق العلاج من الاضطرابات العقلية بالشعائر الدينية الإسلامية نجاحا في بعض الحالات في إطار البرنامج الجديد لهيئة الرعاية الصحية الوطنية وتتحمل الهيئة مسؤولية توفير الرعاية المناسبة للخلفيات الثقافية المختلفة للمرضى الذين يتلقون خدماتها، وهو ما رجحت غزالة مير أن الهيئة لا تقوم به بالمستوى اللائق.

وقالت "هناك قدر كبير من القصور لدى المتخصصين في العلاج النفسي في الهيئة، خاصة فيما يتعلق بالتفسير الثقافي المناسب لأسباب الاضطرابات." وشددت على أنه من الخطأ أن يستبعد المتخصصون العامل الديني من بين الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بتلك الاضطرابات.

تجارب ناجحة

وقالت رئيسة الفريق البحثي المشرف على البرنامح العلاجي الجديد: "نعلم أن المسلمين يمكنهم تحقيق نتائج إيجابية أسرع، اعتمادا على الطرق العلاجية ذات الحساسية للإيمان، وفقا لنتائج تجارب انتشرت حول العالم. وركزت تلك الطرق على استخدام الدين كمصدر للتكيف، ليثبت ذلك فاعلية معهم أكثر مما قد يحدثه مع معتنقي الأديان الأخرى."

وصممت غزالة طريقتها الجديدة لعلاج الاضطرابات العقلية بناء على صيغة موجودة بالفعل من صيغ العلاج السلوكي المعرفي التي يطلق عليها العلماء "التنشيط السلوكي". وبعد إجراء تجارب علاجية على 20 مريضا، بدأت هيئة الرعاية الصحية الوطنية في طرح البرنامج العلاجي الجديد عبر خدمات إحدى المؤسسات الخيرية في مدينة ليدز.

وتوجه أسئلة لمن يخضعون لهذا العلاج حول إذا ما كان الإيمان يمثل جزءا هاما من حياتهم قبل الإصابة بالاكتئاب.

كما يُدفع بهؤلاء الذين توقفوا عن ممارسة الشعائر الدينية بعد الإصابة بالاكتئاب في اتجاه استئناف ممارسة تلك الشعائر تدريجيا، اعتمادا على كتيبات إرشادية تحتوي على آيات من القرآن تتضمن أنه "حتى من يتمتعون بإيمان قوي"، من الممكن أن يصابو بالاكتئاب، وهو ما لا يعني على الإطلاق أن الله غاضب عليهم.

اضطرابات عقلية

يتجاهل المتخصصون عامل الدين أثناء التعامل مع الاضطرابات العقلية

وتقول سامية، التي تتلقى العلاج في إطار هذا البرنامج، إن "العلاج لدى المتخصصين النفسيين التقليديين يشبه قطع نصف المسافة في رحلة ما"، لكنها أكدت أنه بمجرد البدء في الاستعانة بهذه الكتيبات الإرشادية، بدأت حياتها تتغير نوعا ما.

وأضافت أن "هناك تعليمات تساعدني من خلال اعتراف القرآن بأن هناك اكتئاب، وهناك حزن، وهناك مصاعب قد تواجهها." وتابعت: "الله يمنحني تلك الأدوات لأستعين بها على تقوية إيماني." وأعربت عن سعادتها بقدرتها على ربط حياتها بالدين، ما يمنحها دعما من تعاليم القرآن.

انسحاب من البرنامج

يقود تنفيذ برنامج العلاج النفسي بشعائر الإسلام وآيات القرآن ريتشارد غارلاند، رئيس فريق البرنامج الجديد بمؤسسة تاتشستون الخيرية للصحة العقلية، والتي توفر العلاج بهذا الأسلوب الحديث لعدد من المرضى المسلمين.

وقال غارلاند إن بعض المعالجين انسحبوا من التجربة الأولى لهذا البرنامج العلاجي لأسباب مختلفة. فمنهم من ساوره القلق حيال استخدام الدين في العلاج النفسي في حين أعرب البعض الآخر عن عدم درايتهم بتعاليم وشعائر الإسلام، وفقا لمدير البرنامج.

وأضاف غارلاند أن هناك مقاومة لفكرة العلاج بالدين من قبل المتخصصين بصفة عامة، كما أن بعضهم على قناعة بأن الدين لن يقدم شيئا على صعيد علاج الاضطرابات العقلية والاكتئاب.

لكنه أكد على أن هناك جدوى كبيرة من استخدام هذا النوع من العلاج الذي يعتمد على الدين بصفة أساسية.

وأشار أيضا إلى أن هذه الطريقة الجديدة تعتمد في علاج الاكتئاب على إيمان من يخضعون له، وربط العلاج بما يؤمنون به من قيم، لذلك رجح غارلاند أن هذا البرنامج ينطوي على تطبيق فعال، خاصة لأنه يرتبط بالمنظومة العقائدية لدى من بعض من يتلقون العلاج. ويأمل من يتلقون العلاج بهذا الأسلوب الجديد أن يُعمم العمل به في جميع أنحاء البلاد، وأن يمتد إلى معتنقي الديانات المختلفة.