في حي الشعار في مدينة حلب السورية، ينظر أبو عمر بأسى الى سيارة رمادية من طراز بويك العام 1955، تضرر هيكلها بفعل المعارك التي شهدتها المدينة بين الفصائل المعارضة والجيش قبل ان يسيطر الأخير عليها.


حلب: يدور أبو عمر أو محمد محيي الدين أنيس (70 عاماً) الذي يهوى جمع سيارات قديمة الطراز حول السيارة، موضحاً أن اضراراً لحقت بسقفها وغطاء محركها ونوافذها جراء القصف.
ويقول لوكالة فرانس برس "انظروا اليها، كيف تفتح فمها وتصرخ. انها جريحة" موضحاً انه سيعمل على إصلاحها بعدما عاد الهدوء الى المدينة.

شهدت المدينة العام الماضي معارك عنيفة بين الفصائل المعارضة التي كانت تسيطر منذ صيف العام 2012 على الاحياء الشرقية والجيش الذي كان يسيطر على الاحياء الغربية، قبل أن يتمكن من السيطرة على كامل المدينة في ديسمبر. وتبدو آثار هذه المعارك وما تخللها من قصف، واضحة على الأبنية المدمرة او المنهارة جزئياً وكذلك على واجهات المحال المتصدعة والنوافذ المحطمة.

من طالب في اختصاص الطب في مدينة سرقسطة الاسبانية في السبعينات، ثم مترجم كتيب لشركة فيات في مدينة تورينو الايطالية، اختار ابو عمر العودة الى مسقط راسه حيث افتتح مصنعا لمستحضرات التجميل وتحديداً احمر الشفاه، اطلق عليه تسمية "ميلا روبنسون".

إلا أن جمع السيارات القديمة بقي شغفه الحقيقي، في هواية ورثها من والده الثري الذي كان يعمل في مجال دباغة الأقمشة ويقود سيارة من طراز بونتياك العام 1950، لا تزال موجودة لدى ابنه الذي يحتفظ بها بفخر.

وكانت المجموعة التي يملكها ابو عمر تضم ثلاثين سيارة قبل أن يخسر عشرا منها، بعد اندلاع النزاع في العام 2011، جراء سرقة بعضها وتضرر بعضها الاخر كلياً خلال المعارك.
وفي وقت لا يزال يحتفظ بـ 13 سيارة منها امام منزله وفي حديقته، صادرت الشرطة سبع سيارات اخرى كان يركنها على جانبي الطريق.

كاديلاك الرؤساء

في شباط 2016، اجرى مراسل لفرانس برس مقابلة مع أبو عمر، والتقط مقاطع مصورة لمنزله الأنيق وسياراته التي لم تكن قد تضررت كما هي حالها اليوم. ويقول الرجل المتزوج من امرأتين، احداهما تقيم في حلب والاخرى في حماة (وسط) ولديه منها ثمانية اولاد، "أحب السيارات لانهن كالنساء، جميلات وقويات".

ورغم اهتمامه بالسيارات ذات الطراز القديم عموماً، إلا أنه يفضل السيارات الأميركية المصنوعة في الخمسينات، على غرار كاديلاك وهودسن وبويك وشفروليه وميركوري ولكن ايضاً فولكسفاغن الالمانية وسيتروان "2 سي في" الفرنسية. ويوضح بثقة "لدي ثلاث سيارات كاديلاك لانها الأكثر فخامة. وعلى كل جامع للسيارت القديمة ان يقتني واحدة. واذا لم يكن لديه واحدة فهذا يعني ان مجموعته بلا رأس".

ويتباهى كثيراً بسيارة كاديلاك مكشوفة حمراء مصنوعة في العام 1947. ويقول ان ستة رؤساء جمهورية على الاقل في سوريا استخدموها. وعلى متن هذه السيارة وفق ابو عمر، تجول الرئيس المصري جمال عبد الناصر ونظيره السوري آنذاك شكري القوتلي في دمشق، بعد اعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة العام 1958.

ويقول "اشتريتها قبل 12 عاماً في مزاد علني مقابل 620 ليرة سورية، لكنني دفعت قيمة هذا المبلغ مئة مرة كضرائب لان السيارة لم تكن مجمركة". وخشية تعرضها للسرقة، يخبىء عجلات السيارة ومقاعدها داخل منزله. ولا يخفي أبو عمر المغرم باقتناء كل ما هو قديم، حزنه على الحالة المزرية التي آلت اليها سياراته المشوهة والمتضررة بفعل المعارك.

"صدمة"

ويشرح منفعلاً كما لو أنه يتحدث عن كائنات حية "كلها جريحة" مؤكداً في الوقت ذاته انه ينوي اصلاحها قبل اعادة تأهيل منزله المتضرر أيضاً، لا بل انه يقول "أخطط لشراء سيارات أخرى". ويقول جاره نيهاد سلطان (30 عاماً)، أن سكان الحي وبعدما ترك محمد منزله في الشهرين الاخيرين من المعارك في المدينة، بذلوا جهوداً لاقناع مقاتلي المعارضة بعدم وضع مدفع مضاد للطيران على احدى سياراته وهي "بيك آب" من طراز شفروليه. 

إثر انتهاء المعارك ولدى عودته الى حي الشعار، وجد ابو عمر منزله المؤلف من طبقتين والمبني في الثلاثينات، متضرراً أيضاً: غرف تصدعت نوافذها وتبعثرت محتوياتها وركام يتوسط المنزل ودرج المبنى.

ويستعيد لحظة وصوله الى الحي ووقوفه امام منزله "لدى وصولي الى هنا شعرت بالصدمة". ورغم ذلك، لا يتردد أحياناً في الجلوس في غرفة نومه كالمعتاد. يشعل غليونه ويدير الفونوغراف مستمعاً الى اغنية بعنوان "حكاية حبنا" للملحن والمطرب السوري محمد ضياء الدين.

ويضيف "احب التاريخ لأنه يعيش فيّ. كان ماضيّ سعيداً جداً لكن الاشياء تغيرت. الحاضر قاس ولكن يجب الا يدفعنا ذلك لليأس". ورفض أبو عمر عروضاً عدة تلقاها لشراء سياراته رغم حالتها السيئة. ويقول بحزم "هذه السيارات لأولادي وسأوزعها عليهم وفق الشرع: سيارتان لكل صبي وسيارة لكل فتاة".