برلين: يعاني 15% من الألمان من مختلف أمراض الحساسية، 9% منهم يعانون من الربو. ويمكن لهذه النسبة أن تتضاعف مستقبلاً بفعل التحولات المناخية الناجمة عن زيادة انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون وتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.

ووجه الأطباء الألمان اصبع الاتهام إلى التحولات المناخية التي ستضاعف عدد الجينات النباتية التي تسبب الحساسية للبشر في المستقبل. إذ ثبت ان عدد الجينات في بذور ولقاحات النباتات، التي تسبب الربو وحمى الدريس وغيرهما، يتضاعف بفعل تعريض النباتات إلى المزيد من غاز ثاني أوكسيد الكربون، وإلى المزيد من غاز النتروجين وذرات السخام في الجو...إلخ.

ويقول الأطباء من جامعة ميونيخ الألمانية إنه لاغرابة حينها أن ترتفع معدلات الاصابة بأمراض الحساسية بشكل ثابت منذ عقود. إذ تشير معطيات وزارة الصحة الألمانية إلى أن واحداً من كل ستة ألمان (أكثر من16%) يعاني من مرض حمى الدريس. وكانت هذه النسبة قبل 80 عاماً لا تتجاوز 1%.&

وربما أنه من الممكن، بحسب الخبراء من جامعة ميونيخ، تفسير تفوق المدينة على الريف في نسبة المعانين من الربو على أساس هذه العلاقة المريبة بين التحولات المناخية السلبية ونمو النباتات التي تسبب أمراض الحساسية.

تنمية النباتات في ظرف مناخ 2030

وصولاً إلى هذه النتيجة، عن العلاقة بين التحولات المناخية والحساسية، عملت الباحثة كلاوديا تريدل هوفمان، من معهد هيلمهولتز للطب البيئي في جامعة ميونيخ، على تنمية النباتات في بيوت زجاجية وفرت فيها الأجواء المناخية المتوقعة للعالم سنة 2030.

واتضح من الفحص المجهري ان هذه النباتات، التي تعرضت إلى غاز ثاني أوكسيد كربون وغاز نتروجين أكثر، كوّنت جينات مسببة للحساسية أكثر في هذه الأجواء. وذكرت تريدل هوفمان ان قوة هذه الجينات زادت أكثر، وزادت معها قدرتها على مفاقمة الأعراض الناجمة عن الربو وحمى الدريس والاكزيما والحساسيات الأخرى.

الأدهى من ذلك هو أن فترة "موسم الحساسيات"، كما هي الحال في الربيع عند انطلاق ذرات اللقاح النباتية في الجو، طالت أيضاً. وقالت الباحثة إن المعانين من الربو، بعد 40 سنة، سيعانون من المرض طوال السنة وليس في المواسم فقط. فالعوامل المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري تؤثر في النباتات مثل"الاسمدة الكيمياوية" التي تسرع وتنمي النباتات بسرعة وقوة.

هذا يثبت تقديرات العلماء الأوروبيين القائلة إن عدد المعانين من حساسية الامبروزا (غبار غني بلقاحات النباتات) في اوربا سيتضاعف حتى العام 2060. وقد نشر العلماء الاوروبيون هذه التوقعات في مجلة "آفاق الصحة البيئية"، وتحدثوا فيها عن 77 مليون أوروبي سيعاني من هذه الحساسية بعد 43 سنة من الآن.

أعراض أشد

ومن المتوقع، في ظل هذه التغيّرات المناخية، ان تشتد أعراض أمراض الحساسية أيضاً. وأكدت تريدل هوفمان أن المرضى الذين يزورون معهد هيلمهولتز يتحدثون عن تفاقم أعراضهم سنة بعد سنة منذ الآن.

وأشارت الباحثة إلى مجموعتين من البشر سيكونون أكثر عرضة لأمراض حساسية أشد في المستقبل. وأول هذه المجموعات هم الأطفال الذين يصابون بالحساسيات في عمر مبكر، وثاني هذه المجموعات هم المسنون من عمر يزيد عن 70 سنة، لأنهم سيعانون من حساسيات جلدية واكزيمات لم يكونوا يعانون منها في السابق.

وفي التجارب المختبرية في الغرف الزجاجية اتضح ان النباتات التي تنمو في المدن، وقرب الشوارع والمطارات، أكثر تأثراً بالتحولات المناخية من غيرها، بالتالي فانها ستنتج جينات أكثر مسببة للحساسيات عند البشر من النباتات التي تنمو بعيداً عن المدن. وطبيعي تلعب ذرات السخام المنطلقة من عوادم السيارات دوراً مهماً في نمو نباتات المدن.

تعليقاً على نتائج الدراسة، قال تورستن تزوبربير، من المعهد البيئي في مستشفى"شاريتيه برلين"، أن السنين الثلاثين الماضية تظهر بوضوح ان مواسم أمراض الحساسية صارت أطول، وخصوصاً عند المعانين من الربو وحمى الدريس. وطالت معها فترات النوبات التي يعاني منها المرضى، كما تفاقمت نوعياً في ذات الوقت. وحذر تزوبربير من ان الحشائش والنباتات الاعتيادية، التي تنمو على جوانب الشوارع، ستتحول إلى مصدر حساسية "ضعيف" في المستقبل بسبب تلوث بيئة المدن.

300 نبتة وزهرة تسبب الحساسية للانسان

وطبيعي لا تستثني هذه التحولات المناخية النباتات والزهور الجميلة من تأثيراتها التي تضاعف معاناة المرضى.

إذ يمكن للعديد من النباتات، بينها الكثير من الزهور الجميلة، أن تثير الحساسية للانسان، وأن تتحول من باعث على السرور الى باعث على الحكة والتورمات. ويمكن لشدة زهور كبيرة تتضمن السوسن والإقحوان وزهرة الربيع ان تحول عيد ميلاد سيدة جميلة الى يوم حزين لو كانت السيدة تعاني من الحساسية .

ونشرت نقابة أطباء الحساسية الألمان قائمة تضم أسماء 300 نبتة مختلفة قالت إنها من النباتات التي قد تثير الحساسية عند مختلف البشر. أما اكثر المعرضين لهذه الحساسية فهم العاملون في الحدائق ومحلات بيع الزهور بسبب احتكاكهم اليومي بالزهور. ويشير تقرير النقابة إلى ان 30% من العاملين في سوق الزهور الشهير في مدينة هامبورغ يعانون من حساسية التماس بزهور الاقحوان.

وذكر توماس فوكس، رئيس نقابة أطباء الحساسية، أن حساسية البعض من النباتات هي من الشدة بحيث تكون دافعاً لتغيير المهنة. وتتضاعف مخاطر المعاناة من الحساسية لدى الناس الذين يودون قضاء فترات فراغهم بالعمل في الحدائق أو على الطبيعة. فالزهور لا تخدش أيدي "الجناينية" فقط وانما قد تصيبهم بضيق النفس والطفح الجلدي واحمرار الجلد.

وهذه الحساسيات تنتشر بين النساء أكثر من الرجال، وصارت ربات البيوت من هواة العمل في الحدائق، يعانين7 مرات أكثر من العاملين في محلات الزهور من حساسية زهرة الربيع Primerose. وتعتبر مادة بريمين المتواجدة في زهرة الربيع من أكثر المواد النباتية المثيرة لحساسية الانسان. الا أن زهور الثوم، والخراشيف واللبلاب معروفة ايضاً بإثارتها للحساسية.


&