للسيجارة الإلكترونية دور في تخليص المدخنين من إدمان النيكوتين، حتى أجازت النمسا بيعها في الصيدليات ضمن "المواد الطبية العلاجية". إلا أن الخلاف يظهر بين الدول، وبين الأفراد، وبين العلماء، عند الحديث عن مضارها على صحة الإنسان.

إيلاف من برلين: بينما تبدي بريطانيا قناعة كاملة بفوائد السيجارة الإلكترونية، وتنشر الدراسات الايجابية حولها، تبدي ألمانيا وسويسرا حذرًا بالغًا منها، وغالبًا ما تنشر الدراسات التي تحذر من مضارها.

سيجارة نجوم
في السنين العشر الماضية، تحوّلت السيجارة الإلكترونية إلى سيجارة نجوم، بعدما كانت السيجارة التقليدية ماركة مسجلة لنجوم الخمسينيات والستينيات، بدءًا بمونتغومري كليفت، وانتهاء بجيمس دين.

ظهر الممثل المعروف جوني ديب في فيلم "السائح" يدخّن سيجارة الكترونية في كابينة القطار. ونقلت الصحف التي تتابع أخبار المشاهير خبر تصوير فتاة المجتمع الراقي باريس هيلتون، وهي تتتمتع بـ"تبخير" سيجارة إلكتروتية أنيقة، لونها يناسب لون بدلتها، في مرقص ليلي في لوس أنجيليس. وتفضل إحدى بطلات مسلسل "غريز أناتومي"، وهي كاثرين هيغل، الظهور في المسلسل وفي فمها سيجارة إلكترونية.

شوهد الممثل ليوناردو دي كابريو أيضًا على دراجته الهوائية، وهو يضع سيجارة إلكترونية بين أسنانه. وتم تصويره هكذا في مارس الماضي في حي "إيست فيليج" في مانهاتن، وهو يمارس رياضته اليومية.

طبيعي أن يظهر رجل المالبورو على حصانه بين الجبال، وهو يلاحق بقرة ضالة، ليتمتع بعدها باستراحة مع سيجارته المفضلة. مثل هذا السيناريو الصغير معهود في دعايات السينما، وربما سيظهر راعي البقر الأميركي يتمتع بـ"تبخير" سيجارة إلكترونية يومًا ما.

تنافس التقليدية
يعود الفضل في فكرة تبخير النيكوتين بدلًا من حرقه إلى الأميركي هيربرت أ. جلبرت، الذي يعتبر الوالد الشرعي لفكرة السيجارة الإلكترونية. إلا أن من وضع الفكرة موضع التنفيذ كان الألماني غونتر شايدت، الذي اخترع في عام 1973 أول جهاز لصناعة الضباب الدقيق. ويجري استخدام هذا الجهاز في هوليوود منذ ذلك العام في صناعة الأفلام والتصوير في الإستوديوهات. ونال شايدت جائزة الأوسكار حينها عن أفضل تقنية سينمائية.

أما السيجارة الإلكترونية في شكلها وتقنيتها الحالية فيعود الفضل في صناعتها إلى الصيني هان لي، الذي أطلق أول نوع من هذه السجائر في عام 2003.

تحتوي كل سيجارة إلكترونية على مادة عطرية وطعم يشبه النيكوتين، أو النيكوتين المخفف نفسه، وتكفي الواحدة لسحب 300 نفس أو ما يعادل 25 سيجارة حقيقية. إذا كان جوني ديب يفضل طعم التفاح في سيجارته الإلكترونية، فباريس هيلتون تفضل طعم الفانيلا. وهناك اليوم أكثر من 200 نوع من السجائر الإلكترونية التي توفر "النيكوتين" بأكثر من 200 نكهة مختلفة.

على الرغم من تحذير الأطباء من أن السيجارة الإلكترونية، وخصوصًا المزوّدة بسائل النيكوتين، ليست من دون أخطار، إلا أن سوق السيجارة الملونة التي يصل حجم بعضها إلى حجم السيجار الكوبي تكتسب رواجًا.

بحسب "ويكيبيديا"، درّت مبيعات السيجارة الإلكترونية على الشركات المنتجة نحو 2.5 مليار دولار على المستوى العالمي. وهناك 18 مليون "مبخر" في الولايات المتحدة، و3.5 ملايين &في ألمانيا.

قفزت أرباح مبيعات السيجرة الإلكترونية في ألمانيا من 5 ملايين يورو في عام 2010 إلى 420 مليونًا في عام 2016. وتقول دائرة الإحصاء المركزية إن باعة السجائر الإلكترونية يبيعون 12 ألفًا منها في كل عام.

تبخير لا تدخين
يقول منتجو السجائر الإلكترونية إنها خالية من المواد الضارة، وأكثر صحية من السيجارة التقلدية بنسبة 90 في المئة. وعلى الرغم من الاختلافات بين العلماء حول مضار "التبخير" مقارنة بتدخين النيكوتين، فالباحث الأميركي زكريا خان على قناعة أنها أصح في الأحوال كافة، وخصوصًا من ناحية النيكوتين، الذي يترسب في الجهاز التنفسي.

تطلق السيجارة عند احتراق التبغ نحو 1200 مادة مختلفة، بينها أكثر من 400 مادة خطرة على الصحة بكميات مختلفة. بين هذه المواد مادة القطران، المعروفة بترسبها في الرئتين، وتسببها بسرطان الرئة وأمراض الرئة والقصبات المزمنة. إن تدخين علبة سجائر واحدة يوميًا يعني ترسب 200 سم مكعب من القطران في الرئتين خلال سنة، وهذه كمية تعادل قدح قهوة كبير.

السيجارة الكترونية تعمل بتقنية إنتاج البخار بمساعدة تيار كهربائي توفره بطارية صغيرة مدمجة داخل "قلم" السيجارة. وهذا يجري من دون حرق تبغ، من دون جمرة ودخان ووهج، وإنما من خلال اشتعال لولب من الأسلاك الدقيقية في مقدمة السيجارة تتقد بالمصباح.

مع كل سحبة نفس يتولد تيار كهربائي صغير يبخر المادة العطرية في السيجارة، يخلطها مع الهواء النقي، وينطلق بخار، أو بالحري ضباب دقيق، يشبه الدخان. فالسيجارة مؤلفة من جزئين، يحتوي الأول، وهو الجزء الأبيض الطويل، على البطارية التي تعمل بأيونات الليثيوم، ثم الجزء الثاني، وهو العقب الذي يحتوي على المادة العطرية.

يمكن المستخدم فك السيجارة الإلكترونية وتنظيفها وتبديل البطارية وشحن خزان المادة العطرية ثم تجميعها ثانية. تحتوي السجائر الالكترونية المتطورة على ثقوب في الحلقة الذهبية التي تفصل جزئيها (العقب والجسد)، والغرض من الثقوب هو السماح بدخول الأوكسجين اللازم للتفاعل عند امتصاص النفس من السيجارة. السيجارة الألمانية من نوع "فيتاريته" مزوّدة بجهاز استشعار سمعي صغير يشغل آلية تبخير المادة العطرية حال صدور صوت الامتصاص.

سيجارة أرحم
في نهاية يناير الماضي، نشر فريق من جامعة نيويورك، بقيادة هيون وون، دراسة حول السيجارة الإلكترونية بعد تجارب أجروها على الفئران.

زرق فريق العمل الفئران على مدى 12 أسبوعًا بالسائل المستخدم في السيجارة الإلكترونية. وذكر العلماء أن الكمية التي زرقت في الفئران تعادل ما يبخره مدخن خفيف طوال 10 سنوات. وكانت النتيجة رصد نيكوتين قليل في السيجار الإلكترونية. توصل فريق العمل إلى أن مثل هذه التغيرات يمكن أن تسبب الأورام السرطانية على المدى البعيد، وذلك ينسحب على البشر أيضًا.

يعتقد طبيب أمراض الرئة الألماني توماس هيرنغ أن السيجارة الاعتيادية تسبب الإدمان مرتين، مرة على مادة النيكوتين، وثانية على عادة السعي وراء السيجارة في أثناء الحديث أو شرب القهوة أو الكحول. يمكن السيجارة الإلكترونية أن تحرر المدخن من إدمان العادة أكثر مما تحرره من إدمان النيكوتين. لذلك، كثيرًا ما يعود المدخن إلى التدخين الحقيقي بعد إنتهاء فترة العلاج بها.

يتفق الكثيرون مع الرأي القائل إن السيجارة الإلكترونية أرحم من السيجارة التقليدية. ونشرت مجلة "توباكو كونترول" البريطانية نتائج دراسة أميركية إحصائية تتحدث عن حياة أطول لأكثر من 18 مليون أميركي تحوّلوا إلى السيجارة الإلكترونية، مؤكدةً أن مخاطر هذه السيجارة تعادل 5 في المئة فقط من مخاطر التقليدية، ما يعني أن التحوّل إلى السيجارة الإلكترونية سينقذ 6.6 ملايين أميركي من الموت حتى عام 2100.

افترضت الدراسة أيضًا أن ارتفاع مضار السيجارة الإلكترونية إلى 40 في المئة من مضار السيجارة التقليدية سيعني أيضًا أن 1.6 مليون أميركي أقل سيموتون حتى عام 2100.

زرنيخ ورصاص وكروم
يبدو أن الخطر من السيجارة الإلكترونية لا يأتي من السائل الذي يتم تبخيره فحسب، وإنما من السلك اللولبي الذي يسخن ويبخر السائل. ونشر العلماء من جامعة جون هوبكنز بلومبيرغ للصحة العامة دراسة في مجلة "Environmental Health Perspectives" تقول إن معادن خطرة تتسرب من السلك إلى بخار السائل الذي يستنشق.

عثر فريق العمل على رصاص وكوبلت وزرنيخ ونيكل ومنغنيز في البخار. وتتسرب هذه المواد الخطرة التي قد تسبب السرطان إلى الكليتين والكبد والدماغ عبر الدورة الدموية، وتترسب فيها. وتوصل الباحثون إلى هذه النتيجة بعد تحليل دماء 56 مستخدمًا للسيجارة الإلكترونية.

ذكرت الباحثة آنا ماريا رول، من جامعة جون هوبكنز، أن على منتجي السيجارة الإلكترونية أن يعرفوا أن تصنيع السلك اللولبي في السيجارة بهذه الطريقة يحمل معه مخاطر تسرّب معادن سامة إلى أجسام الزبائن.

أضافت أن فريق العمل عثر في بخار السيجارة الإلكترونية على 15 نوعًا من المعادن، وأن على "إدارة التغذية والمخدرات" المستهلكين في الولايات المتحدة أن يحذروا من هذه المخاطر أيضًا.

تم العثور على 15 ميكروغرام رصاص لكل كيلوغرام، وهذا يزيد 25 مرة على ما يقوله منتجو السيجارة الإلكترونية. وتم العثور على الرصاص في 50 في المئة من العينات الـ56 التي فحصت في المختبر. كما تم العثور على الزرنيخ بكميات مضرة في 10 عينات، وفي كبسولات السوائل التي تستخدم في السيجارة الإلكترونية.

مخاطر أخرى
تخشى السلطات الصحية في ألمانيا من تجمع الجراثيم داخل السيجارة الالكترونية، كما تنتقد المنظمات الإنسانية مصادر السوائل العطرية التي يجري إنتاجها على مستوى عالمي في الصين، ويتم تصديرها إلى أوروبا والولايات المتحدة؛ إذ ليست هناك رقابة وشروط حتى الآن على هذه المواد في أوروبا.

يقول لاعب التنس الألماني لوتز ديزر إنه كان يدخن علبة سجائر يوميًا، ما يكلفه 150 يورو في الشهر، في حين أن السيجارة الإلكترونية لا تكلفه أكثر من 50 يورو شهريًا، والأهم هو أن نسبة النيكوتين في جسده انخفضت إلى الصفر تقريبًا.

ويشعر ديزر نفسه بأفضل حال، وتحسن أداؤه في لعبة التنس كثيرًا مقارنة بأيام التدخين السابقة. ثم إن علاقاته الاجتماعية تحسنت منذ صار يستعمل سيجارة "التبخير"، لأنها غير محظورة في المطاعم والمقاهي.

يبدو الطبيب الباحث فالتر دريش مقتنعًا بأن السيجارة الإلكترونية بديل صحي جدير بالاهتمام. ويقول إنه جرّب تدخين السيجارة في مطعم، وسأل الجالسين القريبين منه إذا كان "تبخيره" يزعجهم، فنفوا. ولم يعترض النادل عليه لعدم وجود قانون يحظر التبخير بعد.

مع ذلك، يعتقد دريش أن التحقق من سلامة السيجارة الإلكترونية يتطلب دراسة مقارنة بين مدخني النوعين بعد 10 إلى 15 سنة من الاستخدام، وحينها فحسب تمكن تبرئة السيجارة الإلكترونية أو إدانتها.