بيروت: هل يمكن أن تساعد بعض الأطعمة حقًا في محاربة أمراض القلب والتهاب المفاصل والخرف؟ في الأمور الصحية، كما في أمور أخرى كثيرة، يمكن أن تكون أعظم نقاط قوتنا هي ضعفنا الأكبر. فلنأخذ مثلًا ردّة فعلنا عند تعرّضنا للإصابة والالتهابات: تطلق أجسادنا جيوشًا من القوات الخلوية لقتل الغزاة وإزالة الخونة، ويتم تنظيم حركاتها من طريق إرسال إشارات كيميائية، مثل مادة الإنترلوكين التي تخبر الخلايا أين ومتى تقاتل ومتى تنسحب. ونختبر ذلك على شكل تورّم واحمرار ووجع التهاب، وهو جزء أساس من عملية الشفاء.

لكن حين تفشل الحروب في الانحسار، يصبح الالتهاب مزمنًا أو نظاميًا، هناك ثمن غال ينبغي دفعه: التهاب المفاصل، والتهاب القولون، والالتهاب الكيسي، والسكري، وسرطان القولون، والألزهايمر، وأمراض القلب، والأوعية الدموية.

تُعتبر أمراض القلب والأوعية الدموية هي القاتل الأول في العالم، وقد عرفنا منذ 20 عامًا أن الالتهاب (إضافة إلى ارتفاع كبير في مستوى الكوليسترول) يسبّب تراكم اللويحات في شراييننا. ومع ذلك، لم يكن أحد يعلم إذا كان الالتهاب الجامح قد يؤدي في الواقع إلى إطلاق النوبات القلبية والسكتات الدماغية - حتى هذا الصيف.

 أغذية مضادة للالتهاب

أظهرت النتائج من تجربة كبيرة ودقيقة التصميم أن بعض المرضى المعرضين لمخاطر عالية عانوا عددًا أقل من هذه "الحوادث" (كما يسمّيها الأطباء بشكل ألطف) عندما تمّ إعطاؤهم عقارًا يستهدف الالتهاب بالتحديد (يستهدف الإنترلوكين-1). كان ذلك إثباتًا جيدًا لصحّة نظرية بول ريدكر طبيب القلب والباحث الرئيسي من جامعة هارفارد، ومدير مركز الوقاية من الأمراض القلبية الوعائية في مستشفى بريغهام للنساء، الذي جادل وقتًا طويلًا قائلًا إن الالتهاب هدفًا حيويًا بقدر الكولسترول.

تعرّض مرضى دراسة ريدكر لنوبات قلبية، وكانوا يعانون التهابًا مستمرًا (وفقًا لقياس نسبة البروتين سي التفاعلي في الدم). لكن من المغري أن نتعلّم كلّنا دروسًا من ذلك. فبالنظر إلى أن الالتهاب المزمن يؤدّي دورًا شائعًا في أمراض القلب واضطرابات أخرى عدة، ألا أنه ينبغي علينا جميعًا أن نفعل ما بوسعنا لإبقائه تحت السيطرة.

ليس المقصود هو أخذ الأدوية مثل الأيبوبروفين، الذي يخفف الالتهاب على المدى القصير، بل شيء يمكننا القيام به في حياتنا اليومية: الأكل الصحيح. فثمة وجبات وافرة "مضادة للالتهاب"، توزّع الوصفات وتمنح الأمل. ويركّز الكثير منها على أمراض محددة - إلتهاب المفاصل وسرطان الثدي وأمراض القلب واضطرابات المناعة الذاتية. حتى أن المعلم الصحي أندرو ويل وصل إلى حدّ تقديم "هرم غذائي مضاد للالتهابات".

النظام الغذائي المتوسطي

غير أن العلم الكامن وراء ذلك متزعزع إلى حد ما. ومن المؤكد أنه تم العثور على الكثير من الأطعمة لتخفيف الالتهاب، معظمها نجح في التجارب المخبرية وليس على مستوى الناس: الكركم، والعنب البري، والزنجبيل، والشاي، والخضروات المختلفة، والشوكولاتة الداكنة، والأسماك. حتى أن جيمس هيبير ونيتين شيفابا، وهما عالما أوبئة في جامعة كارولينا الجنوبية، قاما بفحص 1943 من هذه الدراسات ونشرا في العام 2014 المؤشر الغذائي الالتهابي الذي احتوى على 45 عنصرًا غذائيًا، واعتُبر أداة بحث لتقييم الأنظمة الغذائية، ولكنّهما أقرّا بأنه مبني على أساس دراسات متباينة المنهجية.

وعند سؤال ريدكر عن رأيه حول الحميات المضادة للالتهابات، بدا مرتبكًا. وعلّق قائلًا: "لقد انتشرت بسرعة كبيرة، لكنني شاهدت القليل من البيانات التي تقول إن هذا الطعام مضاد للالتهاب وذاك مسبّب للالتهاب. وهو ينصح مرضاه بأن يتبعوا حمية البحر الأبيض المتوسط، الغنية بالخضار والحبوب الكاملة والأسماك، والفقيرة باللحوم الحمراء والأطعمة المصنعة.

في الواقع، هذا النظام الغذائي الذي أيّده أطباء القلب منذ فترة طويلة، ظهر في دراسات مصممة بشكل جيد للحد من العلامات الرئيسة للالتهاب وخطر الإصابة بأمراض القلب. هل سيكون أكثر فاعلية إذا تضمّن المزيد من العنب البري والكركم؟ لا يوجد من يعرف بالتاكيد.

سياق غذائي متكامل

بحوث الأنظمة الغذائية معقّدة. وفي هذا الإطار تشرح مارثا كلير موريس، اختصاصية التغذية في جامعة راش في شيكاغو، أن الكركم قد يعمل عجائب مضادة للالتهاب لدى الفئران، لكن "هذا في سياق طعام القوارض مع مجموعة كاملة مختلفة من المغذيات الدقيقة والجزئية".

والسياق مهم. فالنظام الغذائي النموذجي للبحر المتوسط يشجّع على تناول كميات كبيرة من المأكولات البحرية أسبوعيًا، مع ذلك، فإن الدراسات التي أجريت على الأشخاص الذين يتناولون زيوت السمك كمكمّل غذائي، لم تجد فائدة كبيرة.

لهذا السبب، يفضل الباحثون مثل موريس دراسة الأنماط الغذائية الشاملة بدلًا من المكونات الخاصة. ويقوم مشروعها الحالي بفحص ما إذا كان يمكن إبطاء التراجع المعرفي مع نظام MIND الغذائي الذي يجمع بين عناصر من النظام الغذائي المتوسطي، ونظام غذائي آخر مدروس جيدًا اسمه DASH. هذا المشروع سوف يتناول الالتهاب، لكنّ النتائج لن تصدر قبل عام 2021.

حتى ذلك الحين، لا يوجد ضرر في إضافة المزيد من المكونات المضادة للالتهابات إلى نظامك الغذائي. يقترح هيبير تناول شاي حار (بالزنجبيل والكركم والفلفل). لكن لا تنس السياق! لذلك لا تشربه مع الكوكيز ورقائق البطاطس.

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "ساينتفيك أمريكان". الأصل منشورة على الرابط:

https://www.scientificamerican.com/article/the-messy-facts-about-diet-and-inflammation/