يقول علماء أميركيون إنهم اكتشفوا وجود نقطة ضعف تعمل بمثابة "كعب أخيل" في أكثر أنواع سرطان البروستات شراسة، وإنهم طوّروا عقارًا يطلق السهام على نقطة الضعف هذه.

إيلاف من برلين: تشير الإحصائيات الدولية إلى تصاعد مطرد في عدد إصابات سرطان البروستات على المستوى العالمي. وسجلت سلطات الولايات المتحدة الصحية حدوث 200 ألف إصابة جديدة كل عام، كما سجلت السلطات الصحية الألمانية حصول 28 ألف إصابة جديدة بسرطان البروستات.

ويعتبر سرطان البروستات ثالث سرطان قاتل للرجال في العالم، بعد سرطان الرئة وسرطان القولون، لكنه ينتشر أكثر في أميركا وأستراليا وشمال أوروبا من آسيا وأفريقيا وجنوب وشرق أوروبا. إلا أن الإصابات بهذا الورم ترتفع في كل بلدان العالم بنسب متساوية، بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية.

ونشرت مجلة "ترانسليشونال ميديسن" المتخصصة تقريرًا لعلماء جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو يقول إنهم اكتشفوا سر شراسة بعض أنواع سرطان البروستات. ويشير التقرير إلى العثور على "ناظم إجهاد" يقي الخلية السرطانية في البروستات من "إجهاد" تراكم إفراز البروتينات في الخلية. وهو إجهاد قد يؤدي عند استمراره إلى موت الخلايا السرطانية "انتحارًا".

فرامل في الخلية السرطانية
وصف العلماء "ناظم الإجهاد" الخلوي المذكور على أنه "فرامل" يمكن للعلماء في المستقبل الضغط عليها بوساطة العقاقير بهدف القضاء على الورم السرطاني. 

وعبّر العلماء عن أملهم بفتح باب جديد في سبل معالجة أكثر أنواع سرطان البروستات شراسة. وأوضح الباحثون في تقريرهم أن خلايا سرطان البروستات، حالها حال العديد من الأمراض السرطانية الأخرى، تتعرض إلى "تحويرات جينية" تؤدي إلى زيادة فرز البروتينات داخلها. ومن الطبيعي أن تؤدي هذه العملية إلى نمو أسرع للخلايا السرطانية، لكنها تتحول إلى "كعب أخيل" فيها، لأن تراكم هذه البروتينات قد يطلق عملية الموت المبرمج للخلايا السرطانية.

وذكر هاو نغوين، من جامعة كاليفورنيا، أن البروتينات الزائدة التي تفرز داخل الخلية السرطانية تصبح سامّة للخلية عند تراكمها وعجز الخلية عن التخلص منها.

لهذا السبب ركز نغوين وفريق عمله على دراسة سبل تجاوز الخلايا السرطانية للـ"إجهاد" الناجم من تراكم البروتينات، وسبب قدرة الخلايا على مواصلة التكاثر.

تحويران جينيان قاتلان
أخضع فريق العمل عينات بشرية من أكثر أنواع سرطان البروستات إلى أبحاثهم، وتوصلوا إلى تحويرين جينيين يتحكمان بالعملية. وكتب العلماء أن التحويرات على جين PTEN وجين MYC في الخلايا السرطانية، وخصوصًا المنبثة والقاتلة للبشر منها، هي سر مناعة هذا السرطان على العقاقير.

حينما درس العلماء أسباب ذلك في تجاربهم على الفئران المصابة بسرطان البروستات، توصلوا إلى أن فرز قليل للبروتينات في خلايا الأنواع الشرسة من هذه السرطانات. وظهر تحت المجهر أن التحورات الجينية في جين PTEN وجين MYC في الخلايا السرطانية تزود هذه الخلايا بـ"نظام سيطرة" يحمي هذه الخلايا من إجهاد تراكم البروتينات.

فضلًا عن ذلك، توصل نغوين وفريق عمله إلى وجود بروتين معيّن اسمه P-elF2a في الخلية السرطانية يتحكم، وهو في حالته النشيطة، بالتحويرات الجينية المذكورة، ويعمل بمثابة فرامل بيولوجية. ويحرص هذا البروتين على تنظيم فرز البروتينات في الخلية السرطانية، ويؤدي ذلك إلى خفض سرعة نموها وتكاثرها، لكنه يمنحها الشراسة وطول الحياة والقدرة على الانبثاث.

سرطان أكثر شراسة
للتأكد من دور هذا البروتين في حياة خلايا شرطان البروستات، ودوره في شراستها، فحص العلماء 422 عينة مكرسكوبية أخذت من الأورام السرطانية في البشر. وتوصلوا فعلًا إلى أنه كلما زاد تركيز بروتين P-elF2a في الخلايا السرطانية، كلما زاد خطر الموت على المريض.

في التفاصيل شكلت عينات سرطان البروستات التي تعاني من التحور الجيني ومن قلة فرز بروتين P-elF2a نسبة 4% من الأمراض الشرسة التي عادت إلى الانبثاث بعد استئصالها. هذا، بينما شكلت نسبة العينات التي تعاني من تحور جيني ومن زيادة في فرز بروتين P-elF2a نسبة 19% من الحالات التي انبث فيها المرض بسرعة، وأدى إلى موت المصابين.

كبح بروتين P-elF2a
انتقل فريق العمل بعدها إلى اختبار بعض المواد القادرة على كبح جماح بروتين P-elF2a وإطلاق عملية الموت المبرمج للخلايا السرطانية.

فوجد العلماء في عقار اسمه ISRIB ضالتهم. ويقولون إن استخدامه ضد خلايا سرطان البروستات أدى إلى فرز منفلت للبروتينات، وإلى زيادة التحويرات الجينية على جين PTEN وجين MYC في الخلايا السرطانية.

فعلًا نجح العقار في دفع خلايا سرطان البروستات الشرسة إلى "الانتحار"، وذلك في عينات سرطان البروستات البشرية، وفي العينات المماثلة من الفئران التي تعاني من المرض.

يؤكد نغوين وزميله ديفي روغيرو أن ISRIB قتل الخلايا السرطانية فقط، ولم يؤثر في الخلايا السليمة. وظهر من التجارب أن حجم السرطان في الفئران التي عولجت بهذا العقار تقلص، كما عاشت الفئران حياة أطول من غيرها.

ويأمل فريق العمل الآن بالتحول إلى الدراسات السريرية التي تستخدم عقار ISRIB في مكافحة الأنواع الشرسة من سرطان البروستات.

جدير بالذكر أن ثلث إصابات سرطان البروستات في العالم يعالج عن طريق استئصال غدة البروستات جراحيًا، وهو علاج لا يودي بهذه الغدة المهمة فحسب، وإنما قد يودي بفحولة الرجل أيضًا. وإذ يعالج ثلث الحالات اليوم بوساطة الهرمونات، يعالج الثلث الأخير من المصابين بوساطة "الحبيبات المشعة "، وهي حبيبات تزرع في البروستات كي تتولى وقف نمو وقتل الخلايا السرطانية.