&طوّر العلماء آلة مُخصصة لالتقاط موجات الجاذبية التي تحدث عنها آينشتاين، ضمن تجربة تؤكد صحة فهمنا لنظرية النسبية العامة من عدمه، فيما أشار العلماء إلى أن عدم نجاح التجربة سيؤدي إلى إعادة النظر في طريقة عمل الكون.

&
إعداد عبد الإله مجيد: ستبدأ عمّا قريب، في منطقة قرب مدينة بيزا الايطالية، تجربة واسعة حول ظاهرة فيزيائية فلكية لم يتمكن العلماء من رصدها حتى الآن، وهي موجات الجاذبية، وفي حال تكللت هذه التجربة بالنجاح فإنها ستؤكد لأول مرة أعظم تنبؤات البرت آينشتاين بصورة مباشرة، وإذا باءت التجربة بالفشل فإن من الجائز أن يُعاد النظر بقوانين الفيزياء.&
&
وقال الدكتور فرانكو فرانسكوني من جامعة بيزا وعضو فريق فيرغو الدولي "ان لدينا فرصة ربما لأول مرة لاكتشاف موجات الجاذبية على الأرض"، مضيفًا "ان هذا سيكون دليلًا واضحًا على ان ما قاله آينشتاين قبل 100 سنة صحيح تمامًا". &&
&
نظرية آينشتاين
&
وكان آينشتاين قدم في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 1915 النص النهائي لمعادلاته الرياضية الى أكاديمية العلوم البروسية، وكانت هذه المعادلات الأساس الذي بُنيت &عليه نظرية النسبية العامة، بوصفها ركنًا من أركان الفيزياء الحديثة، وقد أحدثت انقلابًا في فهمنا للمكان والزمان والجاذبية، فمنها استطعنا ان نفهم الكثير، إنطلاقًا من توسع الكون، وصولًا الى حركة الأجرام السماوية ووجود الثقوب السوداء.
&
لكن آينشتاين افترض، ايضًا، وجود موجات جاذبية، وهي من حيث الأساس موجات من الطاقة تشوه نسيج المكان والزمان، وتشبه الجاذبية.&
&
الأمر أشبه بما يحدث حين نلقي حجرًا في بركة، فالجسم الذي له كتلة، يصنع هذه الموجات حين يتحرك، حتى إذا كان هذا الجسم نحن، ولكن كلما كانت الكتلة أكبر كانت الحركة أشد تأثيرًا، والموجات اكبر حجمًا، وقد تنبأ آينشتاين بأن الكون يزخر بهذه الموجات.
&
كان متعذرًا ...
&
وفي حين ان الفلكيين توصلوا الى أدلة غير مباشرة على وجود موجات الجاذبية، فإن رصدها بشكل مباشر، عبر إلقاء نظرة على مثل هذه الغرائب الكونية، كان متعذرًا حتى الآن. &
&
وأوضح الفيزيائي الدكتور توبي وايزمان، من كلية امبريال في لندن، ان عدم رؤية موجات الجاذبية ليس مستغربًا، لأن الجاذبية هي في الحقيقة أضعف القوى الموجودة، وحتى المصادر الفيزيائية الفلكية الكبيرة لا تنبعث منها إلا موجات جاذبية ضعيفة، فيما يأمل العلماء الايطاليون الآن بالعثور على هذه الموجات، لكن ذلك لن يكون سهلًا.&
&
وكانت اول محاولة قامت بها تجرية "فيرغو" بدأت عام 2007، لكنها لم ترصد شيئًا لا هي ولا نظيرتها الاميركية التي أُطلق عليها اسم "ليغو"، وهو مختصر لمرصد قياس موجات الجاذبية الاميركي. &
&
... وبات بمتناول اليد
&
ويجري الآن تحديث جهاز "الانترفيروميتر" المستخدم في التجربة لقياس التداخل الضوئي، ويأمل فريقا العلماء الايطالي والأميركي بأن تكون التحسينات التي أُدخلت على حساسية الانترفيروميتر مفتاح النجاح في بحثهم عن موجات آينشتاين المفقودة.&
&
ونقلت "بي بي سي" عن الدكتور فرانسكوني ان التكنولوجيا المتاحة لكشف موجات الجاذبية لم تتوفر إلا اليوم، مشيرًا الى ان العلماء امضوا السنوات العشر الماضية في تطوير تكنولوجيا متقدمة للغاية من أجل بناء انترفيروميتر من هذا النوع، بهدف قياس التداخل الضوئي. &
&
تجربة "فيرغو"
&
ويحاول العلماء رصد تشويهات ضئيلة تحدث عندما تمر موجات الجاذبية عبر الأرض، وهم يأملون برؤية انبعاثها نتيجة احداث كونية عنيفة، مثل انفجار نجوم أو تصادم ثقوب سوداء.&
&
وتتكون تجربة فيرغو من نفقين متطابقين بطول 3 كلم في تكوين عملاق على شكل حرف L، ويجري توليد حزمة من أشعة الليزر ثم شطرها الى نصفين، نصف يُطلق في النفق الأول، والنصف الآخر يندفع عبر النفق الثاني.&
&
وترسل مرايا في نهاية كل نفق اشعة الليزر المنطلقة في اتجاهين معاكسين قبل اعادة ربط النصفين، احدهما مع الآخر، وتوظف هذه العملية المعقّدة خاصية أشعة الليزر المتمثلة بحقيقة انها حزم كثيفة من الضوء، وما الضوء إلا موجة.&
&
وإذا تخيلنا موجتين تتصادمان في محيط احداهما في ذروتها، والأخرى في طور هبوطها الأقصى، فان احداهما تلغي الأخرى، ويصح الأمر نفسه على ما يحدث داخل نفقيّ التجربة، فإذا قطعت الموجتان المسافة نفسها داخل النفقين ستلغيان احداهما الأخرى، بحيث لا تُنتجان أي اشارة. &
&
ولكن إذا انطلقت موجة جاذبية عبر النفق بأكمله، فإنها ستحدث تشويهًا ضئيلًا للغاية في ما يحيط بها، مغيِّرة طول النفقين بمقدار في منتهى الصغر، جزء من عرض الذرة.
&
وتعني الطريقة التي تتحرك بها الموجات في المكان والزمان، ان احد النفقين سيتمدد والآخر سيتقلص، ما يؤدي الى ان تغطي احدى حزمتيّ الليزر مسافة أطول قليلًا، في حين ان الحزمة الأخرى ستقطع مسافة أقصر.&
&
ونتيجة لذلك، ستعود الحزمتان الى الالتحام بطريقة مغايرة، حيث ستتداخل الموجات الضوئية مع بعضها البعض بدلًا من الغاء بعضها البعض، وسيتمكن العلماء من رصد الاشارة.&
&
وبُذلت جهود هائلة لعزل التجربة عن القرقعات العامة التي تسود الأرض، من ضوضاء السيارات الى الهزات الأرضية.
&
وقال فرانسكوني ان العلماء يحاولون بناء آلة تتفادى الضوضاء المحتملة، وان هذه الآلة راسية مباشرة على الطابق الأرضي، والطابق الأرضي يهتز كما هو معهود منه، واضاف: "ان التحدي الأهم هو عزل المرايا، واننا من البداية انفقنا كثيرًا من الوقت لتطوير بندول متعدد المراحل لعزل المرايا عن الضوضاء الزلزالية".&
&
ثقة بالنجاح
&
ولكن حتى بلوغ هذا الأمر، لن يكون التقاط إشارة في ايطاليا كافيًا، فإذا رُصدت موجة جاذبية هناك ينبغي ان ترى الاشارة النسخة الاميركية المحدَّثة من التجربة الايطالية، أي ليغو أيضًا، وقد أُعدت ليغو وهي جاهزة لتشغيلها في اواخر هذا العام. &
&
ولدى الفرق المتعاونة ثقة بالنجاح، حتى انهم يتوقعون ان يكون 1 كانون الثاني (يناير) اليوم الذي يتحقق فيه هذا الاختراق العلمي. &
&
وقد يكون هذا التوقع في غير محله، لكن الدكتور فرانسكوني، الذي يعمل في هذا المجال منذ عشرين عامًا، واثق من ان نهاية البحث عن موجات آينشتاين باتت قريبة.&
&
وإذا لم تظهر موجات الجاذبية، فان هذا يعني إعادة تصميم التجربة، وفي الحالات القصوى، قد يعيد الفيزيائيون النظر بطريقة عمل الكون.&
&
ولكن القاء نظرة مباشرة على موجات الجاذبية، سيفتح نافذة على الكون لم تكن ممكنة لولا آينشتاين.&
&
ونقلت "بي بي سي" عن الدكتور وايزمان، من كلية امبريال في لندن، قوله: "ان رؤية موجات الجاذبية ستكون تأكيدًا عظيمًا لفهمنا لنظرية النسبية العامة، ولدينا سبب وجيه للاعتقاد بأنها موجودة، لكننا لا نستطيع ان نتأكد من اننا نفهم النسبية العامة فهمًا صحيحًا الى ان نرى هذه الموجات في المكان والزمان مباشرة".&
&
وقال وايزمان ان رصد موجات الجاذبية سيتيح للعلماء اختبار نظرية النسبية العامة، &وستضع بيدهم، أيضًا، أداة لرصد جملة من الأجسام الساحرة في الكون الذي نعيش فيه.&
&