يقع اليمن اليوم بين مطرقة التقسيم وسندان الارتهان لأموال إعادة الاعمار، فأي كفة هي الراجحة؟

الرياض: اتفق محللون استراتيجيون أن اليمن الجديد ومرحلة ما بعد الحقبة الحوثية لن تتوقف عند حدود دحر الانقلابيين عبر الحسم العسكري، بالتوازي مع الحل السياسي، إذ إن الجهود الخليجية ستعمل على تنفيذ تصور شامل لما يجب أن تكون عليه الدولة الجديدة من خلال تأطير مؤسسات الدولة وبنائها، وجعل الخيار الديمقراطي منهجًا للوصول إلى السلطة من دون إغفال للتباينات الفكرية التي يزخر بها المجتمع اليمني.

هذا التصور طرح العديد من التساؤلات حول تحديات المرحلة القادمة، ولا سيما مع وجود إرهاصات عن نشوء دولة يمنية مقسمة بين الحوثيين في صعدة والقاعدة في مأرب، فضلًا عن توقعات بوجود صعوبات في مسيرة تمويل إعادة أعمار ما هدمته الحرب في اليمن، في ظل انخفاض أسعار النفط في المنطقة.

هنا يبرز السؤال المركزي عن ماهية الآليات التي سيتم عبرها تجسيد المشروع الخليجي الطموح في اليمن.

إرهاصات تفكك الدولة

عبدالسلام محمد، رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث، أوضح أن التحالف العربي شخّص المشكلة في اليمن في قضية الانقلاب على الشرعية، وبالتالي فإن هذه النقطة أخذت الكثير من الإجراءات والوسائل من ضمنها التدخل العسكري، وهناك عملية سياسية قادمة بعد الانتهاء من حالة الميليشيات الانقلابية، مشيرًا في حديثه لـ"إيلاف" إلى أن اليمن أثناء الحرب شهد صراعًا أمنيًا جعل الكثير من المجموعات الإرهابية والجماعات المسلحة تتوسع في إطار غياب الدولة.

أضاف: "وبعد انتهاء الحرب سيعتبر هذا التحدي الأهم بالنسبة لليمنيين، والدول الخليجية تعي هذه المسألة جيدًا، المشكلة لم تكن في القضايا الأساسية التي اتفق عليها اليمنيون في مخرجات الحوار الوطني بقدر ما كانت في السلطة المركزية والوضع المتخلف للقوى الحاكمة في البلاد سابقًا، وكنتيجة لذلك جاءت نتيجة الميليشيات العسكرية وتوسعت".

وقال عبد السلام إن الحلول المطروحة لإشكالية توسع هذه الجماعات يمكن في تطبيق مخرجات الحوار الوطني والذهاب إلى جمهورية فيدرالية في اليمن.

وأضاف: "من خلال هذا الإجراء سيتم معالجة كثير من الإشكاليات التي أفرزتها الحرب خلال الفترة الماضية، إضافة إلى محاولة استيعاب بعض القوى المتمردة التي ستتخلى عن السلاح والعنف. السيناريو الثاني المتوقع إذا طالت الحرب يتمثل في تزايد الفراغ أكثر خاصة مع عدم قدرة السلطة الشعبية على السيطرة على البلاد، مع وجود كثير من التداخلات الإقليمية والدولية في ظل ما تعانيه المنطقة من صراع واضح بين قوى متعددة والتحالف الروسي الإيراني السوري" .

تحديات إعادة الإعمار

الدكتور عبد العزيز صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، أكد أن هناك عدة استحقاقات ستبرز حال انتهاء العمليات العسكرية، منها ما هو فوري، ومنها ما هو بعيد المدى.

أضاف لـ "إيلاف" أن هناك حاجات فورية مثل المحافظة على الأمن ومنع حدوث انفلات امني في المدن اليمنية وعلى السعودية وحلفائها تقديم الدعم لحكومة اليمن الشرعية في تأسيس الأمن والاستقرار، وهناك أيضًا حاجة خدماتية ملحة مثل الرعاية الصحية وتوفير الكهرباء والماء، وتوفير القدرات المالية لدفع رواتب موظفي الدولة، أما على المدى البعيد فهناك حاجة لبناء الاقتصاد المنهار، والسعودية وحلفاؤها على دراية تامة بهذه المتطلبات فالاستقرار في اليمن لا يمكن تحقيقه من دون توفير بيئة ملائمة للمواطن اليمني ليعيد بناء الدولة والمجتمع".

أوضح صقر أن مسيرة تمويل إعادة البناء وإعادة الدولة ستكون صعبة، خصوصًا في ظل الأزمة المالية التي تعانيها دول مجلس التعاون النفطية، بسبب انهيار أسعار النفط العالمية والتي أثرت بشكل كبير على المداخيل المالية لهذه الدول، بجانب كلفة العمليات العسكرية في اليمن وبجانب الالتزامات الخارجية لدول عربية أخرى تعاني أزمات سياسية او اقتصادية وتستوجب الدعم والمساعدة.

منح ومعونات

وأضاف: "المبالغ المالية التي يستوجب تقديمها لعملية إعادة البناء لن تتوافر بسهولة أو بالسرعة المطلوبة بسبب الوضع المالي والاقتصادي للدول الخليجية المانحة، وفي الوقت نفسه فإن ما سيقدمه المجتمع الدولي من المنح او المعونات المالية لن يكون بالقدر الذي يفي بجميع المتطلبات الأساسية".

تجدر الإشارة إلى أن مراقبين أكدوا أن عمليات إعادة إعمار اليمن لن تقتصر على طابع الحكومات، بل سيتعداها إلى فئات المنظمات ورجال الأعمال. كان البنك الإسلامي للتنمية اعلن أنه سيلجأ لطرح صكوك للمساهمة في تمويل إعادة إعمار اليمن عبر تمويل أنشطة خاصة باللاجئين وإعادة البناء، فيما أعلن أيضا مستثمرون سعوديون تعهداتهم بإعادة إعمار اليمن عبر ضخ خمسة مليارات دولار كاستثمارات تنموية تتنوع ما بين الصناعية والزراعية وكذلك السياحية والعقارية بحسب وعودهم.

غير مؤهل

من جانب مواز، يستبعد الخبراء أهلية اليمن، بخلفياته السياسية والاقتصادية وبأبعاده الفكرية والحزبية الانضمام إلى منظومة مجلس التعاون، مؤكدين أن أمام الدولة اليمنية مشوار طويل جدًا، وعليها أولًا بناء أرضية صلبة من التوافق والعلاقات الداخلية المتوازنة التي ستنعكس على بناء علاقات إقليمية متوازنة وتأثير وفاعلية في المحيط العربي، تؤهله لدخول المجلس.

أكد الخبير الاستراتيجي الدكتور على التواتي لـ "إيلاف" أن اليمن غير مؤهل حاليًا للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، مشيرا إلى أنه يمكن أن يعامل معاملة خاصة من خلال امتيازات في التجارة البينية وفي العمالة وبعض الجوانب الاقتصادية، "لكن انضمامه إلى مجلس التعاون مستبعد، ولاسيما مع وجود المكونات الداخلية المتصارعة والمتناحرة، في وقت تعتمد دول المجلس على التوافق السياسي، واليمن أمامه مشوار طويل للتوافق وبناء علاقات داخلية متوازنة يمكن أن تمكنه بناء علاقات متوازنة إقليميًا وان يكون عضوًا منتجًا في مجلس التعاون".

أكد التواتي أن اليمن بوضعه الحالي وفي ظل التوازنات الموجودة فيه منذ أمد طويل لم يكن مؤهلًا، ولن يكون مؤهلًا، ما لم يستطع تجاوز هذه المرحلة وتشكيل بنية سياسية وقاعدة تقاسم سلطات داخل البلد، تضمن الاستقرار وتضمن التوافق.

وأضاف: "عندها يكون انضمام اليمن بناءً، لكن أن ينضم اليمن مع صراع قوي داخله واختراقات إقليمية ودولية، فانا لا اعتقد أن اليمن مؤهل حاليًا، مثله مثل تركيا التي اعتبرها الاتحاد الأوروبي غير مؤهلة للانضمام إليه".

مشروع سلمان

المحلل السياسي الدكتور زيد الفضيل أوضح لـ "إيلاف" أن معوقات انضمام اليمن لمنظومة مجلس التعاون تتمثل في عنصرين: "الأول نظام المجلس والقائم على توافق النظم السياسية بحيث كلها ملكية، وبالتالي انضمام اليمن للمجلس لم يكن خيارًا مطروحًا حتى منذ تأسيس المجلس عام 198، والثاني هو عدم استقرار اليمن، وبالتالي من الصعب استيعابه حاليًا، فضلًا عن أن القيادة السياسية ليست ذات ملاءة تخولها دخول المجلس".

المحلل السياسي اليمني الدكتور فيصل العواضي أوضح لـ "إيلاف" أن الأولوية حاليًا بالنسبة إلى اليمنيين، وهذا مستوعب لدى الإخوة الخليجيين بأن يكون الخليج في هذه المرحلة شريكًا أساسيًا في مساعدة اليمن وبناء مؤسساته، "حتى يكتمل جسد الدولة لكي يصبح اليمن مؤهلًا ليقوم بدور فاعل ومؤثر، وحينها سيؤدي دوره المفترض مع إخوانه في دول مجلس التعاون، وربما توضع خطة زمنية لتأهيل اليمن واستيعابه في المجلس في مراحل لاحقة، لكن هذا ليس أولوية"، مؤكدا أنه في كل الظروف لن يترك اليمن وحده بعد اليوم، فالملف اليمني خليجي بامتياز، "وسنسمع قريبًا عن مشروع الملك سلمان بدلا من مشروع مارشال، وسيدخل القواميس السياسية لمساهمته في إعادة بناء اليمن من جديد".