ربما تحكم المهنية الإعلامي أن يحفظ رصانته، فلا يتأثر بالخبر، إلا أن الإنسانية تغلب كل تطبع، فينهار الإعلامي على الهواء مباشرة، متى يرى العائلات المسفوحة بقنابل لا تميّز بين كبير وصغير.

إيلاف من دبي: بلغت المأساة السورية مبلغًا من الأسى جعلها تبكي الحجر، فكيف لا تبكي مذيعة أخبار حين ترى أشلاءً بشرية تنتشل من بين حديد المنازل المسفوحة بالقنابل المحرمة دوليًا، أو حين تشاهد طفلة لم تكمل شهرها الأول بعدما تنتشل حية من تحت أنقاض منزلها، ناجية وحيدة، تغادر أفراد عائلتها الخمسة قتلى تحت هذه الأنقاض؟.

أنا بشر
هذا ما حصل الخميس لمذيعة "بي بي سي" كيت سيلفرتون، وهي تذيع تقريرًا عن إنتشال رضيعة سورية من تحت حجارة بيتها المقصوف في إدلب السورية.&

سيلفرتون ما تمكنت من تمالك نفسها، والاعتصام برزانتها ومهنيتها، فقرأت الخبر بصوت مرتجف، وذرفت دموعها بعد تقرير ظهر فيه متطوع شاب في جهاز الدفاع المدني السوري، المعروف بالخوذات البيضاء، يبكي هو الآخر، وهو يحمل الرضيعة التي أنقذها بعد ساعتين من الحفر، وضمّها إلى صدره، مسرعًا إلى سيارة الإسعاف.&

تغريدة كايت سيلفرتون

بقيت الدموع في عيني سيلفرتون حتى بعد انتقالها إلى تقرير آخر.

وبعد الحادثة، غرّدت سيلفرتون قائلة: "أنا أيضًا بشر"، وكأنها تعتذر عن لحظة إنسانية داهمتها، وهي التي عليها أن تلتزم الحياد في قراءة الخبر.

لا يجد دمعًا
في أغسطس الماضي، بكت كايت بولدوان، مذيعة "سي إن إن" وهي تقرأ خبر انتشال الطفل السوري عمران دقنيش (5 أعوام) من تحت الأنقاض، بعد غارة جوية نفذها طيران النظام السوري وروسيا على حلب، فأثار جدلًا كبيرًا، وتلقت بسبب ذلك بعض الانتقادات.

فعلى الرغم من محاولتها حبس دموعها، لكنها عجزت في النهاية، بسبب تأثرها بحال الطفل دقنيش، الناجي من القصف الجوي العنيف. وهي صمتت ثوانيَ عدة كي تستجمع أنفاسها قبل أن تتابع.

وحين عرض صور الطفل بعد انتشاله من تحت الأنقاض، ونقله إلى سيارة الإسعاف صامتًا مصدومًا، علقت بولدون قائلةً: "بحسب الناشطين، هذا عمران... كان مع أمه وأبيه وأخته وأخيه حين تعرّض منزلهم إلى ضربة جوية. من قصفه؟، لا نعرف. لكنه سُحب مع عائلته من تحت بقايا منزلهم، بعدما دفنوا تحت أنقاضه".

أضافت: "يؤلمني أننا نذرف الدمع، لكنه لا يجد دمعًا يذرفه، إنه لا يبكي، فهذا الطفل الصغير في حالة صدمة تامة".

إيلان جوعان؟
قبل ذلك، كان دمع الإعلامي المصري وائل الإبراشي مؤثرًا حين كان يحادث والد الطفل السوري الغريق إيلان الكردي، الذي جرفته الأمواج إلى الشواطئ التركية، بعدما غرق به وبعائلته مركب كان الوالد الناجي يأمل أن ينقلهم من "جهنم سورية" إلى "نعيم أوروبا"، ولو بطريق غير مشروع.

كان هذا الطريق الوحيد المفتوح. فالبحر من أمامه، والنار والقتل من ورائه، وحين سأله الإبراشي أن يقول كلمةً، بينما صورة ولده المسجّى على الرمل ماثلة أمامه، ما كان في بال الوالد المفجوع إلا أن يسأله ابنه إن كان "جائعًا".

حاول الإبراشي طوال المقابلة الهاتفية أن يتمالك نفسه، إلا أن صوته المرتجف فضحه، كما هروب الكلمات منه.