مرة جديدة يصر المتمردون الحوثيون على عرقلة أي جهود للسلام، إذ أعلنوا ليل أمس عن تشكيل ما أسموها "حكومة إنقاذ وطني" كلفوا محافظ عدن السابق بترؤسها، في وقت نجت المكلا من كارثة كانت ستفتك بمدنيين كثيرين بعد تفكيك القوى الأمنية ألغاماً كانت مزروعة داخل حطام سفينة في البحر.

إيلاف من صنعاء: في وقت لا يزال ولد الشيخ أحمد، المبعوث الأممي إلى اليمن، يحاول جاهدًا إعادة إحياء مشاورات السلام، وفي الوقت الذي أكد فيه الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي تمسك الشرعية بخيار السلام وفق المرجعيات الثلاث والمتمثّلة بالمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات الأمم المتحدة، ومنها القرار 2216، ضرب الحوثيون بكل تلك المساعي عرض الحائط.

فقد اعلن المتمردون الحوثيون، الذين يسيطرون على قسم من اليمن ضمنه العاصمة صنعاء، الاحد أنهم قرروا تشكيل حكومة "انقاذ وطني"، بالتوازي مع حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي التي مقرها عدن (جنوب).

وصدر قرار تشكيل هذه الحكومة عن المجلس السياسي الاعلى، الذي كان تشكيله في نهاية يوليو من قبل الحوثيين وحلفائهم انصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ادى في 6 اغسطس الى تعليق مفاوضات السلام اليمنية التي رعتها الامم المتحدة في الكويت لمدة ثلاثة اشهر. وقال موقع سبانيوز التابع للتمرد إن رئيس المجلس السياسي الاعلى صالح الصماد كلف الاحد صالح بن حبتور "تشكيل حكومة انقاذ وطني".

صالح بن حبتور&

وصالح حبتور الذي كان محافظ عدن حتى سيطرة الحوثيين الموقتة عليها في مارس 2015، عضو في المكتب السياسي لحزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة علي عبد الله صالح. ومن شأن تشكيل المجلس السياسي الاعلى غير المعترف به دوليًا، وتشكيل حكومة في صنعاء أن يعرقل أو على الاقل يعقد، آفاق التسوية السياسية في اليمن.

تصادف الاعلان عن هذه البادرة مع وجود وسيط الامم المتحدة في اليمن اسماعيل ولد الشيخ احمد في المنطقة، حيث التقى الاحد في الرياض الرئيس هادي، وايضًا مع وصول مسؤول العمليات الانسانية في الامم المتحد ستيفن اوبراين الى صنعاء لمتابعة الازمة الانسانية.

ألغام في سفينة
أمنيًا، تمكنت وحدة الهندسة ومكافحة الألغام في مدينة المكلا، في جنوب اليمن، من استخراج ثماني أسطوانات كبيرة ناسفة، تزن الواحدة منها 65 كيلوغرامًا، وفيها أكثر من 520 كيلوغرامًا من المتفجرات «تي إن تي» و«سي 4»، زرعها تنظيم القاعدة داخل حطام سفينة قديمة غارقة على عمق ستة أمتار ببحر العرب، يطلق عليها السكان المحليون اسم «بقيق»، وتبعد 150 متًرا فقط من شاطئ المدينة.&

كانت الأسطوانات الناسفة متصلة ببعضها عبر منظومة كهربائية صنعت خصيصًا لأغراض التفجير، وترتبط جميعها بصاعق يتم التحكم به لاسلكًيا عبر جهاز خاص تم وضعه أعلى الأجزاء الظاهرة لحطام السفينة «بقيق» فوق سطح المياه، وهو ما لفت انتباه مرتادي تلك المياه، من صيادين وغواصين اعتادوا الغوص في حطام السفن الغارقة بحثًا عن القشريات أو الأصداف، حيث تم إبلاغ عمليات الجيش، وإرسال وحدة الهندسة ومكافحة الألغام التابعة للبرنامج الوطني لنزع الألغام التي استطاعت نزع أكثر من 1800 طن من المواد شديدة الانفجار، على شكل عبوات ناسفة وألغام وقذائف وصواريخ خلفها تنظيم القاعدة بمدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، خلال فترة سيطرته عليها، وعمل على زرعها في أماكن حساسة واستراتيجية، قبل تحريرها في نهاية أبريل &الماضي على يد الجيش الوطني اليمني وقوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.

وقال قائد وحدة الهندسة ومكافحة الألغام العاملة في مدينة المكلا، العميد أبو صالح اليافعي، إنه في حال تم تفجير تلك الأسطوانات من قبل العناصر "الإرهابية"، فإن البيوت المطلة على الشاطئ، التي تعد مركز المدينة وقلبها التجاري، كانت ستتعرض لدمار شامل، وكذلك قوارب الصيد الراسية في المكان وفي ميناء المدينة القديم القريب جدًا، وحتى السفن الراسية بالقرب من الميناء التجاري ستتضرر كذلك، ناهيك بالدمار الذي سيصيب الثروة السمكية والشعاب المرجانية التي تكونت منذ عشرات السنين.

عملية ناجحة
ووصف أبو صالح العملية بالناجحة، قائلًا إن وحدته المتخصصة باشرت العمل فور تلقي الأوامر بالنزول إلى مكان البلاغ، حيث بدأت بقطع الأسلاك الواصلة بين جهاز الاتصال الخاص بوحدة التحكم عن بعد والأسطوانات الناسفة، ونزع الصواعق، وإعطاب المنظومة الكهربائية الواصلة بين الأسطوانات الناسفة، كما قامت بتفكيك كل أسطوانة على حدة، ونقلها إلى عرض البحر، على مسافة آمنة من المدينة والسفن وقوارب الصيد. ومن ثم، التخلص منها بطريقة سليمة من دون أية أضرار.

وتتلف المنطقة العسكرية اليمنية الثانية أسبوعًيا في معسكر «الريان» التابع لها، في شرق المدينة، كميات كبيرة من المتفجرات التي تجمعها بالتعاون مع وحدة الهندسة ومكافحة الألغام بشكل شبه يومي من أجزاء مختلفة من مديريات ساحل محافظة حضرموت، حيث يسمع دوي انفجارها لمسافة قد تصل إلى أكثر من 30 كيلومترًا.

بدوره، قال مصدر عسكري في قيادة المنطقة العسكرية اليمنية الثانية، لـ«الشرق الأوسط»، إن التنظيم الإرهابي عمل على زرع تلك العبوات والمتفجرات في أماكن يصعب الوصول إليها، حيث ركبت وأخفيت بشكل متقن، وكثير منها صنع محليًا بوساطة خبراء التنظيم، بغرض منع قوات الجيش الوطني وقوات التحالف من دخول المدينة، فقد وضعت كميات كبيرة من تلك العبوات والمتفجرات على المداخل الثلاثة للمدينة، إضافة للمدخل الرابع البحري.&

وأضاف المصدر أن محافظ المحافظة اللواء الركن أحمد سعيد بن بريك قد استدعى فريقًا خاصًا من خبراء المتفجرات، إضافة الى الفريق الموجود من خبراء وفنيي المحافظة، لنزع تلك المتفجرات، وقد نجحوا في عملهم من دون وقوع أية إصابات منذ بداية عملياتهم.

التحقيقات مع الموقوفين&
كما قال مصدر عسكري في قوات التحالف العربي المتمركزة في مطار الريان الدولي، لـ«الشرق الأوسط»، إن عمليات التحقيق مع عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي، والمتورطين معهم، ممن سلموا أنفسهم خلال المهلة التي أعطيت لهم، أو ممن ألقي القبض عليهم، ساعدت بشكل كبير في اكتشاف كثير من مواقع تلك الكمائن التي نصبها التنظيم، ما جنّب أفراد الجيش والمقاومة الشعبية، أو حتى السكان المحليين، وقوع ضحايا جراء انفجارها.

وأضاف المصدر أن قوات التحالف أطلقت سراح عدد كبير ممن تم التغرير بهم، ودمجهم ضمن عناصر التنظيم، من أبناء المحافظة أو المقيمين بها من أبناء المحافظات الأخرى في أثناء فترة وجود التنظيم في المدينة، وسيطرته على مرافقها، حتى استطاع إقناع بعض البسطاء من الناس أنه هو الدولة، وأنه سيحكم المدينة إلى ما يشاء هو.

ورغم قصر الفترة الزمنية منذ تحرير المدينة من سيطرة تنظيم القاعدة المتطرف في نهاية أبريل الماضي حتى الآن (5 أشهر)، فإن قوات النخبة الحضرمية التابعة للجيش اليمني الموالي لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي استطاعت فرض الأمن في المدينة، وإفشال كثير من محاولات زعزعة الأمن، عبر إدخال السيارات المفخخة أو الأسلحة والمتفجرات، أو حتى العناصر المطلوبة أمنًيا، فقد أقامت النقاط الأمنية على مداخل المدينة، وفي الشوارع الرئيسة، ونشطت الدوريات العسكرية والسرية داخلها، كما جندت المئات من أبناء المدينة، سواء ضمن قوات الجيش أو ضمن أجهزة الشرطة.

كما استطاعت السلطات الحكومية في المدينة إعادة تشكيل أجهزة الشرطة، وتفعيل مراكزها داخل مناطق وأحياء المدينة لضبط الأمن بها، والفصل في نزاعات المواطنين بمساعدة الأجهزة القضائية التي تم تفعيلها هي الأخرى، وإعادة تأهيل المجمع القضائي الخاص بالمدينة من قبل هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، بعد أن تم تدميره ونهب محتوياته من قبل التنظيم الذي استخدمه كمقر أمني وسجن له كذلك، عملت السلطات الحكومية على إعادة عمل مؤسسات الدولة، وإعادة الخدمات الأساسية للمواطنين بشكل طبيعي، فقد استطاعت تحسين خدمات المياه والصرف الصحي والكهرباء والصحة والطرق، عبر وضع حلول سريعة تخفف من معاناة المواطنين اليومية، بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية التي تقود التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.
&