تنتشر منذ 2015 مدونات على يوتيوب أصحابها سعوديون مراهقون استطاعوا أن يحصدوا متابعات مهمة بعدما ظل نجوم البرامج المحترفون يتصدرون سعوديًا لسنوات قوائم يوتيوب الأكثر مشاهدة، وتتنوع مضامين "مدونات المراهقين" ما بين المقالب والألعاب ويوميات المبتعثين والتعليم.

إيلاف من الرياض: تتراوح أعمارهم ما بين 16-21 عامًا، لكن فيديوهاتهم تتفوق في مشاهداتها ومتابعاتها على أكثر البرامج والقنوات الاحترافية في يوتيوب، بل وتتصدر أعمالهم حال نزولها على الانترنت قائمة "الترند"، وتتربع على قمة المشاهدات الأكثر شيوعًا في السعودية... إنهم مدوّنو الفيديو المراهقون، الذين تغيّرت معادلة متابعات يوتيوب لمصلحتهم، بعدما كانت لسنوات حكرًا على نجوم البرامج الاحترافية.

انتشار خلال عام
تعود نشأة ظاهرة "مدونات المراهقين"، والتي تعرف بـ "الفلوق"، وهي اختصار محلي لكلمة "فيديو بلوق"، إلى بدايات العام 2015، حين أنتج عدد من المراهقين والشباب في السعودية قنوات "يوتيوب" خاصة بهم، استعرضوا فيها وبشكل عفوي، ومن دون أي توجيه أو مونتاج، بعض تفاصيل حياتهم اليومية وتحدياتهم في ألعاب البلاي ستايشن، وبعض المقالب، وسفرياتهم إلى بلاد متعددة.

مدونة أنس إسكندر شاب سعودي مهتم بالغرائب

كانت تلك المدونات حينها محل نقد لاذع من قبل الكثير من المتابعين، الذين تنبؤوا بزوالها بسرعة، لأسباب متعددة، منها افتقارها أي قيمة فنية أو معرفية أو ثقافية، فضلًا عن امتلاء ساحة يوتيوب آنذاك ببرامج وقنوات احترافية، لكن مع مرور الوقت وتزايد المشاهدات التي حققتها تلك المدونات، خفت الصوت الناقد، حيث ظهرت شريحة جديدة من المتابعين، وباتت هذه المدونات جزءًا من ذائقتهم بقوة التعود والانتشار.

هذا الواقع الجديد ساهم في ظهور المئات من قنوات يوتيوب المملوكة لمراهقين وشباب، والتي تنوعت مضامينها وموضوعاتها واهتماماتها، لكن قاسمها المشترك كان العفوية والبساطة في العرض، عكس العرض الاحترافي، الذي كان سائدًا في يوتيوب السعودية ما قبل العام 2015، حيث انحسر هذا النمط، فيما اكتسحت مدونات الفيديو المشهد اليوتويبي، وباتت ملء السمع والبصر، والركن الركين للقائمة اليومية للمشاهدات الأكثر شيوعًا في السعودية.

المقالب والألعاب في الصدارة
بنظرة سريعة على &أشهر مضامين "مدونات المراهقين" يتضح تنوعها واتخاذها أشكالًا متعددة، حتى داخل القناة الواحدة، لكن بالمجمل تتصدر مدونات المقالب والتحديات والألعاب (الغايمز) قائمة المحتوى الأكثر طلبًا، ثم تأتي في المرتبة الثانية مدونات الحياة اليومية، لاسيما للمبتعثين والمدونات المتخصصة، فيما تأتي في المرتبة الثالثة مدونات التدريب أو التعليم، والكاميرا الخفية&والتجارب الاجتماعية، والمنقولة غالبيتها من تجارب يوتيوبية أميركية.

مدونة مجموعة شباب مهتمة بالتحديات

عبدالرحمن بيكو، مدير إنتاج في شركة "يوتيرن" لإنتاج محتوى يوتيوب، أوضح أن أعمار المشاهدين هي المقياس في الحكم على المدونة، مشيرًا في حديثه لـ"إيلاف" إلى أن سر انجذاب هذه الملايين يتمحور حول سببين، الأول قدرتها على مجاراة الإيقاع السريع للحياة اليومية، وثانيًا البساطة والعفوية وعدم التكلف في الإنتاج، مبينًا أنه على الرغم من شهرة هذا النمط من البرامج، لا يزال الانقسام حولها واضحًا، فمنهم من يراها جذابة مسلية مشوقة، ومنهم من يعتبرها سطحية وهادرة للوقت.

ضعف إعلاني
وعلى الرغم من تحقيق هذه المدونات ملايين المشاهدات، إلا أنها&تحتل مرتبة منخفضة جدًا في الاستفادة من عقود الإعلانات التجارية، بحسب ما أوضح عبدالرحمن بيكو، مرجعًا السبب إلى عدم قدرة المدوّنين على الانتظام والالتزام بأعمالهم، فضلًا عن عدم وجود تخصص واتجاه واضح لمدوناتهم، وهو ما يصعب معه معرفة اتجاهات جمهورهم وأعمارهم، وبالتالي تحجم الشركات لعدم وجود معلومات واضحة.&أضاف: "إن غالبية القنوات مملوكة لأفراد، وليس لمؤسسات، وبالتالي هم لا يمتلكون القدرة على تسويق نفسهم بشكل احترافي".

عبدالوهاب الشهري، مبتعث سعودي في أميركا لديه مدونة فيديو على يوتيوب أسماها "أي سي"، يشارك فيها متابعيه يومياته، يوضح أن فكرة المدونات تقوم على إنتاج فردي بسيط، والحديث عن أي موضوع بطريقة عفوية ومبسطة وممتعة.

أضاف في حديثه لـ"إيلاف": إن التفاعل الدائم والإيجابي من مشاهديه هو الذي حفزه على بذل المزيد وتقديم كل ما هو جديد وغريب في أميركا، حيث يعيش، لاسيما أن الإنسان من غريزته الفضول والبحث والاكتشاف، سواء بغرض الترفيه أو المعرفة، وهو ما يقدمه إلى متابعيه باستمرار.&

سلبيات ملحوظة
عن أسباب تفوق المدونات على برامج يوتيوب الاحترافية، قال الشهري إن الأمر يعود إلى كثافة أعداد المدونات التي تُرفع يوميًا على موقع "يوتيوب"، لاسيما أن إنتاجها سهل، ويعتمد على أدوات بسيطة، وبالتالي هي تتفوق عددًا وأرقامًا على منتجات القنوات الاحترافية.&

مدونة نجود الشمري شابة سعودية تتحدث عن يومياتها

وأشار إلى أنه على الرغم من الإيجابيات التي تتخللها هذه الظاهرة، لكنها لا تخلو أيضًا من سلبيات كثيرة، من أبرزها أنها أفرزت هوسًا لتحقيق الشهرة، خاصة بين صغار السن، الذين ملأوا يوتيوب بمدونات من دون أي محتوى، فقط لكي يصبحوا يومًا من المشاهير ومحط أنظار الناس.

وناشد الشهري "تكوين جهات إعلامية حاضنة، تستفيد من مواهب وقدرات هؤلاء المدونين، وتساعدهم على تقديم أعمال متوازنة تحمل في طياتها إبداعًا وأفكارًا إيجابية، لاسيما أن أكثر مشاهديهم هم من صغار السن، وللأسف بعض المدونات يصل مشاهدوها إلى ثلاثة ملايين، لكنها تروّج لثقافة فارغة، لا تخدم الشباب، فضلًا عن انزلاقها في تصرفات لا تناسب الأطفال والمراهقين، لذلك يستحق الأمر عناء من المهتمين، لتوجيه هؤلاء المدونين إلى تبني أعمال تخدم الفرد والمجتمع".&