تحت شعار "بريطانيا تصلح للجميع"، أفصحت تيريزا ماي بعد صمت طويل عن جوانب من خطتها لما بعد البريكسيت، واصفة الحال بالثورة البريطانية الهادئة نحو التغيير.

لندن: "صوت الشعب في ثورة هائدة لصالح التغيير... وسيحدث التغيير". بهذه الكلمات خرجت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عن صمتها الذي اعتبره البعض من مسلمات السياسة البريطانية، وذلك في خطاب مطول الاربعاء، عن منصة كتب عليها "بريطانيا تصلح للجميع"، لإيصال رؤيتها الجديدة للبريطانيين والعالم بعد الطلاق الدستوري من الاتحاد الاوروبي، بما يشمل وضع حزب المحافظين والبلد على طريق وسط جديد للسياسة البريطانية، على حد قولها.

وقالت ماي، في مؤتمر الحزب المحافظ في مدينة برمنغهام: "قام الناس في التصويت الاخير من أجل التغيير. وعلى هذا التغيير أن يحدث، أعلن ملايين المواطنين، في ثورة هادئة في بلادنا، عدم رغبتهم في أن يتم تجاهلهم بعد الآن".

قانون الإلغاء الكبير

بعد إعلانها منذ أيام موعد تفعيل المادة 50، التي تنطلق بموجبها العملية الرسمية للانسحاب من الاتحاد قبل نهاية مارس المقبل، كسرت ماي حالة غموض كانت تخيم على خطتها وفتحت شهية التخمينات. وفي أول لمحة عن الجدول الزمني لخطة مشروع "قانون الإلغاء الكبير" الذي سيعيد تعريف علاقات بريطانيا بأكبر شريك تجاري لها، أعلنت عن سلسلة إجراءات ربما تغير من واقع بلد تلقى الصفعات بعد الاستفتاء الأخير، ما أضعف قيمة عملته وساهم في تراجع أسعار البيوت والعقارات في عاصمته. كأنها بذلك تؤكد لمن توقع الأسوأ لبلادها أن الانهيار الذي تحدّث عنه البعض لم ولن يحصل، ما يترك المتفائلين بالخروج يؤكّدون أن بريطانيا لا بدّ من أن تعاود الإقلاع وتتجاوز السلبيّات العابرة التي طرأت بفعل أسباب نفسيّة حصرًا.

وأوضحت ماي في خطابها الأخير أن حكومتها ليست مختصة فقط في شأن خروج بريطانيا من الاتحاد، لكنها عازمة على مساعدة الطبقة العاملة وتحسين حياة أفرادها والوقوف ضد الشركات الكبيرة للحد من استغلال القوانين لحسابهم على حساب موظفينها، وأن سلوك الشركات السيئ أثار الإحباط بين الناس.

مجتمع للجميع

كما حذرت ماي من كارثة قائلة: "يجب أن يعمل مجتمعنا من أجل الجميع، لكن إذا كنت لا تستطيع الحصول على منزل أو أن يتعلم طفلك في مدرسة سيئة، فحينها ستشعر أن لا احد يعمل من أجلك".

تابعت ماي: "يجب أن يعمل اقتصادنا من أجل الجميع، ولكن إذا لم ترتفع الرواتب في الوقت الذي يستمر فيه الانفاق الثابت في الارتفاع، فحينها ستشعر بأن ذلك لا يعمل من أجلك... لدينا ديمقراطية ويجب أن تعمل من أجل الجميع، لكن إذا كنت تحاول مرارًا وتكرارًا أن تقول أشياء تحتاج إلى تغيير شكواك لا يستمع اليها احد، فحينها ستشعر بأن تلك الديمقراطية لا تعمل من أجلك".

وأوضحت أن "جذور الثورة عميقة لأن الأثرياء لم يقدموا أكبر التضحيات بعد الإنهيار المالي، لكن الأسر العاملة العادية هي من قام بذلك".

نيران الكراهية

في تصريح لـ"إيلاف"، قال عضو حزب العمال، أحمد طه، إن ماي ضليعة في لغة الخداع لاستقطاب الطبقة الضعيفة، وإن تركيز الحزب على المهاجرين سيحاول تأجيج نيران الكراهية بين المواطنين والأجانب".

لكن عضو الحزب المحافظ ويليام وولدوف يرى عكس ذلك، قائلا لـ"إيلاف" إن في بريطانيا كفاءات كافية لإعادتها الى الركب بل أفضل، "وأنا متفائل جدًا بالخطة الجديدة لرئيسة الحكومة وآليتها، مع أن الوضع ليس سهلًا أمام التحديات الداخلية والخارجية، لكن هذا سيتغير قريبًا".

وفي سؤال عن تدفق المهاجرين، قال وولدوف إن ماي ستستخدم تصويت بريكسيت لاتخاذ إجراءات صارمة في شأن الهجرة، "وما أود أن أؤكده كما قلت رئيسة الوزراء أن هذه الحكومة قادرة على اتخاذ قرار حول من يستطيع القدوم إلى البلاد، وإرساء القواعد بشأن من بإمكانه الحضور إلى البلد، فهي تنظر في مختلف الطرق التي يمكن أن تفرض بها الضوابط التي يرغب بها الشعب البريطاني، لضمان أن الأذكى والأفضل هم من يستطيعون الحضور إلى بريطانيا".

واشار عضو حزب المحافظين الى أن ماي "أوضحت أن على الحزب مسؤولية مضاعفة لتمثيل الأمة كلها، وهذا يعني مواجهة الظلم وتحويل اهتمام بريطانيا بشكل حاسم لصالح الطبقة العاملة، من أجل حصولهم على الفرص التي تكون في كثير من الأحيان حكرًا على قلة محظوظة".

كثرة كلام!

لكن المتشائمين من مغادرة أوروبا يجزمون بأن ما حصل للعملة وللعقارات والبيوت سوف يتوسّع ويتمدّد إلى قطاعات أخرى بمجرّد تفعيل المادة 50 بعد أشهر قليلة. وهم يركّزون خصوصًا على التبادل التجاريّ والانتكاسة المحقّقة للاعمال التجارية.

وقالت ليندزي ويلز، رئيسة قسم العملاء في بنك لوييدز، لـ"إيلاف": "كلنا نتمنى بريطانيا صالحة للجميع، كلمات رئيسة الوزراء مشجعة إذا طبقت لكننا تعودنا من سياسيينا كثرة الكلام وخطابات مدوية لا تذهب أبعد من الورق، بلادنا تحتاج لعمل أكثر لتنجب الاسوأ".

من جانب آخر ينظر إلى خطاب ماي من منظار أن حزب المحافظين الذي يشار اليه تقليديًا على انه "حزب الرؤساء" يهدف الى أن يكون جاذبًا كل الطبقات من العمال الى الرؤساء. فالتصريحات الأخيرة تمثل رغبة الحزب في استغلال الصراعات التي تواصل ابتلاع حزب العمال، وهو الحزب السياسي التقليدي للطبقة العاملة.
&