برلين: أثار تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي موجة تساؤلات بين الأوروبيين عمّا حدث لهذا البلد، حتى أن أوروبا توصلت إلى أنّ البريطانيين اخذوا يفقدون رشدهم في نوبة من اللاعقلانية انساقوا من جرائها وراء مهرجين شعوبيين فأداروا ظهورهم للاتحاد الأوروبي. وكل ما تبقى هو منع العدوى من عبور بحر المانش إلى القارة.&

جار غريب الأطوار

وكانت أوروبا تنظر منذ زمن طويل إلى بريطانيا على أنها جار غريب الأطوار لكنه برغماتي ومنفتح تهمه حرية السوق أكثر مما تهمه الايديولوجيا السياسية، بلد تجاري يعرفه العالم بحكم تاريخه الامبراطوري الاستعماري المديد.&

ولكن الريبة أخذت تشوب هذه النظرة في السنوات الأخيرة منذ الأزمة المالية عام 2008 ثم الاستفتاء على استقلال اسكتلندا في عام 2014 ومواقف بريطانيا المائعة من الأزمة السورية وخلال النزاع في اوكرانيا.&
&
ويقول الصحافي الالماني كريستوف شويرمان انه اراد القيام بجولة تستغرق ستة اشهر في بريطانيا لتأليف كتاب عنها وعن شعبها لا سيما وأن البريطانيين اصبحوا غرباء عن الأوروبيين الآخرين، لمعرفة ما جرى لهم وما سيجري لاحقًا.&

وبعد أحاديث أجراها مع بريطانيين من اصول ومشارب مختلفة، توصل شويرمان إلى أنّ الأشياء التي تهم كثيرًا من البريطانيين هي نفسها التي تهم كثيرًا من الأوروبيين. فهم يشعرون بخيبة أمل في أوروبا وغاضبون على النخب وناقمون على السياسيين الذين يعدون بالرفاه ثم يخفضون المعاشات التقاعدية والخدمات الاجتماعية. وبالتالي، فإن الشعوبية ليست ظاهرة خاصة ببريطانيا لكنّ شعبوييها أحسن تنظيماً.

من جهة أخرى، تبدو مواطن الخلل واسباب الاستياء أكبر في بريطانيا منها في البلدان الاروروبية الأخرى. فالفجوة بين الغني والفقير أوسع في بريطانيا منها في أي بلد آخر تقريباً من بلدان الاتحاد الأوروبي.&

وكثير من البريطانيين لم يعودوا يشعرون أن البرلمان يمثلهم واصبحوا يمقتون النخب السياسية والاعلامية والمصرفية في لندن. وزالت الفوارق السياسية بين الحزبين الرئيسيين، المحافظين والعمال، وتداخلت قواعدهما الجماهيرية والاجتماعية.&

ثمة خطأ

ومنذ الأزمة المالية، فإن الشعور السائد بين البريطانيين هو الحيرة وعدم الفهم وفقدان الحس بالاتجاهات. والعبارة التي كثيراً ما تُسمع هي ان "ثمة خطأ في مكان ما". وعلى هذا الوتر ضرب دعاة بريكسيت.&

ويكتب شويرمان في مجلة شبيغل أن الشعب الذي رآه خلال جولاته في بريطانيا شعب متعطش إلى الحرية، ولكنه لا يعرف على وجه التأكيد أين يجدها. وان اعلان وزير الخارجية الاميركي السابق دين ايكسون في عام 1962 حين قال "إن بريطانيا فقدت امبراطورية لكنها لم تجد دورًا جديدًا لها حتى الآن"، ما زال يصح عليها اليوم ايضًا.&

ويلاحظ شويرمان "ان نصف بريطانيا يديرها نخبويون تعلموا في مدارس خاصة، بما في ذلك شركات المحاماة والمصارف والوزارات". وان النخبة البريطانية تختلف عن الطبقات الحاكمة في بلدان أخرى بحقيقة انها تُركت تفعل ما تشاء دون ان تواجه تحديات.&

فعلى امتداد قرون لم تشهد بريطانيا انتفاضات عنيفة ضد النخبة من النمط الذي عرفته فرنسا والمانيا. وما زالت النخبة البريطانية تُرفَد بكوادرها من مؤسسات محدودة، بينها كلية ايتون وجامعتا اوكسفورد وكامبردج.&

ورغم أن 7 في المئة من البريطانيين تعلموا في مدراس خاصة فإنهم يشكلون نحو ثلث اعضاء البرلمان وأكثر من نصف الصحافيين الكبار وثلاثة ارباع القادة العسكريين والقضاة. والذين ليسوا اعضاء في هذا النادي النخبوي عليهم ان يكافحوا لشق طريقهم في الحياة.&

في مؤتمر حزب المحافظين، اشادت رئيسة الوزراء تيريزا ماي بدور الدولة قائلة انها يجب ان تفعل ما لا يستطيع ان يفعله الأفراد والأسواق. ونوهت بحقوق العمال فيما توعدت الشركات والأثرياء الذين يتهربون من الضرائب باجراءات حازمة.&

وتبدو هذه المواقف كفراً بنظر كثيرين في حزبها يريدون أن يقتصر دور الدولة على الجيش وجمع القمامة. ولكن ماي عززت موقعها السياسي بين المحافظين باتخاذ موقف متشدد من الاتحاد الأوروبي والهجرة. وهي تريد ان تكون المرأة التي تعقد اتفاقية تجارة حرة بين بريطانيا وأوروبا في عملية تستغرق سنوات وربما عقدًا كاملاً. وحينذاك ستكون بريطانيا بلدًا آخر.&

أعدت "إيلاف" التقرير نقلاً عن مجلة شبيغل الالمانية على الرابط أدناه:

http://www.spiegel.de/international/europe/united-kingdom-and-brexit-searching-for-the-true-britain-a-1116325.html#spRedirectedFrom=www&referrrer=
&