بيروت: ينتخب البرلمان اللبناني الاثنين الزعيم المسيحي ميشال عون رئيسا للجمهورية ما سينهي عامين ونصفا من شغور في المنصب انعكس شللا في المؤسسات كافة، لكنه لن يكون كافيا لوضع حد للانقسام السياسي العميق بين الفرقاء على خلفية نزاع دام مستمر في سوريا المجاورة.

ويأتي الانتخاب في إطار تسوية سياسية بين أبرز زعماء الطوائف اللبنانية الذين يختلفون حول كل شيء تقريبا، لا سيما حول الموقف من الحرب السورية. وتشمل التسوية، بحسب ما اصبح واضحا من التصريحات المعلنة، ان يكلف الرئيس الزعيم السني سعد الحريري الذي تبنى ترشيح عون أخيرا بعد خلاف طويل، تشكيل حكومة جديدة.

وفي بلد يقوم على التحاصص الطائفي في مقاعد البرلمان والحقائب الوزارية والمناصب العليا في الدولة وصولا الى الوظائف العادية، يتوقع ان تكون مهمة تشكيل الحكومة شاقة وطويلة.وتقول الباحثة في "مجموعة الازمات الدولية" سحر الاطرش لوكالة فرانس برس "انتخاب عون ليس عصا سحرية. سينهي الشغور الرئاسي بالتأكيد، لكنه لا ينهي الازمة السياسية وترهل المؤسسات والانقسام الكبير حول ملفات داخلية واخرى خارجية على رأسها الحرب في سوريا".

وانتهت ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان في مايو 2014. ودعي مجلس النواب منذ ابريل 2014 الى الانعقاد 45 مرة، من دون أن ينجح في انتخاب رئيس. وقاطع عون (81 عاما) مع نواب كتلته البرلمانية وكتلة حليفه حزب الله جلسات الانتخاب، مشترطين حصول توافق على الرئيس.

وانعكس الشغور في منصب الرئاسة شللا في المؤسسات الرسمية وتراجعا في النمو الاقتصادي في بلد صغير ذي امكانيات هشة ويرزح تحت وطأة وجود اكثر من مليون لاجئ سوري، ومن أزمات معيشية واجتماعية عديدة، على رأسها الفشل في التخلص من النفايات التي تملأ شوارع المدن والقرى.&وتقول استاذة العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت كارول شراباتي&"من الماضي الذي نعرفه والشخصيات التي تحالفت مع بعضها والجو السياسي السائد، لا شيء يضمن الذهاب أبعد من تعبئة موقع شاغر".

تقارب "آني"&

وتضيف "نحن امام تحالف مصالح ولكل طرف حساباته. فعون يريد الرئاسة بأي ثمن، والحريري يريد إعادة بناء حلقته السياسية المنهارة، اما حزب الله فلا خيار آخر لديه وعليه ان يظهر انه ثابت على موقفه السياسي بدعم عون".

وترى ان السؤال الحقيقي اليوم "هل تسمح الاجندة الشخصية لكل طرف ببناء استراتيجية مشتركة على المدى الطويل طالما ان تحالفها ليس مبنيا على قاعدة مشتركة؟".&وبحسب الاطرش، لا يمكن الحديث عن "تحالف سياسي"، بل عن "تلاق آني من الصعب ان يستمر، لان مصالح الاطراف اساسا متضاربة حول كيفية تقاسم السلطة".

ويقدم عون نفسه منذ العام 1988، على انه "الرئيس الاقوى"، مستندا بذلك الى قاعدته الشعبية المسيحية العريضة. وقبل الحكومة الحالية برئاسة تمام سلام، ترأس سعد الحريري حكومة بين 2009 و2011 &لم تنجح في ايجاد حلول لأزمات البلد العديدة، لا سيما بسبب الخلافات الحادة بين فريقي الحريري المعادي للنظام السوري وحزب الله حليف النظام. وعاش الحريري معظم السنوات الماضية خارج لبنان، ما عرضه لتراجع شعبيته، على حساب تنامي التيارات الاسلامية المتطرفة.

كما يعاني الحريري على الصعيد الشخصي مشاكل مالية، يغذيها تراجع اهتمام السعودية التي كانت تضخ أموالا ومساعدات على نطاق واسع للبنان ولحلفائها، وعلى راسهم الحريري، بالبلد الصغير الذي تأخذ عليه خضوعه لارادة حزب الله.

ويستبعد ان يفوز عون الاثنين من الدورة الاولى التي تفترض حصوله على اكثرية الثلثين. لكن سيتم التصويت مباشرة في دورة ثانية يكتفى فيها باغلبية النصف زائد واحد، اي 65 صوتا.

والى جانب كتلته (20 نائبا)، يحظى عون بتأييد 28 نائبا على الاقل من كتلة تيار المستقبل بزعامة الحريري، وكتلة نواب حزب الله (13 نائبا)، وكتلة حزب القوات اللبنانية (ثمانية نواب)، بالاضافة الى مستقلين. واعلن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بعد لقائه عون مساء الجمعة ان "غالبية" أعضاء كتلته (11 نائبا) سينتخبون عون. &وبدأ التيار الوطني الحر الذي يترأسه عون استعدادات لاحتفالات ستقام بعد الانتخاب. واقدم ناشطون منه في عدد من المناطق على تعليق صور لعون مذيلة بتوقيع "الرئيس القوي".

عقبة التأليف&

وبحسب الدستور اللبناني، يكلف الرئيس بعد انتخابه شخصية سنية يتوقع ان تكون الحريري، تشكيل حكومة، ويجري رئيس الحكومة المكلف مشاورات مع الكتل النيابية تمهيدا لاختيار وزرائه وتوزيع الحقائب.&ويجمع المحللون على ان تشكيل الحكومة سيواجه عقبات كثيرة.&وتتوقع الاطرش ان "نشهد انقساما جذريا عند تأليف الحكومة، وسنكون على الارجح امام مزيد من الصراعات الداخلية عند بحث كيفية توزيع الحصص".

واحتاج الحريري في العام 2009 بعد تكليفه من ميشال سليمان، خمسة اشهر لتشكيل حكومة وحدة وطنية. بينما أمضى رئيس الحكومة الحالي تمام سلام عشرة اشهر لتشكيل حكومة لم تنجز الكثير منذ تأليفها في فبراير 2014.&ولم يستبعد رئيس البرلمان نبيه بري الذي أعلن معارضته لوصول عون الى الرئاسة ان يستغرق تشكيل الحكومة "على الاقل بين خمسة وستة اشهر"، ما سيتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية.

وتقول شراباتي "ليس مستبعدا حينها أن نجد أنفسنا أمام سيناريو رئيس جمهورية ورئيس مكلف بلا حكومة وبرلمان لا يفتح ابوابه، وبالتالي سنكون امام افق مسدود".&وفي حال النجاح في تشكيل الحكومة، ترى الاطرش انها ستكون "حاوية للتناقضات والسؤال هو الى أي حد ستكون قادرة على ان تسيّر ولو جزئيا المؤسسات وان تعيدها الى المسار الصحيح؟".وتضيف "لا يمكن توقع المعجزات ابدا من الحكومة".

آلية انتخاب الرئيس في لبنان
يُنتخب رئيس الجمهورية في لبنان من البرلمان لولاية من ست سنوات غير قابلة للتجديد. وللرئيس مكانة رمزية بوصفه "رئيس الدولة"، وعلى الرغم من انه لا يتمتع عمليا بصلاحيات إجرائية واسعة، لكنه جزء من السلطة التنفيذية ومن التركيبة الطائفية الهشة في البلد الصغير.

وبحسب "الميثاق الوطني"، وهو اتفاق غير مكتوب يعود الى العام 1943، تاريخ استقلال لبنان، يتولى مسيحي ماروني رئاسة الجمهورية، وشيعي رئاسة البرلمان، وسني رئاسة الحكومة.

- عملية الانتخاب -
يتطلب عقد جلسة انتخاب رئيس حضور ثلثي اعضاء مجلس النواب، اي 86 نائبا من اصل 128 يشكلون اعضاء البرلمان. ويفوز في دورة الانتخاب الاولى المرشح الذي يحصل على تأييد ثلثي البرلمان، وفي الدورة الثانية وحتى انتخاب رئيس، يفوز المرشح الذي يحظى بالاكثرية المطلقة اي النصف زائد واحد (65 صوتا). ويضم البرلمان الحالي 127 نائبا بعد تقدم النائب روبير فاضل باستقالته قبل اشهر.

بعد انتخابه، يقسم الرئيس اليمين امام البرلمان متعهدا احترام الدستور والقوانين واستقلال الوطن وسلامة اراضيه، قبل ان يلقي خطابا يضمنه التوجهات السياسية والخطوط العريضة لعهده الرئاسي.&

- صلاحيات الرئيس -
يلزم الدستور اللبناني رئيس الجمهورية بعد انتخابه، إجراء استشارات مع الكتل السياسية الممثلة في البرلمان، يسمي على اساسها وبالتشاور مع رئيس البرلمان، الشخصية التي سيكلفها تشكيل الحكومة ويصدر منفردا مرسوم التكليف.

ومنذ توقيع اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الاهلية اللبنانية (1975-1990)، تقلصت صلاحيات الرئيس في لبنان، بعدما كانت السلطة الاجرائية مناطة به ويتولاها بمعاونة الوزراء، اذ كان بإمكانه قبل دستور الطائف تعيين واقالة رئيس الحكومة والوزراء وحل مجلس النواب.

لكن اتفاق الطائف كرس تقاسم السلطة الاجرائية بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ومجلس الوزراء مجتمعا، اي بعبارة اخرى بين المسيحيين والمسلمين. واذا كان يحق للرئيس على سبيل المثال وفق الدستور الحالي، ان يترأس جلسات مجلس الوزراء، وان يطرح بندا طارئا من خارج جدول الاعمال، لا يمكنه ان يشارك في التصويت على القرارات التي تتخذها الحكومة. ويحق له دعوة مجلس الوزراء للانعقاد استثنائيا عند الضرورة ولكن بالاتفاق مع رئيس الحكومة.

ويمكن للرئيس في حالات محددة ان يطلب من مجلس الوزراء حلّ مجلس النواب قبل انتهاء ولايته، لكن لا يمكنه اصدار مرسوم الحل قبل موافقة مجلس الوزراء.

ويمنح الدستور الحالي الرئيس ايضا صلاحية "المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية"، الا انها "لا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء". وثمة معاهدات لا يمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب ايضا.&

- تأليف الحكومة -

بعد تسميته تشكيل الحكومة، يجري رئيس الحكومة المكلف استشارات مع الكتل السياسية، تمهيدا لتوزيع المقاعد والحقائب الوزارية على الكتل السياسية. وبعد تقديم تشكيلته الوزارية، يصدر رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة.

لا يحدد الدستور مهلة معينة لتأليف الحكومة، وقد احتاج &رئيس الحكومة الحالي تمام سلام مثلا عشرة اشهر لتأليف حكومته. لكن الدستور يلزم الحكومة ان تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل ثقته في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها. &ولا يمكن للحكومة ان تمارس صلاحياتها قبل نيل الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال.

&