«إيلاف المغرب» من الرباط:&"على الإنسانية أن تنظر إلى يوم 4 نوفمبر 2016 على أنه اليوم الذي وضعت فيه بلدان العالم حاجزاً أمام كارثة مناخية محققة، لتسير بعزم نحو مستقبل مستدام"، هكذا افتتح كل من باتريسيا سبينوزا، الأمينة التنفيذية للاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية، وصلاح الدين مزوار، الرئيس المقبل للدورة الثانية والعشرين لمؤتمر الأطراف للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية (كوب 22) ووزير الخارجية والتعاون المغربي، بياناً مشتركاً يحتفيان فيه بدخول "اتفاق باريس" حول التغيرات المناخية، الذي هو نتاج مفاوضات هي الأكثر تعقيداً وشمولاً وحساسية، حيز التنفيذ، اليوم.

وتطلب بدء نفاذ "اتفاق باريس"، 30 يوماً، ابتداء من يوم اكتمال النصاب اللازم، بمصادقة أكثر من 55 دولة، تمثل أكثر من 55 % من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

ويهدف "اتفاق باريس" إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية، أقل بكثير من درجتين مئويتين، مقارنة بعصور ما قبل الصناعة (1880 _ 1899). وبغية ذلك، وضعت الدول هدفاً نصب أعينها يتمثل في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 50 في المائة بحلول عام 2050 و100 في المائة بحلول عام 2100.

وينتظر أن تركز المفاوضات التي ستجرى خلال مؤتمر مراكش، ما بين 7 و18 نوفمبر الجاري، على مواضيع التمويل المناخي، وخاصة توفير مبلغ 100 مليار دولار، سنوياً، لتمويل المشاريع المناخية، وخارطة طريق عالمية واضحة للأفعال، وآليات مساعدة الدول النامية، بالإضافة إلى نقل التكنولوجيا.

وتجمع مختلف الدراسات المنجزة خلال الخمس وعشرين سنة الماضية على أن توازن النظام البيئي لكوكب الأرض بات مهدداً، وأن هناك اضطراباً في نظام الآليات الطبيعية التي تحافظ على توازن الأرض، وعلى جميع أنواع الكائنات الحية، ما جعل العالم يشهد ظاهرة احتباس حراري لم يسبق لها مثيل.

التزام عالمي للحد من التغيرات المناخية

وجاء في بيان سبينوزا ومزوار أن "اتفاق باريس" يشكل "نقطة تحول في تاريخ الجهد المشترك، لأنه يجسد الرغبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المشتركة للحكومات والمدن والمواطنين والشركات والمستثمرين لصد التهديد الوجودي الذي يشكله تغير مناخي خارج نطاق الضبط". كما اعتبر البيان أن "الدخول المبكر لـ"اتفاق باريس" حيز التنفيذ يشكل إشارة سياسة صريحة، تعكس التزام جميع أمم العالم بالعمل العالمي الحازم للحد من التغيرات المناخية"، فيما "سيشكل انعقاد المؤتمر الأممي، بشأن المناخ، الأسبوع المقبل، في مراكش، انطلاقة جديدة للمجتمع الدولي، بالإضافة إلى كونه أول لقاء للجهاز الإداري لـ"اتفاق باريس"، والذي سينعقد يوم 15 نوفمبر الجاري".

باتريسيا سبينوزا الأمينة التنفيذية للاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية

&

لحظة جديرة بالاحتفاء

ورأى البيان في دخول "اتفاق باريس" حيز التنفيذ "لحظة جديرة بالاحتفاء"، و"استشراف للمستقبل مع تقييم جاد وعزم متجدد لمواصلة هذه المهمة". كما شدد البيان على أنه "في المستقبل القريب، وبالتحديد في السنوات الـ15 المقبلة، ينبغي أن نشهد انخفاضات غير مسبوقة في انبعاثات الغازات الدفيئة، وبذل جهود منقطعة النظير لبناء مجتمعات قادرة على مقاومة التأثيرات المناخية المتزايدة"، مشيراً إلى أن "الوقت يضغط، فانبعاثات الغازات المسببة للتغير المناخي عالمياً وتأثيراتها لا تزال في تصاعد، وهذه حقيقة يجب أن يضعها المشاركون في مؤتمر مراكش في صلب اهتماماتهم وعزمهم المشترك".

وذكر البيان بتأكيد المنظمة العالمية للأرصاد الجوية على "ارتفاع المعدل العالمي لتركيز أهم الغازات الدفيئة (ثاني أكسيد الكاربون) في الغلاف الجوي إلى مستويات قياسية بلغت 400 جزء في المليون لأول مرة سنة 2015 &وحطمت رقما قياسيا جديدا سنة 2016".

توفير السياسات والتكنولوجيا والتمويل اللازم

وشدد البيان على أن "احتفال اليوم يجب أن يكون مبنياً، ليس، فقط، على ضمان توفير السياسات والتكنولوجيا والتمويل اللازم لتحقيق هذه الأهداف، بل يجب أن يعتمد كذلك على استعمال هذه الوسائل بشكل غير مسبوق".

وأوضح البيان أن "اتفاق باريس" دخل حيز التنفيذ بشكل سريع وسط موجة من العمل والتعهدات ببناء صناعة عالمية للطاقات المتجددة، بالإضافة إلى تنظيف قطاعات الكهرباء والإنتاج والبناء والفلاحة، علاوة على إعادة تنظيم الاقتصادات والمجتمعات، لتعزيز قدراتها على التكيف مع التأثيرات المناخية الموجودة حالياً.

عوامل تحقيق التغيير السريع

ورأى البيان أنه بفعل "اتفاق باريس"، تغيرت، إلى الأبد، "قدرتنا المشتركة على تحقيق تغيير سريع"، وهو شيء يرجع، على الخصوص، إلى مجموعة من العوامل، تتمثل، أولا، في أن "الحكومات قبلت في باريس بشكل رسمي الانخراط في الفعل من أجل المناخ، وقدمت مجموعة من الخطط الوطنية من أجل فعل آني، مع التعهد بعدم التقاعس عن الجهود، بالإضافة إلى رفع سقف طموحهم، تدريجياً.

لذلك فالحكومات مسؤولة، اليوم، ولها إمكانيات لقيادة التغيير بشكل أسرع عن طريق بلورة سياسات وتحفيزات أقوى أكثر ملاءمة للحفاظ على المناخ"، وثانيا، أنه "في غضون السنوات القليلة المقبلة، في موعد أقصاه 2018، ستكون الحكومات قد انتهت من وضع لمساتها الاخيرة على قواعد قياس وتقرير وتقييم الفعل المناخي العالمي، والتي من شأنها ضمان الشفافية الضرورية للمضي قدما في العمل المناخي مع التأكد من أن الجميع ملتزمون بهذه الجهود ولا يدخرون جهدا في سبيلها"، وثالثاً، أن "الحكومات وافقت على تعزيز التكنولوجيا الملائمة والدعم المالي لفائدة الدول السائرة في طريق النمو من أجل تمكينها من تطوير طاقة نظيفة ومستدامة في المستقبل"، ورابعاً في أن "الفاعلين غير الحكوميين يبدون اهتماماً وانخراطا متزايدين من أجل تقليص انبعاثات غاز الكربون ودعم الحكومات والأطراف في معركتهم ضد التأثيرات الهدامة للتغير المناخي".

حلول مبتكرة

وتوقع البيان أن يكون مؤتمر مراكش "استمراراً للعمل لتسريع صياغة اطار التنظيمي"؛ كما توقع "بزوغ خارطة طريق محددة من طرف البلدان النامية من أجل تعبئة ال 100 مليار دولار سنويا إلى غاية 2020، دعما للمبادرات المناخية في الدول النامية".

ورأى البيان أنه "ينبغي إعطاء أولوية عادة توزيع الاستثمارات الكبرى، حيث تشير توقعات الأمم المتحدة إلى أن تحقيق التنمية المستدامة يتطلب ما بين 5 و7 تريليونات دولار سنوياً، جزء كبير منها يتوجب تخصيصه لتمويل الانتقال إلى اقتصاد عالمي مرن ومنخفض الكربون". فيما "يعتمد إنجاز هذا الاستثمار على إيجاد حلول مبتكرة للتمويل تتجاوز الحلول التقليدية، من خلال تعاون بين القطاعين العام والخاص وتوسيع نطاق تمويلاتهما. وهذا يحدث حالياً، إلا أنه يحتاج إلى تسريع، حيث تشير بيانات الأمم المتحدة إلى ارتفاع التدفقات المالية العالمية خلال السنوات الماضية لتصل إلى إمكانية تحقيق تريليون دولار في السنة في المستقبل القريب. وهذا يعني أن الحكومات والتجمعات الدولية والقطاع الخاص مطالبون بتخصيص عشرات ملايين الدولارات، كل على حدة، للاستثمار في المناخ".

وخلص البيان إلى أن "أسس "اتفاق باريس" صلبة وجدران بيت الانسانية الجديد وباقي مرافقه في طور البناء، إلا أننا لا نستطيع ولا يجب أن نستريح إلى غاية بناء سقف، لذلك سنحرص على بنائه، عاجلا وليس آجلا، في مراكش خلال شهر نوفمبر الجاري".

&