إيلاف من بيروت: رأى رشيد درباس، وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني، أن عهد رئيس الجمهورية الجديد ميشال عون صفحة جديدة تبشر باستعادة الدولة دوران عجلاتها بصورة طبيعية، معتبرًا أن خطاب القسم يقدم معادلة دقيقة لا تغضب أحدًا.

وإذ يرفض درباس المشاركة في الحكومة قيد التأليف، تمنى في حوار خاص بـ "إيلاف" التعاطي مع مسألة اللاجئين السوريين خلال العهد الجديد بمقاربات بعيدة عن العنصرية، مؤكدًا في الوقت عينه أن لبنان ليس أرضًا للايجار أو للبيع، ومحذرًا من تطاير أزمة هؤلاء في فضاء المجتمع الدولي.

في ما يأتي نص الحوار:

هل تأمل خيرًا في انتخاب ميشال عون رئيسًا للجمهورية؟

الواقعية السياسية تملي علينا أن ننظر إلى الأمور من وجهها الإيجابي، لأنّ لكل شيء وجهين؛ إذا وقعنا في إثارة السلبية، نبقى في مكاننا من دون تحرك، بل ننتقل من فشل إلى فشل، وإذا نظرنا بإيجابية إلى الحدث، فربما يفضي هذا بنا إلى التخلص من شوائب هذا الحدث لننطلق في الفضاء الأرحب. انتخاب عون رئيسًا طي لصفحة الفراغ الدستوري الذي نستطيع، نحن الوزراء في حكومة استمرت أكثر مما ينبغي لها، أن نشرح للناس مدى خطورته. صرنا حكومة فقدت حيويتها وفاعليتها وحركيتها يومًا بعد يوم، إلى أن كدنا نصاب بالشلل التام، وما كان هذا ليحدث لو كان رئيس الجمهورية موجودًا، ولما وجدت الامور التي أدت إلى المناكفات والمشاحنات والتعطيل محلًا. من هذه الزاوية، وبغض النظر عن تاريخ علاقة التيار الوطني الحر وميشال عون بالقوى السياسية الأخرى والمكونات الاجتماعية الاخرى، نحاول أن ننظر إلى الأمر على انه صفحة جديدة تبشر باستعادة الدولة دوران عجلاتها بصورة طبيعية.

نفهم انك أيدت مبادرة رئيس الحكومة سعد الحريري في هذا الاطار؟

لست نائبًا، ولم أدلِ برأيي في هذا، وربما آثرت عدم الكلام. هذه هي المرة الاولى التي اتحدث فيها إلى الاعلام منذ بدأت ارهاصات اتفاق الرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون حول رئاسة الجمهورية، وأن اكون في موقع المراقب لأن كلامي لن يقدم ولن يؤخر، ولست شريكًا في حكومة جديدة، وبالتالي ارغب في أن اكون في موقع يسمح لي بعد ذلك بتوجيه الملاحظات وتحميل المعنيين المسؤولية، بدلًا من أن اتورط في استنتاجات ربما لا تؤكدها الحوادث.

معادلة لا تُغضب

ما رأيك بخطاب القسم؟ ألا يبدو أن عون يحاول أن يسير بين النقط؟

انه معادلة دقيقة لا تغضب احدًا وترضي الاطراف كلهم بحدود دنيا.

هل يشكل هذا الخطاب مظلة جيدة للبنان؟

آمل أن يكون هذا الخطاب سقفًا لحركة الحكومة المستقبلية. المسألة بكل بساطة أننا لا نخترع جديدًا، بل علينا أن نستفيد من التجربة التي مررنا بها كي نستنبط الأسس التي يجب أن تقوم عليها أي سياسة لبنانية في الوقت الحاضر، ونحن بلا شك، كما قال الرئيس عون في خطابه، محاطون بالحرائق وبدول تتداعى وبجغرافيا يعاد النظر فيها، لذلك في البدء لا بد من أن نلم شتات الدولة وشملها حتى لا تصاب بالتفسخ الذي يسود المنطقة، وهذا معناه أن ننأى بأنفسنا عن الانغماس في الصراعات، وأن نقيم العلاقات الطيبة حتى مع المتصارعين. يجب أن لا ينعكس علينا الصراع الإقليمي الحاد بين دول الخليج وإيران، بل يجب أن نسير بدقة متناهية بين النقط وبين خطوط النار كي نجنب بلدنا الاحتراق، ونحاول أن نؤمن مساعدات لدولة تستقبل مليوني عربي من الفلسطينيين والسوريين، وفيها اربعة ملايين مواطن لبناني في مساحة لا تزيد عن عشرة آلاف كيلومتر مربع إلا قليلاً، فهذا بذاته يعني اننا بلد يحتاج إلى المساعدة، والى ألا يكون جزءًا من الصراع.

&

الزميلة نهلة صفا مع رشيد درباس خلال المقابلة

&

هل انت حازم في عدم المشاركة في الحكومة حتى في حال عرضت عليك؟

نعم. لا اريد المشاركة.

عدد اللاجئين إلى تراجع

اتخذت الحكومة في العام الماضي قرارًا بوقف دخول اللاجئين السوريين إلى لبنان، ولكن المعلومات تتحدث عن استمرار تدفقهم عبر معابر غير شرعية. كيف يمكن ضبط هذه المسألة من دون إغلاق الحدود؟

القرار اتخذ ونفذ. منذ الخامس من يناير 2015، لا وجود لنازح سوري جديد، ولا توجد معابر غير شرعية، وهذا ما اجزم فيه وأؤكده. ليس صحيحًا أن عدد اللاجئين يزداد بل يتناقص، ووصل إلى مليون وثلاثمئة ألف لاجئ، اليوم العدد هو مليون وثلاثون الفًا.

هل استطعتم إجراء مسح دقيق أو حتى تقريبي لأعدادهم؟

قواعد البيانات موجودة في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. نقوم الآن بورشة لمسح وطني لتكوين "داتا" وطنية، وهذا جار على قدم وساق. كنا نتحاور مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لتمويل هذا المشروع، لكن حتى الآن لم نصل إلى نتيجة ملموسة، إنما المشروع مستمر بتمويل من الدولة اللبنانية.

هل سيستمر مع حكومة تصريف الاعمال؟

نعم مستمر لا يتأثر. أريد الاشارة هنا إلى وجود 1,5 مليون سوري، لكنهم ليسوا لاجئين كلهم، فالمقيم في البلد بإقامة عادية يعامل كأي أجنبي، وبعضهم يعيش في فنادق أو في شقق، وهؤلاء ليسوا عبئًا على الدولة، بل يأتون بمردود.

كنا في مرحلة ماضية نستقبل لاجئًا سوريًا كل دقيقة، حاليًا كيف يمكن توصيف وتيرة قدومهم؟

توقف ذلك نهائيًا منذ 5 يناير 2015.

لا حرب أهلية

هناك نقمة عارمة في لبنان عمومًا تجاه العامل السوري لأنه يعمل فيأخذ العمل من اللبناني. كوزارة شؤون اجتماعية، ما هي مساهمتكم في التخفيف من أعباء هذه المسألة؟

أولًا، قبل اللجوء السوري، كان ما لا يقل عن 500 ألف عامل سوري يعملون في خدمة الاقتصاد اللبناني، بما يسمح به القانون وفي نشاطات ومجالات عمل لا يقدم عليها اللبنانيون. فمثلًا، يكفي أن اقول إن قطاع الزراعة بمعظمه يقوم على الخبرة السورية واليد العاملة السورية، لكنّ السوريين الذين طرأوا بعد الحوادث سببوا أزمة وفاقموا البطالة، وهذا الامر لا يعالج بالنقمة ولا بالدعوات العنصرية ولا بالتأفف والتذمر، بل ببلورة الخطط لتحملها الدولة اللبنانية إلى المجتمع الدولي فتتأمن عودة كريمة للسوريين إلى بلادهم، وهذا ما أتى على ذكره بصراحة الرئيس ميشال عون في خطاب القسم، وهذا ما كنا نسعى إليه منذ البداية. ثانيًا، وهذا الأهم، يجب تطوير العلاقات بيننا وبين الجهات المانحة لاستيعاب آثار هذه الازمة. قمنا كحكومة باصدار خطتين للعام 2015 وللعام 2016، وخطة acrp أي الخطة اللبنانية للاستجابة للازمة السورية. لحظت الخطة الاولى مبلغ مليارين ومئة مليون دولار يذهب 36 بالمئة منها لمصلحة استقرار المجتمع المضيف، والباقي للخدمات الانسانية لمليوني شخص، مليون لبناني منهم من الفقراء، اما الخطة الثانية للعام 2016 فقد لحظت مليارين واربعمئة وثمانين مليون دولار، وانا اعترف لك أن الاستجابة ليست في مستوى التوقعات، لكن هذا يقتضي منا بذل مزيد من الجهود لرفع مستوى الاستجابة، اذ يجب أن نتعاطى بما هو ممكن لأن الإثارة وتزكية الاحقاد والدعوات العنصرية ربما تؤدي بنا إلى ما لا تحمد عقباه، فحتى الآن، الوجود السوري في لبنان لا يشكل خطرًا امنيًا صارخًا، لكن لا نستطيع أن نعتمد على هذا الامر إلى ما شاء الله، فيجب أن نعمل على خطتين متوازيتين: الاولى، اعادتهم إلى بلادهم بصورة كريمة؛ والثانية، امتصاص الخطر الناجم عن وجودهم عندنا.

لكن هناك من يتوقع أن تقع حرب اهلية في لبنان بسببهم؟

لست ادري من أي زاوية يطرح هذا الامر، لكنني حتى اللحظة لا أرى أن مثل هذه الحرب داهمة، وأرجو الا تحدث.

كنت راضيًا بما ورد في خطاب القسم من مقاربة موضوع اللاجئين، لكن كلنا يعرف أن التيار الوطني الحر متهم بالنظر إلى هؤلاء بشيء من العنصرية. كيف تتوقع أن يكون التعاطي مع أزمة اللاجئين خلال هذا العهد؟

ارجو أن تكون مقاربة وتعاطي العهد الجديد كمقاربات وتعاطي الحكومة المستقيلة الآن المؤلفة من كل المكونات اللبنانية، لأن الخطة التي وضعت لمعالجة تلك الازمة كانت موضع إجماع الحكومة وصدرت بقرار موحد.

على الرغم من سوء العلاقات، لماذا لم تدخل الحكومة اللبنانية في تفاوض مباشر مع النظام السوري لمعالجة أزمة اللاجئين لإعادتهم إلى المناطق الآمنة في الأقل؟

اعلنت اكثر من مرة باسم الحكومة اللبنانية اننا جاهزون أن نكون خير معين اذا كانت للحكومة السورية خطة لاستعادة العدد الذي يرغب في العودة، لكن هذا الاعلان لم يجد صدى له على الاطلاق.

لكن السفير السوري في لبنان يقول إن الحكومة لبنانية ما أرادت التفاوض.

الحكومة السورية ربما تريد أن تنسق معنا من ناحية امنية، وهذا ربما يفضي إلى اثارة الموجودين ضدنا، فنحن لا نريد أن ننغمس في الحرب، اما اذا كانت هناك خطة لدى الحكومة السورية لاستعادة من يرغب فسيجدون لدينا كل التسهيلات. أريد أن اسأل: ألا يوجد تفاوض الآن على مستوى معين؟ فالامن العام يجري في احيان كثيرة نوعًا من التفاوض، كل هذا الكلام مجرد حجج.

... ولا توطين

هناك تلكؤ أممي ودولي بدا واضحًا حيال تقديم المساعدات للبنان للتخفيف من تحمل اعباء اللجوء السوري. كيف تنظر إلى التقاعس الدولي؟ هل هناك نوايا فعلية لتوطين هؤلاء في لبنان؟

أولًا، لبنان لا يستطيع أن يقبل أي نوع من التوطين، فلا الجغرافيا ولا الديموغرافيا ولا الاقتصاد يسمحون بذلك...

لكنه تقبل توطين الفلسطينيين إلى حد ما!

ربما تكيف لبنان مع العدد الذي استوعبه من اللاجئين الفلسطينيين على مر الزمن، لكن هذا العدد لا يقاس بعدد اللاجئين السوريين الهائل. إذًا، من الناحية العملية هذا مستحيل، ومن الناحية المبدئية، لا لبنان يرضى ولا الأخوة السوريون يرضون عن وطنهم بديلًا، وهذا ما اعلناه في مناسبات عديدة. قلنا إن ليست لدينا أرض للايجار ولا للبيع وليست لدينا جوازات للاعارة، اما المجتمع الدولي فهو لا يستطيع أن يطمئن كثيرًا إلى أن الدول المضيفة قادرة أن تتحمل هذا الأمر إلى ما لا نهاية، لأن الخطر اذا انبثق من هذه المجتمعات المضيفة، فلن يعترف بحدود ولن يقدم جواز سفره لرجال الامن، بل ستتطاير شظاياه في كل مكان، من هذه الزاوية اعتقد أن الحكومة اللبناني تعتمد سياسة حكيمة، تستثمر فيها علاقاتها وصداقاتها الدولية، ويمكن أن تخفف من الاحتقان باستثمار المناطق الآمنة كي تغري السوريين بالعودة إلى بلادهم.

هل تعتقد أن المجتمع الدولي راغب في أن تذهب الأمور هذا المذهب؟

إذا لم يكن راغبًا فاحساسه بالخطر يجعله راغبًا.

كيف تنظر إلى نهايات الوضع المأساوي في سوريا؟ هل ترى أن التقسيم يفرض نفسه؟

كل الاسلحة استعملت ولم يستطع فريق أن يفرض ارادته على فريق. لا بد من الحل السياسي.
&