هافانا: بعد وفاة فيدل كاسترو، بات شقيقه وخلفه في رئاسة كوبا منذ العام 2006 راوول كاسترو (85 عاما) وحيدا في السلطة، مسؤولا عن ضمان استمرارية نظام نالت منه الشيخوخة ومهدد اقتصاديا.

وكان راوول الذي أشرف في الظل طوال نصف قرن على الشؤون الدفاعية وأمن شقيقه الاكبر، أعلن العام 2006 انه "لا يمكن الاستغناء عن فيدل، وسيتم اتخاذ كل القرارات المهمة بالتشاور معه".

اما التحديات التي يواجهها راوول، فهي جسيمة وتشمل تجنب إفلاس نموذج اقتصادي عفا عليه الزمن، وضمان الخلافة مع استمرارية نظام الحزب الواحد الذي يمنع المعارضة، وادارة ازمة الثقة لدى شعب شاب بعيد عن قيم الثورة.

ويعاني النمو الاقتصادي من الضعف وليس من المرجح ان يبلغ نسبة 1% المتوقعة العام الحالي، بسبب انخفاض امدادات النفط الفنزويلية بالتزامن مع تراجع اسعار المواد الخام.

لكن خطوة راوول للتقارب مع الولايات المتحدة التي قد تتوّج برفع الحصار الشديد المفروض على الجزيرة منذ عام 1962، أبرزت قدراته على التخطيط السياسي ومهاراته الدبلوماسية.

الا ان راوول لا ينطلق من الصفر. فهو منهجي وحذر بقدر ما كان شقيقه متسرعا وجريئا، وأمضى ثماني سنوات في التمهيد للاصلاحات بدعم من نواة من الانصار الاوفياء من القوات المسلحة التي قادها قرابة 50 عاما، وتدير قطاعات كاملة من الاقتصاد.

ونادرا ما يعرب راوول المتكتم كثيرا عن ارائه في وسائل الاعلام لكنه يناور في الظل "لنزع بصمات فيدل عن كوبا بشكل منهجي"، بحسب دبلوماسي غربي امضى عدة سنوات في الجزيرة.

واضاف "لقد قضى حياته كلها في دور المتشدد داخل النظام، لكن في واقع الامر فإنه يحاول من فترة طويلة ادخال تغييرات عملية لمواجهة الايديولوجيين الذين يرتكز عليهم فيدل".

ومنذ عام 2006، وعد راوول بـ"إصلاحات هيكلية" مثل التخلي عن عقيدة المساواة في الاجور والسماح ببيع الهواتف المحمولة واجهزة الكمبيوتر للكوبيين الذين بات بامكانهم ايضا دخول الفنادق التي كانت حصرا للسياح الاجانب.

تحديث النموذج

كما ضخ راوول جرعات من اقتصاد السوق بهدف "تحديث" نموذج اقتصادي متقادم يعود الى الحقبة السوفياتية، مثل السماح لاصحاب المهن بالعمل لحسابهم الخاص، ترشيد القطاع العام، تشجيع التعاونيات وتوسيع الادارة الذاتية في مؤسسات الدولة والموافقة على بيع المركبات والوحدات السكنية.

واطلق ايضا خصخصة الاراضي الزراعية ومنح حق الانتفاع لصغار المزارعين في محاولة لحل النقطة السوداء الابرز في الاقتصاد الكوبي، اي ضعف الانتاج الغذائي اذ تستورد البلاد نحو 80% من المواد الغذائية.

ويتم تنفيذ هذه الإصلاحات ببطء وسط انضباط عسكري الطابع على غرار القطاعات الرئيسة للاقتصاد التي تديرها القوات المسلحة مثل الاتصالات والنقل والصناعة والتعدين وغيرها.

اما القطاع السياحي البالغ الحساسية اذ يتضمن اتصالات مع الاجانب وعائدات مباشرة قوية بالعملات الاجنبية، فانه احد المجالات التي يهيمن عليها الجيش الذي يدير شركات الطيران والفنادق والمطاعم وموانئ الترفيه ووكالات تأجير المركبات او المتاجر الكبيرة.

ويتبع مجمعا "غافيوتا" و"كوباناكان" السياحيان لشركة مملوكة للدولة تديرها القوات المسلحة، ورئيسها التنفيذي هو الكولونيل لويس البرتو رودريغيز لوبيز كاليهاس صهر راوول كاسترو. وقد اصبح في أبريل 2011 من اعضاء اللجنة المركزية للحزب.

وفي يناير 2013، ادخل الرئيس اصلاحات في مجال الهجرة ترفع القيود الشديدة التي فرضت على المسافرين قبل 50 عاما. واستفاد مئات الآلاف الكوبيين من ذلك.

وتوج الرئيس الكوبي اصلاحاته بالاعلان التاريخي عن التقارب مع جارته الشمالية، ما قد يؤدي الى انطلاقة جديدة في اقتصاد بلاده.

لكن راوول العجوز يعرف ايضا ان لا مستقبل امامه. ويتعين عليه تنظيم خلافته بعد اعلانه التخلي عن السلطة عام 2018.

وقام للمرة الاولى بتعيين شخص لا ينتمي الى "الجيل التاريخي للثورة" هو ميغيل دياز كانيل (56 عاما) في المنصب الثاني في السلطة.

ومن الان وصاعدا، سيتكفل الشقيق الاصغر "اليتيم" بالمهمة الصعبة المتمثلة في اضفاء وجه جديد للنظام السياسي الذي اسسه فيدل والعثور على جيل جديد من الحكام ما زالوا حتى الان يعملون طي الكتمان.