لاقت عودة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى مدينة عدن العاصمة الموقتة لليمن اهتمامًا كبيرًا، سياسيًا وشعبيًا وإعلاميًا، واعتبرها عدد من اليمنيين عودة مهمة بكل المقاييس، باعتبارها نقطة انطلاق جديدة لتوطيد دعائم شرعية الرئيس هادي والحكومة وضربة موجعة للمتمردين.

إيلاف من عدن: وصل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي السبت إلى عدن قادمًا من مقر إقامته في الرياض، وكان في استقباله عدد من مسوولي الحكومة الشرعية وحاكم عدن عيدروس الزبيدي.

ذكرى الاستقلال
وبث التلفزيون اليمني صور عودة الرئيس هادي إلى عدن، وسط استقبال عدد من كبار المسؤولين الحكوميين المتواجدين في المدينة. 

وذكرت مصادر سياسية وإعلامية متطابقة أن الرئيس هادي ينوي مشاركة أبناء عدن فرحة الاحتفال بالذكرى الـ 49 لاستقلال الجنوب العربي وحضرموت عن بريطانيا في 30 نوفمبر 1967م، إضافة إلى حلحلة عدد من الملفات السياسية والاقتصادية والعسكرية الشائكة في عدن والمحافظات المحررة.

هذه الزيارة هي الأولى لهادي إلى عدن منذ نوفمبر 2015، وتأتي بعد زهاء شهرين من عودة رئيس الحكومة أحمد بن دغر وعدد من الوزراء إلى المدينة لمزاولة نشاط الحكومة التي تقيم خارج البلاد منذ أكتوبر 2015.

بين المقاومة والإرهاب 
قال الكاتب والمحلل السياسي صالح الدويل باراس إن الرئيس هادي سيظل في المشهد السياسي مالكًا لشرعية دولية لم تتحدد فترتها بزمن، بل بإنجاز مهام.

واستدرك باراس في حديثه لـ"إيلاف"، بأن بقاﺀ الرئيس في الخارج كان له تأثير سلبي كبير في الجنوب المحرر تحديدًا، مشيرًا إلى أن المنظمات الدولية لم تكلف نفسها عناﺀ رصد آثار الحرب فيه، ولم تتعامل معه باعتباره مناطق محررة، بل تعاملت معه وفقًا لما يصنفه "الانقلاب الحوثي الفاشي" بأنه ملاذ لنشاط القاعدة.

واستطرد قائلًا: "ظهر كل ذلك جليًا في تقرير ولد الشيخ لمجلس الأمن، إذ لم يرصد تقريره في الجنوب إلا نشاط القاعدة وداعش، وتقديم الجنوب عبر ثنائيتين، إما إنه تحت سيطرة حراك ومقاومة جنوبية غير منضبطة، أو تحت سيطرة الإرهاب، واستفاد من ذلك الانقلابيون وحزب التجمع اليمني للإصلاح، من خلال تقديم مأرب منطقة نموذجية وتقديم مناطق الانقلاب على أنها تخلو من الفوضى، وتنعم بالاستقرار، رغم أن الأسباب في الجنوب مختلفة".

عامل استقرار 
أضاف باراس: "عودة الرئيس إلى عدن، خاصة إذا نوى الاستقرار فيها ومخاطبة العالم منها، العودة بهذا المعنى تعطي مؤشرًا ببدﺀ مرحلة مختلفة في الحرب، فعسكريًا أعتقد أن ملف تعز سيتجه نحو الحسم، وربما يتوارى التحالف من المشهد المباشر للحرب لوجود ضغوط دولية على بلدانه، تربط هذا الملف بملفات أخرى، لكنه لن يتخلى عنها، مهما كانت المبادرات، فهذه الحرب حرب وجود بالذات لدى السعودية، ما يعني أن الحرب ستظل محلية". 

وأبدى باراس أمله في أن يكون تواجد الرئيس هادي في عدن عامل استقرار لأمن عدن والجنوب، وأن يكون مترافقًا برؤية تؤمن الجنوب بأدوات جنوبية، مثلما أن محافظات الشمال مؤمّنة بأدوات شمالية، قائلًا "إن هناك بديهية يفهمها الرئيس، وهي إن المال عصب الإدارة"، فيجب أن يضمن الجانب المالي، فهذا الجزﺀ وتأمينه من عوامل الاستقرار في المحافظات التي يسيطر عليها الانقلاب، وكذا منطقة مأرب، التي يسيطر عليها حزب التجمع اليمني للإصلاح.

تعز تتصدر الملف العسكري
ربط قائد عسكري كبير في المنطقة العسكرية الرابعة بين عودة الرئيس اليمني إلى مدينة عدن والتحركات العسكرية المكثفة لتحرير تعز ثالث محافظات اليمن أهمية.

والمنطقة العسكرية الرابعة تتخذ من مدينة عدن مقرًا، وتضم إضافة إلى عدن، محافظات لحج وأبين وتعز والضالع، وتقع فيها قاعدة العند العسكرية، التي تعد أهم قاعدة عسكرية في اليمن.

وقال القائد العسكري الكبير الذي تحدث لـ"إيلاف"، طالبًا عدم ذكر اسمه، إن معركة تحرير تعز باتت الآن هاجس الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، مشيرًا إلى الانتصارات المتلاحقة التي حققها الجيش في تعز، وتمكنه من دحر جماعة الحوثي وقوات الحرس الجمهوري التابعة للرئيس السابق علي عبدالله صالح من عدد من المواقع الاستراتيجية.

أضاف القائد: "وجود الرئيس هادي في عدن، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، يعطي دفعة معنوية إلى أفراد الجيش والمقاومة، بل ونتوقع إشرافه المباشر على غرفة العمليات العسكرية، ومتابعة تنفيذ خطة تحرير تعز، خاصة بعد وصول تعزيزات عسكرية كبيرة خلال الأسبوع الماضي، وفي المقابل رصدنا تعزيزات مماثلة من المتمردين، وهذا يعكس أهمية معركة تعز".

ملفات شائكة 
يرى المتحدث الرسمي باسم المقاومة الشعبية الجنوبية علي شائف الحريري أن عودة الرئيس هادي إلى عدن ضرورية، وإن كانت موقتة، من أجل متابعة ما تم تحقيقه خلال الفترة الماضية من إنجازات أمنية وإدارية والإطلاع على الوضع عن قرب في ما يخص الخدمات الضرورية للمواطن.

ويشير الحريري إلى عدد من الملفات والأجندة التي تتطلب وقوف الرئيس عليها، قائلًا: "هناك ملفات عدة تتطلب أن يقف عليها الرئيس هادي عن قرب، وأهمها ملف الكهرباء والماء، في ما يخص المحافظات المحررة، كما إن الرئيس سيشرف بنفسه على عملية تحرير تعز والترتيب لها عن قرب لفرض الخيار العسكري على أرض الواقع، بعد تعنت ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح وعدم جنوحها للسلم والحل السياسي والامتثال للشرعية واختراقها لكل الهدنات وإصرارهها على استمرار الحرب".

وناشد ناطق المقاومة الجنوبية الرئيس هادي التوجيه والإسراع في استكمال دمج المقاومة الجنوبية في قوات الأمن والجيش التابعين للحكومة الشرعية.

الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت 
يربط الكاتب والمحلل السياسي د. عبده الدباني بين المبادرة الأخيرة للمبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ والتقدم الميداني والسياسي الذي تحققه الحكومة الشرعية.

يضيف الدباني لـ"إيلاف" قائلًا: "مبادرة ولد الشيخ جرّدت الرئيس هادي من صلاحياته، لكنها حركت الأمور نحو تقدم ميداني وسياسي للشرعية في محافظات الشمال، وأظن أن الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت الميدانية التي ستؤثر على مجريات السياسة".

ولفت الدباني إلى أن قادة الشمال لن يفلحوا في الشمال، ولن يقاتلوا بإخلاص لأسباب كثيرة، متوقعًا أن يلعب الجنوبيون دورًا كبيرًا في تحرير الشمال من جماعة الحوثي وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وإعادتها إلى حضن الشرعية. 

اهتمام شعبي 
الشارع اليمني تابع منذ اللحظات الأولى عودة الرئيس إلى عدن، وحظيت وسائل التواصل الاجتماعي بتعليقات تناولت عودة الرئيس، وما تمثله من مغزى سياسي وإعلامي، يهدف إلى رفع معنويات الجبهة العسكرية والقتالية الموالية للحكومة.

واعتبر العديد من اليمنيين أن عودة الرئيس هادي في هذا التوقيت هي عودة تاريخية بكل المقاييس، لأنها تثبيت لعودة الشرعية التي قامت بجهود من المقاومة داخل عدن ومحافظات أخرى، ومن خلال جهود قوات التحالف العربي، وترسيخ للمبدأ الأساسي وتأكيد على أن الرهانات التي كان يطلقها الرئيس السابق علي صالح وجماعة الحوثي قد فشلت.