جبرين: خسر فواز الاشعري ابنه وزوجته وعمله، ودمر منزله نتيجة الحرب، فقرر الخروج من حيه في شرق حلب، على غرار ما فعله عشرات الآلاف غيره بعد سيطرة الجيش السوري على مناطق عدة داخل المدينة كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة.

ويقول الاشعري&(56 عاما) لوكالة فرانس برس غداة وصوله من حي الصاخور الى مركز اقامة موقتة تابع للحكومة السورية في قرية جبرين شرق مدينة حلب "لقد خسرت ابني البكر، وخسرت عملي وأجزاء من منزلي وهذا يكفي، لا أريد خسارة المزيد".

ويضيف الرجل وهو يجلس على الارض متكئا على حقيبة سوداء "لم تعد لي رغبة في الحياة بعدما توفيت زوجتي حزنا على فقدان اكبر أبنائنا أحمد الذي توفي إثر اصابته بشظايا قذيفة سقطت على الحي المجاور في العام الماضي".

ويتابع الرجل الذي كان يملك محل مفروشات بحزن شديد بينما يحيط به اولاده الاربعة وهم شبان في بداية العشرينات "اعتدنا على كل صعوبات الحياة، ولا يريد أبنائي سوى الأمان. بعدما شاهدوا الموت مرات عدة، أريدهم ان يشاهدوا الحياة ولو لمرة واحدة".

في باحة مركز الاقامة الموقت، وهو عبارة عن ثلاثة مبان اسمنتية من طابق واحد غير مكتملة البناء وخالية الا من الفرش والاغطية شيدت في الاساس لتأوي مصنعا، يتجمع الفارون من جحيم الحرب في شرق حلب وبينهم عدد كبير من النساء والاطفال، وينتظرون دورهم لتسجيل اسمائهم والحصول على حصصهم من غذاء وبطانيات وفرش، فيما تلامس حرارة الطقس عتبة السبع درجات بعد الظهر.

- "أطول ساعات حياتي" -في إحدى الزوايا، تجلس أم منير (55 سنة) أرضا وتمد قدميها جراء ألم تشكو منه في ركبتيها. وتستعيد تفاصيل وصولها الاثنين الى المخيم بعد خروجها من حي مساكن هنانو، اول الاحياء التي استعاد الجيش السيطرة عليها مساء السبت اثر هجوم بدأه منتصف الشهر الحالي.

وتقول ام منير "استغرقت الرحلة (من مساكن هنانو) ست ساعات، هي أطول ساعات حياتي، امضيتها سيرا وانا انتقل من منطقة الى اخرى وصولا الى حواجز الجيش".

وتضيف "لم يكن الطريق خطرا لان المسلحين هربوا، لكني كنت قلقة للغاية، خشيت أن اقع على الأرض ولا اجد من يعينني".

وتشعر ام منير بالبرد القارس، الا انها تقول "بكل تأكيد، البرد هنا افضل من وضعنا في مساكن هنانو".

قرب مدخل المركز، يجلس عبد اللطيف (56 سنة) مع زوجته وخمسة من افراد عائلته، يتدفأون حول نار اشعلوها من الصناديق الفارغة للوجبات الغذائية التي تناولوها.

ويقول عبد اللطيف وقربه حقائب واغراض أحضرتها العائلة معها من حي الصاخور قبل ايام "للمرة الاولى اشعر بالدفء منذ ثلاث سنوات بعدما نفدت المحروقات حيث كنت اقطن".

وتضيق باحة المركز بالعائلات. ويقف افرادها في صفوف طويلة بانتظار الحصول على وجبة ساخنة تقدمها ثلاثة مطابخ سورية وروسية وايرانية، وفق ما يشرح مسؤول ميداني لفرانس برس.&

وحول قدر كبير مليء بالطعام الساخن وضع على عربة مدفع رُفع عليها العلم الروسي، يتولى ثلاثة جنود روس تقديم الطعام لعدد كبير من الاشخاص الذين ينتظرون دورهم.

وتحاول نوارة (14 عاما) أن تعد على أصابعها لتحصي عدد الاشخاص الذين يقفون امامها قبل ان يحين دورها للحصول على وجبة حساء ساخن، في وقت يقف نازحون آخرون امام المطبخ الايراني المجاور، منتظرين دورهم للحصول على وجبة من الارز واللحم.

وتروي نوارة كيف غادرت مع والدتها على عجل منزلهما في شرق حلب. وتقول "قالت لي والدتي جملة واحدة: علينا الرحيل".

وتوضح ان والدتها اتخذت القرار "بعدما سمعنا ضجيجا فجر أمس (الثلاثاء) وشاهدت أمي عبر النافذة جيرانها ينزحون تحت جنح الظلام"، مضيفة "خافت أن نبقى وحدنا في الحي، حزمنا أمتعتنا سريعا وخرجنا".

- تسجيل اسماء وتسوية أوضاع -بين المطبخين، يتولى عناصر من الهلال الأحمر السوري وعدد من متطوعي الجمعيات الأهلية توزيع الفرش والبطانيات على العائلات. وبالقرب منهم، تستقبل سيارات الاسعاف التابعة للهلال الاحمر مرضى يعانون من حالات صحية حرجة بعد وصولهم في حافلتين حكوميتين من شرق حلب.

ويندفع الوافدون الجدد إلى الساحة، ويحاولون إيجاد مكان يقيهم برودة الطقس، قبل أن تأتيهم الوجبات والأغطية. ويحاول البعض الآخر التواصل مع ذويهم أو اصدقائهم تمهيدا للانتقال الى مكان آخر.

قبل دخولهم الى مركز الايواء، يسجل عناصر الجيش السوري اسماءهم ويحتفظون ببطاقات هويات الشباب والرجال للتدقيق فيها والتحقق من عدم تخلفهم عن الخدمة العسكرية او عدم ورود اسمائهم على قوائم المطلوبين. بعد التأكد من الهويات، تتم مناداة الاشخاص عبر مكبرات الصوت تمهيدا لتسليمهم هوياتهم.

ويوضح معاون محافظ حلب عبد الغني قصاب بعد جولة داخل مركز جبرين ومركز إيواء آخر قريب يستقبلان اكثر من 12 الف شخص، على حد قوله، ان "كل هارب من المسلحين يصل الى حواجز الجيش يتم تأمينه إلى مراكز الإيواء عبر وسائل نقل حكومية، ويمكنه إثر ذلك الذهاب إلى أقاربه أو اي مكان في حلب أو خارجها".

ويضيف "أما بالنسبة الى المسلحين، فعليهم بداية تسوية أوضاعهم، ومن ثم تتخذ الدولة الإجراءات اللازمة بحقهم".

ويقول أحمد (40 عاما)، وهو مقاتل خرج من حي الصاخور، "خفت بداية أن يحتجزني الجيش إذا سلمت نفسي، لكنني تشجعت وخرجت لا سيما أن الخيارات المتاحة قليلة جدا".

ويضيف "طمأننا عناصر الجيش هنا الى أنه سيتم درس وضعي ومن ثم السماح لي بالذهاب"، متابعا "أرغب بالذهاب الى بيت عمي في حماة (وسط)، لكنني أنتظر بقية الإجراءات".