إيلاف من الكويت: الحراك السياسي البرلماني في الكويت عامر بالحوادث. فقد حُلّ مجلس الأمة الكويتي أربع مرات، بين عامي 2006 و2010، وأبطلته المحكمة الدستورية مرتين في عامي 2012 و2013، وها قد انتخب الكويتيون في 26 نوفمبر الماضي مجلس أمة جديدا، يعلّقون عليه آمالًا عريضة بتجاوز الخصومات السابقة بين البرلمان والحكومة... الخصومات التي شلّت العملية الإصلاحية في البلاد، ووجّهت كل الجهود لإطفاء السجالات الدائمة والاستجوابات المتتالية.

&متشائمون

في مواكبة لصيقة للحدث البرلماني الكويتي، وضمن سياق استفتائها الأسبوعي، سألت "إيلاف" القراء: "هل تعتقد أن مجلس الأمة الكويتي الجديد سيتجاوز أزمات الماضي مع الحكومة؟" كانت أغلبية المستجيبين لهذا السؤال سلبية في إجابتها. فأجاب 509 مشاركين بـ "لا" من إجمالي 618 مشاركًا، بنسبة 82 في المئة، في مقابل 109 مشاركين أجابوا بـ "نعم"، بنسبة 18 في المئة. فهل تعود حليمة إلى عادتها القديمة، وتعود المناكفات اليومية بين البرلمان والحكومة في الكويت، على الرغم من التغيير الكبير الذي أفرزته نتائج انتخابات "أمة 2016"؟

ربما أجاب النائب الكويتي حمدان العازمي عن هذا السؤال متسرعًا، إذ قال في تصريح له إن المجلس الجديد لن يكمل مدته، وأنه معرض للحل. أضاف: "يمكن أن تكون الانتخابات للمجلس المقبل في 18 يناير 2018"، على الرغم من أن أغلبية النواب الجدد أو العائدين إلى قبة البرلمان يؤكدون العمل بروح التعاون لخير البلاد، علمًا أن المعارضة الكويتية استطاعت فعليًا أن تثبت أقدامها في البرلمان الجديد.

خريطة جديدة

يجمع المراقبون على أن أكثر ما ميز انتخابات "أمة 2016" مشاركة القوى السياسية قاطبة، أول مرة منذ 2012، وتحديدًا قوى قاطعت الانتخابات السابقة رافضة مرسوم الصوت الواحد. وما هذه المشاركة الجامعة إلا قبولًا من الجميع بشرعية قانون الصوت الواحد الذي كان أحد أهم أسباب الفراق بين البرلمان والحكومة.

إلى ذلك، تزامنت الانتخابات مع حال من عدم الاستقرار الإقليمي الذي كان مبررًا لاستخدام أمير الكويت حقه الدستوري في حل مجلس الأمة السابق قبل 9 أشهر من إتمامه مدته الدستورية، بسبب "الظروف الإقليمية الدقيقة والتحديات الأمنية وانعكاسات أخطارها ومحاذيرها على الكويت"، كما ورد في مرسوم الحل، وتزامنت أيضًا مع تراجع كبير في أسعار النفط، وعجز في الموازنة الكويتية.

كما تميزت هذه الانتخابات بمشاركة شعبية عارمة في جميع الدوائر الانتخابية، بنسبة بلغت عتبة 70 في المئة، ما لم تصل إليه نسب الاقتراع منذ انتخابات عام 1992.

وحلّت خريطة سياسية جديدة مكان القديمة في المجلس بدخول نحو 60 في المئة من أعضاء جدد مكان أعضاء سابقين، بنسبة تغير وصلت إلى 50 في المئة في الدائرة الانتخابية الأولى، و40 في المئة في الثانية، و70 في المئة في الثالثة، و80 في المئة في الرابعة و60 في المئة في الخامسة.​

أغلبية جديدة

لا شك في أن الشباب أحرز تقدمًا على طريق الحياة البرلمانية بنسبة 14 في المئة، كما عاد نواب السلف المستقلون والحركة الدستورية فيما خسر نواب التنظيم السلفي وفقدت الكتلة الشيعية ثلاثة مقاعد من تسعة، وتراجع الحضور القبلي من 15 نائبًا إلى 7 نواب فقط. أما المرأة، ففكانت الفائزة الوحيدة صفاء الهاشم.

فاز في هذه الانتخابات عدد ضئيل من النواب المؤيدين للحكومة، بينما سقط عدد كبير من الأغلبية المعارضة التي ظهرت في انتخابات مجلس الأمة 2012، المعروفة بما يسمى "الأغلبية المبطلة"، في مقابل تصاعد للمعارضة الجديدة الصريحة في انتقاد الأداء الحكومي التي ضمت في أغلبها نوابًا شبابا ممن أبهروا الناخبين بالخطاب السياسي والجرأة في طرح القضايا، وتقديم الحلول للمشاكل الأزلية، مع إعادة روح الأمل لعملية البناء والتنمية، وفقًا لمركز مستقبل الإماراتي للأبحاث والدراسات المتقدمة، طبعًا ضمن الحيز الواسع لحرية التعبير الذي تتيحه القيادة الكويتية، انطلاقًا من حرصها على ديمقراطية الحياة السياسية في البلاد.

ويلفت المراقبون إلى أن الوزراء النواب كانوا أبرز الخاسرين: من أصل ثلاثة وزراء نواب منتخبين، خسر اثنان بنسب محرجة وتراجع ترتيبهما في دائرتهما الانتخابية بشكل كبير. وهذا يدلّ، بحسب المراقبين، على مقدار الغضب الشعبي من سوء أداء البرلمان السابق ومن عدم استجابته لمطالب الكويتيين، خصوصًا في المجال الاقتصادي بعد تصديقه رفع الدعم عن استهلاك الماء والكهرباء والبنزين. وليس أدل من سقوط نواب برروا رفع الدعم وزيادة أسعار المحروقات.

المطلوب توافق&

في خلال الحملات الانتخابية قبيل 26 نوفمبر الماضي، ما كان الهم الأمني الإقليمي الهاجس الأول، إنما كان الهم الداخلي الاقتصادي. فالاقتصاد الكويتي يمر في ظروف غير طبيعية في ظل استمرار النفط عند مستويات منخفضة أكثر من عامين، فعائدات النفط هي أساس إيرادات الموازنة الكويتية، وانخفضت صادرات الطاقة الكويتية بشكل كبير منذ عام 2013، متراجعة إلى نحو 45 مليار دولار في 2016، وتقلص الناتج القومي إلى 111 مليار دولار، لأول مرة منذ عام 1999. وهذه الأسباب أدت إلى عجز في الموازنة الكويتية بلغ 15 مليار دولار في السنة المالية 2015 - 2016، وثمة من يتوقع الأسوأ: تضاعف العجز في خلال العام المقبل.

في عهد البرلمان السابق، ولمداراة هذا العجز، سارت الحكومة الكويتية في إجراءات إصلاحية فوقف مجلس الأمة في دربها، ما عجّل في حلّه، لهذا يرى المراقبون إن مهمة المجلس الجديد ليست سهلة. فعلى الحكومة الجديدة مراجعة خطة الحكومة السابقة للإصلاح الاقتصادي، وبالتالي قد تعود العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة إلى التوتر، في وجود معارضة جديدة يمكن أن تؤدي دور المعرقل، خصوصًا أن الاصلاحات المطلوبة تستدعي اتخاذ إجراءات غير شعبية.&

ويؤكد الخبراء أن تجاوز قطوع العجز يتطلب توافقًا عارمًا على إقرار اصلاحات تحد من استنزاف الموارد، وتمكن من إنشاء أرضية استثمارية صلبة تجذب المستثمرين. فهل هذا ممكن في ظل التوازنات الجديدة في مجلس أمة 2016؟&