طرابلس: مدينة سرت الليبية التي اعلنت قوات حكومة الوفاق الوطني الاثنين السيطرة الكاملة عليها بعد اكثر من ستة اشهر من القتال، هي مسقط رأس الزعيم الراحل معمر القذافي، وبقيت على مدى اربعة عقود معقلا لنظامه قبل ان تسقط في ايدي الإرهابيين عام 2015.

موقع استراتيجي 

تقع سرت على بعد 300 كلم من الساحل الاوروبي وفي منتصف الطريق الساحلي بين طرابلس وبنغازي وعلى بعد 180 كلم من مصراتة في الغرب من حيث انطلقت في مايو قوات حكومة الوفاق التي تضم عدة فصائل.

وكان قربها من منطقة "الهلال النفطي" الى الشرق وراء تغذية اطماع تنظيم داعش الذي كان يهدف الى السيطرة على منافذ التصدير والموانىء النفطية.

مسقط رأس القذافي 

ينتمي سكان سرت ذات الطبيعة الصحراوية بمعظمهم الى القبائل الاربع الاكثر شهرة في المنطقة وهم القذاذفة وورفلة وهم كثيرو العدد في غرب ليبيا، والفرجان والمقريحة الاقرب والاكثر ولاء للنظام السابق. واشتهرت المنطقة منذ قرون بتربية الماشية والإبل.

كان يعيش في المدينة 120 الف شخص قبل سيطرة تنظيم داعش عليها في 9 يونيو 2015، لكن بعضا منهم فروا من المعارك واصبح من المتعذر تحديد عددهم بدقة.

حظيت مدينة سرت لاكثر من اربعة عقود، بين عامي 1969 و2011، بمكانة مميزة على اعتبار انها مسقط راس الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.

واقام القذافي في هذه المدينة مقرات حكومية وحاول اكثر من مرة ان ينقل الاجتماعات الحكومية الرئيسية اليها دون ان ينجح في ذلك.

 ما بعد القذافي

تعرضت سرت خلال الانتفاضة الشعبية ضد النظام السابق لدمار كبير. وفي هذه المدينة اعتقل القذافي عام 2011 وقتل بعد ان لجأ اليها اثر سقوط طرابلس بايدي الثوار في نهاية اغسطس من العام ذاته.

وكانت سرت خلال الثورة هدفا لهجمات الثوار بعدما تركزت القوات الموالية للقذافي فيها، بينما جعلها ابنه المعتصم منطلقا لشن هجمات على الجبهتين الشرقية والغربية.

ودفعت سرت التي كانت اخر المدن الموالية للقذافي ثمن ذلك غاليا فتحولت شوارع باكملها فيها عقب انتهاء المعارك الى ركام، بينما ظل سكانها ينتقدون السلطات الجديدة ويتهمونها بتهميشهم والانتقام منهم، حتى باتوا يطلقون على مدينتهم اسم "المنسية".

معقل لتنظيم داعش

تحولت المدينة الى ملاذ لتنظيم داعش بعدما وقعت تحت سيطرته في يونيو 2015. وجعل التنظيم الجهادي من سرت قاعدة خلفية له تستقطب المقاتلين الاجانب الذين يجري تدريبهم على شن هجمات في الخارج.

وفي هذه المدينة المتوسطية، قطعت الايادي واعدم الناس في الساحات. وفي شوارعها الرئيسية، رفعت رايات التنظيم الجهادي السوداء والسيارات التي تراقب حركة المارة واصحاب المحلات. وفرض على السكان اداء الصلاة في مواعيدها، ومنعت النساء من مغادرة منازلهن من دون محرم.

يعبر مدينة سرت شارعان حيويان، طريق الشط والشارع الرئيسي، وتتفرع منهما شوارع اخرى على امتداد الاحياء السكنية المقسمة في معظمها الى مربعات.

وتضم المدينة ميناء على البحر المتوسط، ومطارا دوليا وقاعدة جوية. كما تضم جامعة حكومية، ومستشفى، ومصارف، ومجمعا للمؤتمرات هو الاكبر في شمال افريقيا يسمى مركز واغادوغو. وقد تحصن فيه مقاتلو تنظيم داعش فترة طويلة.

بنى القذافي مركز واغادوغو لاستضافة القمم الافريقية والدولية خدمة لسياسته الافريقية، وفي هذا المجمع اعلنت فكرة قيام الاتحاد الافريقي في 9 سبتمبر 1999 ضمن "اعلان سرت".

طرد الإرهابيين

اعلنت القوات الليبية الموالية لحكومة الوفاق الوطني الاثنين "فرض السيطرة الكاملة" على سرت بعد اشهر من المعارك مع تنظيم داعش.

وانطلقت العملية العسكرية في 12 مايو، وحققت القوات الحكومية تقدما سريعا في بدايتها مع سيطرتها على المرافق الرئيسية في سرت.

لكن هذا التقدم سرعان ما بدأ بالتباطؤ مع وصول القوات الى مشارف المناطق السكنية في المدينة، لتتحول المعركة الى حرب شوارع وقتال من منزل الى منزل.

ومنذ نهاية تشرين اكتوبر، كانت القوات الحكومية تحاصر عناصر تنظيم داعش في رقعة صغيرة في المدينة، قبل ان تسيطر عليها بالكامل الاثنين.