إيلاف من الجزائر: أعلن وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري محمد عيسى مباشرة إدارته إجراءات عملية لضبط الخطاب الديني في البلاد، بهدف مواجهة كل أشكال التطرف، تكون بدايتها بالمضمون الديني الذي يبث عبر القنوات التلفزيونية الحكومية والخاصة.

ويراهن عيسى على مواجهة كل مظاهر التطرف التي قد تعيد البلاد إلى ما عاشته&في تسعينيات القرن الماضي، كما يقود حملة واسعة ضد ما يسميها "الأفكار الدخيلة" على المجتمع الجزائري، والتي تحاول أن تخرجه من "إسلامه المعتدل المتسامح".

ضرورة

ويؤيد الاكاديمي لخضر رابحي المهتم بشؤون الفكر والدعوة قرار محمد عيسى في التعجيل بضبط الخطاب الديني في الجزائر.

وقال لـ"إيلاف" إن "الخطاب الديني يحتاج إلى بناء في الموضوع والأهداف ليؤدي دوره في المرحلة الراهنة، ولا يتسبب في نشر الكراهية والصراعات المذهبية ويبدد طاقتها، ويكون مساهماً في نهضة الأمة، وندعو إلى& تأسيس مرصد لتوجيه الخطاب حتى لا يخضع لشهوة المسؤول ورغباته وميوله الفكرية والإيديولوجية".

وأصعب امتحان تواجهه الحكومة الجزائرية هو وجود أماكن عبادة غير مرخصة تنشط خارج القانون، سواء كانت لمسلمين أو لغيرهم من الديانات الأخرى.

وأوقفت المصالح الأمنية في أكثر من مرة جماعات تنشط في أماكن سرية غير مرخصة لنشر التشيع والأحمدية والنصرانية.

وكشف الأربعاء مصدر قضائي بولاية غرداية جنوب البلاد وضع 21 شخصًا&يُشتبه بهم في التحريض على "الكراهية والعنف وتنظيم تجمع غير مرخص به".

وعرفت ولاية غرداية في السنوات الأخيرة أحداث عنف طائفية بين أتباع المذهب المالكي والإباضي.

وذكر المصدر ذاته أن الموقوفين متابعون بتهم المشاركة في أنشطة معادية والتحريض على الكراهية والعنف، وحيازة أسلحة بيضاء محظورة، وتكوين عصابة إجرامية ونشر وثائق ومنشورات معادية تحرض على الكراهية "الإثنية". &

ويواجه الموقوفون أيضًا تهم تنظيم اجتماعات غير مرخص بها&&والتحريض على الفوضى.&

خلل

وبحسب لخضر رابحي، فإن "الخلل المسجل في الخطاب الديني &في الجزائر اليوم سببه الأول غياب مرجعية وطنية ضابطة وموجهة، فنحن إلى اليوم لا ندري من نحن، ولا نملك جهاز فتوى معتبراً، ولا مفتيًا &للجمهورية مثلاً.

أضاف: "البلد الذي يفقد المرجعية الضابطة يصبح بلداً مفتوحًا للتيارات الفكرية الوافدة، كما أن تعثر الخطاب يعود إلى مستوى التكوين والتأهيل، فأغلب من يشتغل بالخطاب مستواهم متدنٍ في اللغة والبيان وفقراء في الزاد الشرعي والفكري".

وأوضح أن "الخطاب الديني يحتاج إلى رؤية وهذه الرؤية تصنع الجماعة الوطنية &ليصبح الخطاب جزءًا من الأمة وهمومها يعبر عن ذاتها وأولوياتها، لا معبراً عن حاجات وأولويات الآخرين كما هو حادث اليوم". &

دعوة

ودعا محمد عيسى إلى التعجيل بوضع ميثاق شرف للنشاط الديني في وسائل الإعلام، على أن يشرع في تطبيقه في أقرب وقت ممكن بالتنسيق مع القنوات التلفزيونية الناشطة حاليًا والتابعة للقطاعين العمومي والخاص.&

وقال إن "التعجيل بإعداد هذا الميثاق في ظل وجود عدد قليل من القنوات التلفزيونية العمومية والخاصة المعتمدة في الجزائر من شأنه أن يسهل تطبيق الإجراءات التي سيتم تحديدها لنوعية الخطاب الديني المتداول في وسائل الإعلام، وذلك بالتنسيق مع سلطة ضبط السمعي البصري في انتظار اعتماد قنوات ووسائل إعلام أخرى".&

وطلب عيسى وسائل الإعلام إلى مباشرة التفكير في كيفية وضع البرامج الدينية الخاصة بشهر رمضان المقبل، من خلال اختيار الأئمة والشخصيات التي ستقدم هذه الحصص والأحاديث الدينية.

وشدد عيسى على ضرورة الابتعاد عن صنع ما أسماه " نجومًا في القنوات" تطالب برواتب عالية وتفرض نفسها وصية على تدين الجزائريين.

وبحسب لخضر رابحي، فقد ساهمت القنوات التلفزيونية في "رداءة الخطاب بتسويقها للنماذج، في بلد يعاني من نقص الكفاءة الدينية في الجزائر ولم نبذل الجهد المطلوب لصناعة علماء وفقهاء ومراجع تستند إليهم الأمة".

وقال رابحي لـ"إيلاف" إن "أغلب الخطاب في الديني في المؤسسات الإعلامية لا يلبي حاجة الأمة إلى التطلع للخروج من التخلف والتردي وبناء مجتمع فاضل قيمي مزدهر، ربما القنوات تبحث عن التجارة فسوقت لتفسير الأحلام بالمباشر ولأحاديث السحر والجن بحثًا عن الإثارة،&وقدّمت نماذج عن الفتوى تعبّر عن رداءة الزاد وضعف البضاعة وقلة الاهتمام".

ويرى رابحي أنه "في العموم القنوات وإلى الآن تقدّم خطابًا دينيًا إما ميتًا باردًا لا يتفاعل معه أحد أو مشعوذاً شاذاً ينشر الخرافة والوهم، إلا ما ندر وهو قليل".

مؤسسات&

وكشف وزير الشؤون الدينية أن إدارته تفكر في مشروع إنشاء مركز الجزائر للدراسات والأبحاث الإسلامية، والذي سيتضمن عدة مخابر، من بينها مخبر يختص بالخطاب الديني في الإعلام وآخر لإنشاء "مجموعة تفكير في مجال الشأن الديني في الجزائر".&

لكن رابحي يشدد في المشروع على أن يكون هدف ضبط الخطاب الديني "منع الدخلاء والتلاعب، إما إن كان يعني منع الاختلاف وحرية الحديث فذلك لا يليق إطلاقًا، ولا يعبر إلا عن نظرة قاصرة وأجندات لصالح جهات معينة".

أما الوزير محمد عيسى فيرى أن الملف كبير، ويتطلب التنسيق الجيد بين كل الأطراف، خاصة بين وسائل الإعلام والمساجد لتسويق خطاب ديني متوازن يكون " صمام الأمان لتحصين الجزائر ضد أفكار الإرهاب والتطرف والتشدد".&
&