استعرض عدد من العائدين من مناطق الصراع، ممن استفادوا من خدمات مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، تجاربهم وقصصهم حول الجماعات المتطرفة وشعارات الجهاد التي تنشرها تلك الجماعات لتحقيق أهدافها وأجندتها السياسية.

إيلاف من الرياض: أكد هؤلاء العائدون أن بيئة الجماعات "الجهادية" ليست بيئة مثالية أو "ملائكية"، كما يُروّج لها، بل بيئة مليئة بالإحباط والقتل لأبسط الخلافات الفقهية.

جاءت هذه التجارب، ضمن ملتقى التوعية الفكرية، الذي نظمته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بالتعاون مع مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، الذي يعتبر أول مؤسسة إصلاحية في العالم العربي متخصصة في عمليات المعالجة الفكرية للمتطرفين، من خلال مجموعة من البرامج التي تشرف عليها مجموعة خبراء في تخصصات شرعية واجتماعية ونفسية وعلمية.

5 سنوات في غوانتانامو

استعرض الملتقى أربع تجارب، كانت أولاها للشاب خالد الجهني، الذي كان مدرّبًا للإلكترونيات والتفجير في تنظيم القاعدة، حيث أشار إلى أنه التحق بمناطق الصراع، بسبب "التجييش العاطفي"، الذي كان مورس إبان أحداث البوسنة والهرسك، وبسبب "جهل شرعي وعدم وجود ناصح، اتجه إلى الفيليبين، ومنها إلى أفغانستان، حيث ألقي القبض عليه لاحقًا بعد أحداث سبتمبر أثناء فراره إلى باكستان، وتم تسليمه إلى أميركا، وأدخل إلى معتقل غوانتانامو وبقي فيه مدة خمس سنوات.

 

خالد الجهني

 

يقول خالد إنه عاد إلى السعودية محطمًا نفسيًا، لكن دخوله إلى مركز المناصحة بعث الأمل في حياته، حيث أعيد تأهيله من جديد، وتخرج من المركز، وحصل على وظيفة، وتزوّج، واستقرت حياته. 

يضيف: "كانوا يقولون لنا أخرج لنصرة إخوانك المسلمين، وهذا كان المدخل، ليتم لاحقًا غسل أفكارنا وعقولنا، كي نكون سلاحًا ضد أوطاننا". تابع "أنصح الشباب بألا يضيّعوا أعمارهم في هذه الأوهام، فالأفغان لم يكونوا سعداء بوجودنا، بل كانوا يحتقروننا ومستغربين من تدخلنا في حروبهم".

تجييش المنابر


أما التجربة الثانية فكانت من نصيب الشاب بدر العنزي، الذي أوضح أن حماسته للخروج إلى مناطق الصراع تزايدت عندما سخرت بعض الصحف الغربية بالنبي محمد من خلال رسوم كاريكاتورية، ومنذ ذلك الوقت تم استغلاله من قبل عناصر بعض الجماعات، الذين كانوا يخصصون له حضور محاضرات في مساجد معينة، وكانوا يحرصون على عزله عن المجتمع، حيث كانت فترة العزل الذهني هي التي مهدت لاقتناعه بخروجه نحو مناطق الصراع.

 

بدر العنزي

 

وقال العنزي إنه كان يتعرّض لشحن عاطفي من بعض المنابر والخطب غير المنضبطة، والتي كانت تحاول أن تقنعه بأنه الوحيد الذي يقع على عاتقه إنقاذ الدين، مشيرًا إلى أن "هذه الجماعات كانت تعمل على إسقاط رموزنا وعلمائنا وولاة الأمر الذين كنا نعتبرهم قدوة لنا، ويزرعون لنا رموز لا نعرفهم لنقتدي بهم". 

أضاف "وعندما قررت أخيرًا الخروج، تم القبض عليّ أثناء استخراج جواز السفر"، وتابع "أحمدالله لذلك، حيث إنني حظيت بمعاملة حسنة في مركز المناصحة، وعدت إلى الحياة في مجتمعي". وينصح الشباب قائلًا "هذا الطريق نفق مظلم أتينا منه، فلا تكونوا وقودًا لصراعات تديرها جهات خارجية".

الإحباط مدخلًا

التجربة الثالثة كان صاحبها الشاب يحيى بن حسن، الذي أكد أن الإحباط من المآسي التي تصيب العالم الإسلامي وهو الذي حفزه على الخروج إلى العراق، لكنه وجد أن "ما ذهب إليه حروب سياسية من جماعات تستخدم الشباب الأبرياء لتحقيق غاياتها، وهو مازاده إحباطًا"، مضيفًا "لا بد للشباب أن يضبطوا عواطفهم، وألا يتأثروا بالمشاهد التي يرونها، فغالبيتها ليست سوى مشاهد تمثيلية لترغيب الشباب في الالتحاق بصفوفهم.

 

يحيى بن حسن

 

بدوره وجّه نصيحته للشباب بالقول إن "مجتمع الجماعات الجهادية ليس بيئة مثالية أو ملائكية، كما يروّج لها، بل بيئة مليئة بالإحباط والقتل لأبسط الخلافات الفقهية".

آخر التجارب، ألقاها الشاب هاني الملا، الذي حكى قصته مع أحد عناصر الجماعات، عندما أراد أن يأخذ رأيه للخروج إلى البوسنة والهرسك، حيث قال له هذا الرجل: "هي روح واحدة، فلتكن في سبيل الله"، مشيرًا إلى أن هذا الرجل - وفي المجلس نفسه - رفض أن يذهب ابنه الذي جاء يستأذنه إلى نادي الفروسية، خوفًا عليه من الأذى، وهو ما يشير إلى مدى التناقض لديه. 

 

هاني الملا

 

ونصح هاني الملا الشباب بالاهتمام بقضية الولاء، وأنه "لا بد أن يكون مبينًا على ثقة وعلى إنجازات قدمها هذا الشخص حتى يحظى بولائي، ولا ينبغي أن يقدم الولاء إلى مجهولين"، مؤكدًا أنه "استفاد كثيرًا من مركز المناصحة، الذي كان نقطة تحول عظيم في حياته، وبوابته نحو المعرفة المتنوعة والثقافة، التي تعتبر الحصن الحصين ضد الانقياد إلى الجماعات المتطرفة".

تجنيد عاطفي

إلى ذلك، قال الباحث الاجتماعي عادل الصالح إن التجارب من أعظم العطايا التي يقدمها الشخص إلى المجتمع، وتقديم رحلة طويلة من الأخطاء والسلبيات أمر نادر لا يرتضيه أي شخص، وهذه دلالة على وصول هؤلاء الشباب إلى مرحلة الوعي الكامل. 

 

أشار في حديثه لـ"إيلاف" إلى أنهم رفضوا بأن يكونوا في موقع الضحية، وأصبحوا جزءًا من الحرب على الإرهاب، لافتًا إلى أن أبرز ما كشفته تجاربهم هو أن الجماعات "الإرهابية" كانت توظف عاطفيًا ما يتعرّض له المسلمون من مأس، لتكون محطات للتجنيد، عبر صور أو منابر تحريض كانت تساهم في تغييب الشباب عن الوعي.

وبيّن عادل أن الجماعات كانت تقول لكل من تورّط بالذهاب إلى مناطق الصراعات إنه "لو عاد ووقع في قبضة الحكومة، فإنه سيواجه بالقتل أو التعذيب أو السجن"، في حين أن هذه النماذج تؤكد أن ما واجهه هؤلاء الشباب كان الرحمة والإصلاح واليد الحانية التي أنقذتهم من هذا الضياع". 

وقال إن التجنيد يبدأ غالبًا بعزل الشباب عن مجتمعهم وإسقاط رموزهم، وترميز أناس من المجاهيل، وحينها يتم استعداء الشاب ضد وطنه، وبالتالي لا بد من الشباب الوعي بعدم الانخراط في صراعات تديرها أيد خفية وأجهزة استخباراتية، تريد منهم أن يكونوا وقودًا لها.