«إيلاف» من لندن:&حكايات غريبة وتفاصيل أكثر غرابة تم ترديدها في وسائل الإعلام وداخل جهات تحقيق ومحاكم بشأن ذلك العنوان الذي يشار إليه بـ «&شارع هارلي 29»&في العاصمة البريطانية، لندن، نظراً لارتباطه خلال السنوات الماضية بوقائع نصب واحتيال تقدر قيمتها بملايين الدولارات، راح ضحيتها أناس من داخل أوروبا وخارجها.

أبطال الحكايات شخصيات حقيقية، ووقائع النصب حدثت بالفعل، وكل ذلك باسم «شارع هارلي 29»، ذلك العنوان الذي قرر بعض المحتالين استخدامه في سبيل إيهام ضحاياهم بأنه عنوان المقر الخاص بشركاتهم العملاقة، وإقناعهم بضخامة استثماراتهم وكبر نطاق أعمالهم، لينجحوا بعد ذلك في الوصول للغاية التي يريدونها.

وخصصت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً مطولاً أبرزت فيه تلك التفاصيل الخاصة بذلك العنوان، واستهلت الصحيفة حديثها بلفتها إلى أولى هؤلاء الضحايا، وهم جيري فلورينت ورالف ألبيرسيا ونجله، بعد أن تم إيهامهم من قبل شخص يدعى سير ريتشارد بينسون عام 2003 أنه صاحب شركة مالية عملاقة اسمها «إس آند إن»، وأن بمقدوره تمويل الأول بمبلغ 55 مليون دولار لشراء أرض سيبني عليها فندقاً في فلوريدا، وكذلك تمويل الثاني ونجله بمبلغ قدره 105 ملايين دولار لإقامة "مربى مائي ومجمع ترفيهي" في هيوستن، لكنه اشترط عليهم دفع بعض الرسوم مقدماً على دفعتين ( 412250 دولارا من فلورينت في كل مرة و787500 دولار من ألبيرسيا ونجله في كل مرة ) لكي يظهرا جديتهما تجاه المشاريع، وأقنعهما بأنهما سيتمكنان من استرداد تلك الرسوم إذا قررت شركته عدم اقراضهم.

الضحايا

وبحسن نية، قام فلورينت وألبيرسيا بتحويل الدفعة الأولى من تلك الرسوم، ليكتشفا بعد بعض الوقت أنه لا جديد في عملية تحويل القروض المطلوبة لحساباتهما المصرفية، وهو ما بدأ يثير قلقهما، ليطلبا بعدها من محاميهما عدم إرسال الدفعة الثانية، ثم استعانا بمحقق خاص ليستكشف الأمر، وهنا كانت المفاجأة الصادمة، حيث اكتشف المحقق أن شركة "إس آند إن" المزعومة لا تمتلك أي مليارات، وأن كتيب الأصول الخاص بها قد تم نسخه من شركة HBOS المصرفية مع تغيير الأسماء.

واتضح لاحقاً، بحسب الغارديان، أن واقعة النصب هذه من تدبير شخص محتال يدعى لال بهاتيا، وأن سير ريتشارد بينسون لم يكن إلا مجرد ممثل في تلك التمثيلية.&

ومضت الصحيفة تشير لعملية النصب الأخرى التي قام بها محتال يدعى ماريك ريجنياك، بعد أن قدَّم نفسه لشركة الشحن الهولندية «أولسيز»، على أنه رجل أعمال بمقدوره مضاعفة أي استثمار في غضون 30 يوماً وتوفير 1.2 مليار يورو في غضون 3 أعوام. وفي أعقاب الاجتماع الذي تم بينهما في الـ 16 من أكتوبر عام 2011 في مالطا، على أمل أن تحصل الشركة بموجبه على بعض الأموال لتعزيز أعمالها، زعم ريجنياك أنه على علاقة بالمجلس الاحتياطي الفيدرالي والفاتيكان ومسؤولين في اسبانيا، وهو ما يتيح له الوصول لأشكال مربحة من التداول السري في الأدوات المالية التي تعرف باسم الامتيازات متوسطة المدى.

شركات مزعومة

وبالفعل، قامت الشركة في اليوم التالي بتحويل كل ما كان لديها من سيولة نقدية (100 مليون يورو) لحساب الشركة التي يمتلكها ماريك في مالطا، الذي حولها بدوره لحساب شركة أخرى يمتلكها في لندن اسمها "لارن"، على أن يتولى الصفقة هناك لصالح شركة "أولسيز" شخص يدعى لويس نوبري. وبالفعل، بمجرد أن وصلت الأموال لندن، كان بمقدور نوبري أن يصرفها. لكن السلطات نجحت بعد ذلك في إلقاء القبض على نوبري – برتغالي الجنسية – وحكم عليه في فبراير الماضي بالسجن لمدة 14 عاماً. وتبين وفقاً للتحقيقات التي تمت بشأن تلك الواقعة أن شركة نوبري المزعومة كانت مسجلة مثل «إس آند إن»&في شارع هارلي 29 !

وهنا أوضحت الغارديان أن «شارع هارلي 29» &ليس مقراً لشركة نصب دولية، وإنما هو في واقع الأمر عبارة عن منزل جميل مزين بواجهة من الحجر وله شرفة، ويبعد سيراً على الأقدام مقدار دقيقتين عن المتاجر والسياح في شارع أوكسفورد الشهير.

وهو مكون من 5 طوابق ومزود بنافذة على شكل مشربية في الطابق الأول وشرفة من الصلب المعقد على مستوى الطابق الأول ودرابزين من الحجر أسفل السطح مباشرة كما أن بابه الأمامي مصنوع من الخشب الداكن ومزود بتجهيزات من النحاس.

وأضافت الصحيفة أن ذلك المنزل كان مكان السكن والعمل الخاص ببروفيسور يدعى رونالد رافين، وهو جراح، ناشط في مجال الأعمال الخيرية، جندي، عازف بيانو وخبير في مجال الخزف، إلى أن توفي في العام 1991. وأثناء حياته، كان بداخل ذلك المنزل تشكيلات من اللوحات، قطع الأثاث، ساعات الحائط والحلي الزخرفية التي سبق له أن قام بتجميعها طوال ما يقرب من نصف قرن خلال فترة إقامته هناك.

ولفتت الصحيفة إلى أن المنزل يعتبر الآن مقراً لـ 2159 شركة، يخدمها باعتباره صندوق بريد كبيرا في مكان مميز. ورغم أن ذلك الأمر لا يتعارض مع القانون، إلا أن هناك بعض الأشخاص الذين استغلوا ذلك العنوان في أنشطة النصب والاحتيال المحظورة.