خرج الروس من سوريا كما أتوا، فلا النظام استفاد ميدانيًا، ولا القوى الثورية انكسرت. لكن يبدو أن الحل السياسي يوشك أن يتحقق، منهيًا الحرب والنظام في آن واحد.
&
دمشق: خبر واحد كان كافيًا كي يدخل صراع الشرق الأوسط مرحلة مختلفة عن سابقاتها، تشهد إعادة ترتيب الأوراق وتغييرًا في التحالفات الدولية في سوريا. "روسيا... إلى الوراء درّ". خبر أصاب نظام الأسد، كما كثيرين غيره، بالصدمة.
&
أتوا... خرجوا
في الأيام الماضية، كثرت الأقاويل والتحليلات عن الانسحاب الروسي، وتباينت الآراء حوله. فمنهم من رأى أن الانسحاب خدعة، ولن يتخلى بوتين عن الأسد والقواعد العسكرية في سوريا، ومنهم من رأى أنها بداية لتقسيم سوريا وفق توافق دولي، فيما ذهب آخرون إلى أنها عملية مكاسب اقتصادية انتهت بقبض روسيا ثمن تدخلها... فباعت الأسد.
&
اليوم، وبعد ستة أشهر من التدخل الروسي، برًا وجوًا، خرجت معظم القوات الروسية من سوريا، بعدما أعلنت تحقيق الأهداف التي جاءت لأجلها. في المقابل، لم تصل المعطيات الميدانية على الأرض إلى حل قاطع بعد، حيث ما زالت فصائل المعارضة تسيطر على شمال سوريا، والكثير من المناطق في وسطها وجنوبها.
&
تزامن انسحاب روسيا مع المحاولات - غير الناجحة – أخيرًا للتوصل إلى اتفاق سلام بوساطة دولية في جنيف، بين وفدي المعارضة والنظام، لكنها فشلت بسبب تمسك المعارضة برحيل الأسد شرطًا أساسيًا، وتعنت وفد الأسد رافضًا الاعتراف بوفد المعارضة واعتباره "إرهابيًا"، بحسب تصريحات كبير مفاوضيه بشار الجعفري.
&
توازن قوى
بالنظر إلى ما فعله التدخل الروسي على الأرض قبل انسحابه، نرى أنه ركز على تشتيت قوة جيش الفتح، التي تهدد الساحل السوري، وتفريق قواته بين مدافعة عن ريف حلب الجنوبي، وريف حلب الشمالي، ومدافعة عن الساحل المحرر، بعدما كان جيش الفتح قوة متماسكة تنوي الانقضاض على اللاذقية، كل ذلك هدفه الاستفراد بثوار الساحل، وتأمين هذا الساحل بشكل تام، في ظل ضربات في عمق الشمال السوري لتحقيق الهدف نفسه، أي نوع من إعادة توازن القوى وحفاظ كل طرف على النقاط التي يسيطر عليها.
&
وقال القائد العسكري في تنظيم جبهة النصرة محمد رحمة لـ"إيلاف" إن الانسحاب الروسي يدل على فشل موسكو في التصدي لتقدم "المجاهدين" وفصائل الثوار، وانصياع النظام لإيران، متوعدًا نظام الأسد بتحويل سوريا في الأيام المقبلة إلى "مقبرة لجنوده"، على حد تعبيره.
&
لا يستبعد عبد السلام طيب، القائد الميداني في جيش فتح حلب، أن تطيح موسكو بالأسد وبعض رموز نظامه، طالما أن مصالحها مضمونة، "والقاعدة البحرية والجوية الباقية تدعم أوراق التفاوض لتعزيز تلك المصالح، لكن "تبقى تلك أمنيات لموسكو التي ستخرج من سوريا هي وجميع المحتلين والأيام المقبلة ستشهد أن كلمة الثوار وبنادقهم هي الفصل".
&
صفعة للأسد
وقال القائد الميداني في الجيش الحر عبد الفيصل لـ"إيلاف" إن الانسحاب الروسي صفعة للأسد، "بعدما حققت موسكو زخمًا سياسيًا من خلال امتلاك القرار في سنوات النزاع، إلا أن التوافق العربي - الأميركي على رحيل الأسد جعلهم يعيدون التفكير بمصالحهم قبل سقوطه".
&
ورأى الدكتور يوسف سامي، أستاذ القانون الدولي من مدينة إدلب، أن انسحاب القوات الروسية من سوريا سيمهّد للحل السياسي، ويؤثر إيجابيًا على مسار المفاوضات الجارية بين المعارضة والنظام في جنيف.
&
وقال سامي لـ"إيلاف" إن قرار موسكو جاء في وقت حاسم للغاية، قبل التحركات الدولية للحل السياسي في سوريا، "حيث تدخلت موسكو لحماية مناطق النظام التي كان يسيطر عليها، ووقف تقدم المعارضة باتجاه الساحل السوري معقل الأسد والدولة التي يسعى إليها – أي سوريا المفيدة - إلا أن الأيام المقبلة ستشهد ضغطًا على الأسد للخروج من المشهد السياسي في أسرع وقت ممكن".
&
ويؤكد أحمد قره علي، المتحدث العام باسم حركة أحرار الشام الإسلامية، أن "الانسحاب الروسي جاء في إطار الضغط على نظام الأسد للانخراط الجدي في مفاوضات التسوية السياسية".
&
أضاف قره علي لـ"إيلاف": "في حال جدية الروس في هذا الطرح، ستكون من أهم نتائجه بدء العد العكسي لرحيل الأسد بتسوية سياسية عبر تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، لا حكومة وحدة وطنية كما يريد الأسد".
&
تضليل إعلامي
ومهما كانت أسباب القرار وخلفيّاته، فالأكيد أن الانسحاب وضع الأسد أمام خيار واحد: الحل السياسي وفق خريطة الطريق الروسية الأميركية، التي تعني تقديم تنازلات كبيرة في السلطة، والتشارك مع المعارضة لإدارة الحكم الانتقالي، تمهيدًا لرحيله.
&
لكن القيادي في جيش الفتح مصطفى سليم لا يوافق على هذا الطرح. بل يشير إلى أن "إعلان الانسحاب يأتي في إطار التضليل الإعلامي الروسي لتغطية حجم المشاركة الروسية في جرائم الحرب ضد أبناء الشعب السوري، ولإيهام الرأي العام العالمي بأن روسيا تمارس ضغطًا على الأسد من خلال تبادل الأدوار بينهم".
&
يضيف لـ"إيلاف" أن روسيا "عدو الشعب السوري، ولا يمكن أن تكون جزءًا من الحل، بعدما قتلت وهجّرت مئات الآلاف، ودعمت عصابة الأسد منذ اليوم الأول بالعدة والعتاد، ولا يمكن الوثوق بها".
&
مستقبل واضح
شهدت السنوات الماضية تقاربًا كبيرًا بين السعودية وتركيا بشأن الثورة السورية، خصوصًا في مسألة رحيل الأسد، حيث يؤكد الطرفان، وفي تصريحات مستمرة، أن الأسد لن يكون جزءًا من مستقبل سوريا.
&
ويؤكد مراقبون أن روسيا أدركت أخيرًا أن الجميع مقتنع برحيل الأسد، ولا بديل من ذلك، حتى ولو كلف تدخلًا عسكريًا عربيًا، ما دفع موسكو إلى ترتيب أوراقها من جديد، عبر تقديم تنازلات عديدة، في مقدمها تنحية الأسد مقابل الحفاظ على مصالحها في سوريا مستقبلًا.
&
ويرى الصحافي السوري أيمن محمد أن قرار موسكو سحب قواتها من سوريا قدم جرعة إضافية إلى وفد المعارضة السورية المشارك في مفاوضات جنيف للتثبث برأيها، خصوصًا في مسألة رحيل الأسد، بعد إدراكها مدى تأثير القرار الروسي على مجريات المعارك مع قوات المعارضة.
&
أضاف محمد: "أرادت روسيا توجيه رسالة إلى النظام، مفادها أن الحل في سوريا لن يكون عسكريًا، إنما سياسي، بما يضمن مصالحها وحلفاءها في الكعكة السورية"، مشيرًا إلى أن ما ستتمخض عنه محادثات جنيف هو بمنزلة خريطة طريق يلتزم بها جميع الأطراف بما لا يتعارض مع ما رسمته موسكو وواشنطن للحل في سوريا".
&
مأساة تنتظر الحل
لم تختلف آراء من التقتهم "إيلاف" وتواصلت معهم من نازحين داخل البلاد أو لاجئين بشأن نصر الثورة السورية وعودتهم القريبة، وأجمعوا على أنهم اضطروا إلى الهرب من بلادهم بسبب ما يتعرّضون له من قتل وتدمير لبيوتهم على مدار السنوات الماضية، بداية بقوات بشار الأسد، وليس انتهاء بروسيا.
&
اليوم، ومع انسحاب القوات الروسية، أبدى البعض تفاؤله من قرار موسكو، بالتزامن مع الذكرى الخامسة للثورة السورية، فيما يخشى آخرون أن تكون أخبار الانسحاب إعلامية ومقدمة لمخططات مستقبلية لسوريا، عجز الروس عن تحقيقها بالقوة العسكرية، ويهدفون إلى تمريرها عبر العملية السياسية.
&
في المقابل، هناك من يعتقد أن الأيام المقبلة أصعب، رغم انسحاب روسيا، هذا ما يؤكده مدير الدفاع المدني السوري رائد الصالح. يقول: "نظام الأسد ما زال يملك الكثير من البراميل والطائرات، والأيام المقبلة ستكون دامية في سوريا، كرد فعل انتقامي، ولتغطية الفراغ الذي سببه الانسحاب الروسي، والضحية هم الآمنون في المناطق المحررة". لكن... لن يأتي على السوريين أسوأ مما انقضى، كما يقول كثيرون.
&