يدور جدلٌ عنيف في اسرائيل بشأن الجندي الذي قتل فلسطينيًا في الخليل بعد اصابته من قبل جنود آخرين, فيما تبادل رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتانياهو ووزير التعليم نفتالي بنيت الاتهامات والصراخ حول هذه القضية.

تل ابيب: لا تزال قصة الجندي الاسرائيلي الذي اعدم فلسطينيًا مصابًا، حيث اطلق النار على رأسه من مسافة قريبة، في حين لم يشكل أي خطر على الجنود، تتفاعل وتتطور وتثير نقاشات حادة وكثيرة داخل اسرائيل، فبعد ان انتشر الفيديو في كل العالم، ترى اسرائيل أن عليها تدارك الامر وبسرعة، فالصور التي انتشرت ومقطع الفيديو جعلا المؤسسة العسكرية تقوم على الفور باعتقال الجندي والتحقيق معه ومع جنود وضباط آخرين كانوا في المكان بتهمة عمل غير اخلاقي.

إلى ذلك، ستوجه للجندي الذي اطلق النار تهمة القتل العمد، كما يبدو من المعلومات التي توافرت لـ"إيلاف"، حيث قال مصدر في النيابة العسكرية إن كل المواد والتحقيقات تشير الى أن الجندي قتل الشاب الجريح بدم بارد ومن دون أن يكون شكل أي خطر عليه، مؤكدًا بأن ضابطًا قام بفحص الجريح في حال كان يحمل حزامًا ناسفًا أو قنبلة ولم يجد شيئًا.

اخلاقيات الجيش

إلى ذلك، بدأ الموضوع يثير الشارع الاسرائيلي بشكل كبير، حيث يقوم اليمين الاسرائيلي بمحاولات لاظهار دفاعهم عن هذا الجندي، بينما تبقى غالبية الاطر السياسية تقول إنها تدعم الجيش وقائد الاركان وانهم يثقون بأن الجيش سيقوم بما هو حضاري وانساني، وانه اذا وجد الجيش أن الجندي لم يقم بما تملي عليه الاوامر العسكرية والاخلاقية فإنه سيحاكم على ذلك وسيعاقب بحسب القوانين العسكرية.

من اللافت أن يمين الساحة السياسية من نفتالي بنيت الى افيغدور ليبرمان وغيرهما يحاولون استغلال الامر واللعب على عاطفة الشعب الاسرائيلي الذي يتعاطف عادة مع الجنود الذين يقومون بمهمات صعبة ومحاربة الارهاب، خصوصًا في ظروف استثنائية، يقول البروفيسور اسا كاشير، وهو من كتب التصرفات الاخلاقية للجيش الاسرائيلي، واضاف: "ان كثرة التصريحات السياسية للسياسيين تعيق عمل الجنود بحسب الاوامر وقواعد اطلاق النار، وان النص الاخلاقي للجيش يجب ان يبقى بعيدًا عن التدخلات والتفسيرات السياسية لهذا الجانب أو ذاك".

وقال عمرام متسناع قائد المنطقة الوسطى، ابان الانتفاضة الاولى، إن الجيش يعرف كيف يحاسب المتجاوزين، وان احداثًا كهذه تمت معالجتها في حينه، وان التصريحات السياسية الرنانة والمواقف لن تغير من نتيجة التحقيقات، وفقط يمكنها المس بالجيش وبالجنود.

صراخ واتهامات

في هذه الاجواء، استهل نتانياهو جلسة الحكومة الاسرائيلية بالقول: "إن تفنيد الأخلاق التي ينتهجها جيش الدفاع الإسرائيلي هو أمر مرفوض وشائن. جنود جيش الدفاع يحافظون على قيم أخلاقية عالية وهم يحاربون بشجاعة هؤلاء القتلة المتعطشين للدماء في ظروف عملياتية صعبة"، وأضاف: "إنني متأكد بأن الفحص الذي يتم القيام به حول ملابسات الحادث يأخذ&في الاعتبار كل الظروف ذات الصلة، ويجب علينا جميعًا أن ندعم رئيس هيئة الأركان العامة وجيش الدفاع وجنودنا الذين يحافظون على أمننا".

هذا الأمر دفع وزير التعليم نفتالي بنيت إلى القول: "يجب اعطاء كل الدعم للجنود في الميدان وعدم اتهامهم بجريمة القتل"، عندها صرخ نتانياهو قائلًا: "لا تعظني ولا تعلمني الاخلاقيات، فانا ايضًا كنت قائدًا لجنود واخذتهم الى ساحات القتال"، فردّ بنيت قائلًا: "هناك من لا يدعم الجنود (في اشارة الى وزير الدفاع موشيه يعالون، الذي دعم موقف رئيس الاركان بإقامة لجنة تحقيق للامر واعتقال الجندي الذي اطلق النار)"، عندها تدخل الوزير غلعاد اردان، وهو وزير الشرطة، وقال لبنيت: "انت الوحيد الذي تعمل عكس كل الوزراء، فأي وزير لم يدعم الجيش؟ أعطِني اسمًا؟"، في هذه المرحلة تدخل وزير الداخلية ارييه درعي، وقال لبنيت: "عليك، كما كل الوزراء، ان تدعم الجيش ووزير الدفاع وقائد الاركان لكي تكون هناك شفافة، وان يعمل الجيش بحسب الاوامر والاخلاقيات التي يتمتع بها الجيش الاسرائيلي".

نقاش مستمر

ومما لا شك فيه ان وجود جنود في مواقع احتكاك مع مواطنين يثير الكثير من الجدل في اسرائيل، وان كانت هناك هبّة أو ما يشبه الانتفاضة، الا ان هذا الامر يعود مرات عديدة الى الواجهة، وكانت "إيلاف" قد التقت ضابطًا كبيرًا قال انه سعيد لوجود الكاميرات، وان هذا يجعل أمر الشفافية مهمًا، وان الجيش يعرف كيف يتعامل مع جنوده الذين لا يمتثلون للاوامر، وان مثل هذه الحالات لن تنتهي ما دام الوضع كما هو، كما أن الامر الآن يشغل المجتمع الاسرائيلي بحيث يحاول الاسرائيلي الظهور بأنه مع هؤلاء الذين طعنوا جنديًا، الا ان الاخلاقيات والاوامر تحتم منح الجريح العلاج فورًا من دون التفكير بما فعله أو ما كان ينوي عمله، وفي هذه الحالة الامر لم يحدث، بل تم اعدام الشاب الجريح بطلقة بالرأس، وهذا ما يثير المجتمع في اسرائيل بين الدعم للجنود الذين يتواجدون في مثل هذه الحالات، وبين الدفاع عن الجندي الذي قتل الفلسطيني بدم بارد.&

تصرفات الجنود الاسرائيليين كانت ولا تزال محكًا لاسرائيل وقدرتها على كبح جماح القوة وكيفية استخدام تلك القوة التي تمتلكها اسرائيل، وهل يجوز ان تستخدم القوة ضد جريح لا يملك شيئًا أو ضد مدنيين عزل او ضد فتيات لا يتجاوزن الـ14 عامًا يحملن سكينًا أو مقصًا؟ ... هذه الاسئلة يتخبط فيها الاسرائيليون منذ العام 1967 وحتى يومنا هذا، وسيستمرون بذلك ما دام هناك احتلال، بحسب ما قال البروفيسور اسا كاشير، خلال حديث صحافي.
&