الحرية، الاعتماد على الذات ، تنويع مصادر الدخل، التوفير، الإقرار بحق التعايش، الحوار، كلمات ترددت امام سمعي عشرات المرات منذ دخلت البحرين حتى غادرتها.

جميل ان تتراقص أمامك هذه الكلمات، والأجمل أن تراها موضع تطبيق حقيقي في جزيرة تملك اكبر رأسمال في الخليج، ألا وهو الديناميكية البشرية، الفائض الجيد من عقول تخوض مارثونإرادة البقاء، وتحقيق التواجد المشترك على سطح موقع متشبث بالماء، زاخر بالحياة وبالأيام الداكنة والمشمسة. ليلةٌ ويومٌ واحدٌغير كافيين لملء رئتيك من هذا العالم السريع الحركة كي تتنفس مع معلومات طليقة من شبهات وحدانية الرأي، والاتجاه الأبتر.

الملك حمد مستقبلا عثمان العمير في البحرين مطلع الشهر الجاري



كل ما يمكن قوله هو إن البحرين تنمو بشكل مريح. لوحة فنان أمضى وقتاً كافياً لتجميع ألوانها بتناسق على درجة غير صادمة، بل بتؤدة ظاهرة.

 

إقرأ أيضًا
عثمان العمير في ضيافة الملك حمد بن عيسى

 

ظلت روح الوزير القدير يوسف الشيراوي ترفرف على أجواء المنامة كلما لممت بها. فوق الجسر، في المطار، في آفاق التنمية المولودة، أو التي لم تلد ولم تولد. تحدث نبيل الحمر عن علاقة الشيراوي مع يوسف لليال، وكيف اختلفا، ثم تصافيا.

في مجلس رئيس الحكومة، الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، أعتق مسؤولين خليجيين فاعلين: الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الملك سلمان بن عبد العزيز، والسلطان قابوس. يقول الشيخ خليفة: "كان الاستاذ يوسف الشيراوي يكتب لي الرسالة تلو الرسالة، ناصحاً، مقترحاً، ومناقشاً، حتى امتلكتصندوقين من رسائله ما زلت احتفظ بهما، وقد دونت بعض الملاحظات". بادرت مستفسراً السياسي الخليجي المحترف: وهل يأذن سموكم لي، كصديق ليوسف الشيراوي ومحبٍ له، الاطلاع على هذين الصندوقين؟ ابتسم وقال مازحاً ومتخلصاً: "وأنت لديك أوراق كثيرة". أعجبني تخلص الرئيس وإنْ بقي لي أمل في ظهور هذه الأوراق.

رئيس الوزراء البحريني الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة مستقبلا ناشر "إيلاف" في الأول من شباط (فبراير) 2016



استقبلني الشيخ خليفة، المختلف الذي يملك رصيداً ضخماً من المؤيدين وخلافهم، في قصر العضيبية إذ يستعد لترؤس جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية، وكان بجانبه السياسي القدير محمد بن مبارك، نائب رئيس الوزراء وأول وزير خارجية بحريني إبان إشعاع الاستقلال، وجمع من الوزراء، وعدد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ. غنياً كان المجلس، مليئاً بالحوارات وتبادل الآراء بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

الشيخ الحاسم، كما يسميه أهل البحرين، متوقد الذهن، يأخذ الحاضرين إلى مواضيع عدة، من البحرين حيث يتواصل حديث رفع دعم السلع،وغيره من أحاديث أمور معيشية تهم المواطن البحريني. ويبدو واضحاً أن أعضاء المجلسين على غير اتفاق تام. يوضح الشيخ الحاضر الذهن والبديهة: "هذه صفة بحرينية لدي الجميع"، وينطلق متحدثاً ومعلقاً على أحداث الصباح وما طلعت به الصحف، مطالباً الإعلام بالتوسع في الرأي والوصول الى الأعماق، ومنادياً بالحوار المستمر بين الاطياف كافةً. استوقفتني كلمة الحوار وكأنها تقال لأول مرة. نعم، بالحوار تستطيعالبحرين أن تكون لوكسمبورغ المنطقة. بالحوار ستغدو البحرينأعلى وأكمل وأغلى. وفي هذا السياق يمكن قول الكثير من الكلام.

 

الملك حمد مستقبلا العمير في قصر الصافرية 2013



على طول تجوالي منذ مطلع العام، وإنفاقي تليد الوقت، وصبوتي الى السفر، ولقاءاتي المتعددة، لم أجد متفائلا، مشبعاًبالأمل، فرحاً بالأوضاع، كما هو ولي عهد البحرين الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، الذي يشغل مناصب عدة في مقدمها أنه النائب الأول لعمه الشيخ خليفة في رئاسة مجلس الوزراء.أسأل: وما التفاؤل، سمو ولي العهد، أعلى هذه الأوضاع السيئة، اقتصاداً، حرباً، سياسةً، تناثراً؟

يجيب ولي العهد، المثقف، المتعلم، وقد أجلسني إلى يمينه: الأوضاع التي مرت بِنَا غير طبيعية، لقد حذّرتُ قبل خمس سنوات، وكان مشروعي قائماً، ومازال، على حرية السوق، والانفتاح، وتطبيق قيم العمل. أشعر الآن اننا نعيش حركة تصحيحية اقتصادية واجتماعية نحتاج لها بعد فترة طويلة من الاسترخاء.

 

في إيلاف أيضًا:
الملك حمد لـ إيلاف: رغم كل شيء البحرين ذاهبة للخير دائماً

 

ولي العهد البحريني له رؤية خاصة فيما يجري من عواصف. لم نتطرق في حديثنا الى تلك الدعوة للحوار الوطني، التي أطلقها الشيخ سلمان منذ سنوات، كأنها خفتت او تم تجاوزها. كان ولي العهد (وُلِد عام 1969) منصرفا في حديثه إلى التنمية، إلى التطلع نحو آفاق جديدة للاستثمار وتحويل البحرين الى قاعدة سياحية واقتصادية، كان يتحدث بحماسة وثقة، خصوصاً أن مهامه تشمل رئاسة القوات المسلحة، وعضوية مجلس الوزراء كنائب اول لرئيس الحكومة، بالإضافة لرئاسة لجان للتنمية والإنعاش. مناصب عدة لولي عهد مثقف، تستطيع التوسع بالحوار معه حول الموسيقى الكلاسيكية، يتحدث بثقة عن البحرين التي يراها شعباً واحداً تجمعه تعددية الالتقاء، يقول: "لم ننجز الكثير، لكِنّا في الطريق إلى الإنجاز، بعض الثمار بدأت تظهر، نحتاج نظرة متكاملة حين نتحدث عن مشروع ما،السياحة- مثلا- تحتاج الى قوائم متعددة ترتكز عليها لكي يكون هناك جذب سياحي".

مع نائب رئيس مجلس الوزراء محمد بن مبارك بن حمد آل خليفة عام 2008



وأُلخص هنا بعض أفكار ولي العهد البحريني التي قالها:

* التحديات الماثلة جراء انخفاض أسعار النفط تمثل فرصة حقيقية لنا لإصلاح هيكلة الصرف والميزانيات في المنطقة.
*مبادئ ثابتة نعمل عليها وهي الاستدامة والتنافسية والعدالة.
* إعادة الهيكلة تتطلب مبدأ أساسياً: لا خدمة بلا رسم، ولا رسم بلا خدمة، مع الاستمرار بتحسين وتطوير الخدمات الحكومية.

 

الملك حمد مستقبلا ناشر إيلاف عام 2006

* الأدوات الاساسية التي نستند إليها هي:
- حكم القانون
- الرأسمالية
- الشورى

* متفائل جداً، وأساس التفاؤل أننا توقعنا هذه التحديات،وعملنا منذ سنوات ليكون اقتصادنا قادراً على التعامل مع الوضع من خلال التنوع والقدرة على النمو.
* هناك مشاريع استراتيجية قائمة وقادمة من خلال برنامج التنمية الخليجي، والمشاريع الحكومية المستمرة، والقطاع الخاص خلال فترة إعادة الهيكلة، وهي ما ستجعلنا نحافظ على وتيرة النمو والاستقرار.

 

 

رئيس الوزراء البحريني يستقبل ناشر "إيلاف"

 

قلت للملك حمد: صاحب الجلالة، كنت مع ولي العهد وكان متفائلاً هل توافقه مولاي؟
قال جلالته: إنه شيء يسر الخاطر هذا الشعور، إنني اثق في نظرة سلمان.

وكنتُ انطلقت لزيارة جلالة الملك مصحوبًا- كما دائماً- بالمستشار الاعلامي العريق نبيل الحمر. وكعادته، استقبلني جلالته بكامل الاناقة ودقة الوقت، وكان مملوءاً بالحيوية والثقة بمستقبل للبحرين، يستند الى المدرسة الاقتصادية، والحريّة. قال جلالته كلامًا طمأنني، فيه نبرة الرغبة في الإسراع بعجلة التطوير والتغيير.

وختام القول إن كلام الملوك تختزنه الصدور، حتى يعلنوه هم!