نقلت وسائل الاعلام الرسمية المعلومات التي نشرت عن قادة مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في إطار "أوراق بنما"، لكنها امتنعت عن الاشارة الى المسؤولين الصينيين، فيما تلقى الصحافيون أوامر بشطب "كل مضمون متعلق بقضية التسريبات.

بكين: يملك مكتب المحاماة البنمي "موساك فونسيكا" مكاتب في الصين أكثر منها في أي بلد آخر، بينما يقوم النظام الشيوعي بحملة واسعة لمكافحة الفساد ويؤكد انه يحد بصرامة من خروج أموال الافراد من البلاد.

والتزمت السلطات الصمت بينما رأت صحيفة رسمية أن القوى الغربية المعادية للصين تقف وراء هذه التسريبات. لكنها تجنبت الحديث عن تورط مقربين من القادة الصينيين في تهريب اموال الى الخارج.&

وادى كشف حوالى مئة من وسائل الاعلام عن ممارسات التهرب الضريبي لعدد من القادة السياسيين في العالم الى انعكاسات كبيرة من زلازل سياسية وفتح تحقيقات ونفي واستياء.. لكن ليس في الصين.

وبتحليل ملايين الوثائق التي جاءت من مكتب المحاماة "موساك فونسيكا"، كشف التحقيق الذي اجراه اتحاد الصحافيين الاستقصائيين تورط قادة صينيين كبار.

وقال التحقيق إن "مقربين من ثمانية على الاقل من الاعضاء السابقين والحاليين" للجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، الهيئة القيادية لثاني اقتصاد في العالم، فتحوا شركات وهمية في جنات ضريبية.

وحتى الآن تلتزم الصين الصمت. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية هونغ لي الثلاثاء بحدة "حول مثل هذه الاتهامات التي لا&اساس لها، ليس لدي أي تعليق".

ويطال التحقيق خصوصًا صهر الرئيس الحالي شي جينبينغ وابنة رئيس الوزراء السابق لي بينغ. وتحدثت هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" من جهتها عن مقربين من عضوين حاليين في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي جانع غاولي وليو يونشان.

وهذه المعلومات مربكة بينما يشدد شي جينبينغ بفخر باستمرار على حملته الواسعة لمكافحة الفساد التي تهدف الى تطهير صفوف الحزب عبر توقيف عدد من كوادره. لكن هذا يتم من دون اصلاحات في النظام. فالمسؤولون الذين يفترض ان "يخدموا الشعب" ليسوا ملزمين، بأي شكل، الاعلان عن ممتلكاتهم.

وسائل الاعلام مدعوة لالتزام الصمت

وأكدت صحيفة "غلوبال تايمز" الرسمية في افتتاحية أن الفضيحة جزء من "تضليل" تقوم به "قوى كبرى" غربية. واضافت أن "هذه الوثائق لها اهداف سياسية بشكل رئيسي"، معتبرة انها "استراتيجية جديدة (...) لمهاجمة النخب السياسية غير الغربية". ودانت "تأثير واشنطن خصوصًا".

ونقلت وسائل الاعلام الرسمية، بما فيها غلوبال تايمز، المعلومات التي نشرت عن قادة آخرين مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكنها امتنعت عن الاشارة الى المسؤولين الصينيين.

وتفرض رقابة مشددة على هذه القضية في الصحف وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، على الرغم من جهود بعض مستخدمي الانترنت للالتفاف على اجراءات الرقابة. وتلقى الصحافيون اوامر بشطب "كل مضمون متعلق بقضية تسريبات أوراق بنما"، حسب توجيهات ارسلت الى هيئات التحرير.

زبائن صينيون أثرياء

بمعزل عن النخب السياسية، تشكل الصين لمكتب المحاماة خزانًا كبيراً من الاثرياء. ويملك "موساك فونسيكا"، المتخصص في انشاء شركات اوفشور واعداد الوثائق القانونية المعقدة التي تجعل مصادر الاموال المودعة غامضة، مكاتب في ثماني مدن صينية، حسب موقعه الالكتروني.

فهو موجود في المركزين الماليين شنغهاي وشينزين، والمدن الساحلية الكبرى داليان وتشينغداو ونينغبو، والمدينة الصناعية الكبرى هانغجو وكذلك جينان كبرى مدن اقليم شاندونغ ومركز صناعة الفحم، وهو امر يثير الاستغراب.

وكشفت معطيات منظمة "ايجا سوسايتي" غير الحكومية أن حوالى خمسين من شخصيات الحزب سقطوا بسبب الفساد في شاندونغ وحدها. وتأتي لتكمل اللائحة، هونغ كونغ المرتبطة بشكل وثيق بالاسواق الدولية والطريق المفضل لبكين للوصول الى هذه الاسواق.

وقال "اتحاد الصحافيين الاستقصائيين" إن المكتب البنمي يملك في هونغ كونغ العدد الاكبر من "الوسطاء" (محامون ومصارف....) الذين يرسلون له زبائن، بأعداد اكبر بكثير من تلك التي تسجل في بريطانيا أو سويسرا.

وكان احصاء أجراه مكتب المحاماة خلص الى ان الجزء الاكبر من زبائنه اصحاب شركات الاوفشور يأتي من الصين القارية، يليهم القادمون من هونغ كونغ، كما ذكرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية.&وهذا ما يثير تساؤلات عن فاعلية جهود بكين في مكافحة الفساد.

وكان البنك المركزي الصيني قال في تقرير في 2011 إن شخصيات رسمية فاسدة وظّفت في الخارج اكثر من 120 مليار دولار. وشنّت السلطات منذ ذلك الحين عملية واسعة اطلق عليها اسم "صيد الثعالب" للعثور على الكوادر التي اختلست اموالاً وفرت الى الخارج.

وفرضت بكين بصرامة سقفًا على الاموال التي يمكن للافراد رسميًا اخراجها من البلاد، لكن من دون أن تنجح في ذلك، كما يؤكد نزيف رؤوس الاموال الى خارج الصين حتى الآن.
&