تنشر إيلاف سلسلة أوراق تتناول التحدّيات والتناقضات والمآزق والنجاحات التي تصادفها الأمم المتحدة منذ تأسيسها في العام 1945. ويعالج الدكتور دايفيد فرنانديز بويانا في الورقة التالية، مفهوم السلام الذي صاغته الأمم المتحدة منذ ولادتها، متخطّيًا عدم استخدام العنف أو القوة.

خاص بإيلاف من نيويورك: إنّ السلام الذي تطلبه الأمم المتحدة قائم على تقديم خير الأفراد والمجتمعات على كلّ ما عداه، فتعمل على تأمين الرفاه الاقتصادي والأمن الاجتماعي والحفاظ على حقوق الانسان، في عالم لا يعرف منطقًا سوى منطق القوة.

هذه الورقة هي الأولى في سلسلة أوراق تنشرها "إيلاف" تباعًا، تتناول التحديات والتناقضات والمآزق والاخفاقات، حتى النجاحات، الّتي تصادفها الأمم المتحدة منذ تأسيسها في العام 1945.&

&

الأمم المتحدة تأسست في العام 1945

&

وستبين الأوراق التالية أنّ السعي إلى عقد اتفاقات تقوم على الحوار والتعاون بين المجموعات الاقليمية والدول على اختلافها كان هو الاتجاه العام، لا في العلاقات الدولية فحسب بل في الأمم المتحدة أيضًا. وفي هذا الاطار، تعالج هذه الورقة الأولى مفهوم السلام الذي صاغته الأمم المتحدة منذ ولادتها، متخطّيًا عدم استخدام العنف أو القوة.

العالم ليس منقسمًا

بسبب المصاعب التي تواجهها الأمم المتحدة في إيجاد حل لبعض النزاعات والمشكلات، شاع تصوّر قوامه أنّ دول العالم منقسمة، وأنّ الأمم المتحدة لم تعد تخدم المصالح العالمية للبشرية جمعاء. لكن حين النظر إلى القرارات والمواثيق الدولية المعتمدة في السنوات السبعين الماضية، يمكن أن نؤكد أن الأمم المتحدة منقسمة في الحقيقة حول عدد محدود من القضايا، وما عدا ذلك تعمل بمقتضى اتفاقيات كبرى.

في القضايا المهمة التي تمسّ حياة الملايين، تُبيّن الوقائع التاريخية أنّ الأمم المتحدة - بوكالاتها وهيئاتها المتعددة - تعمل على أساس التعددية للتوصل إلى قرارات توافقية كبرى. ففي العام 1944، صاغ زعماء العالم البناء المستقبلي للأمم المتحدة وتفاوضوا في شأنه في إطار ما يُعرف باسم اتفاقات دمبارتون أوكس التي اعترفت بضرورة ضمان الانتقال السريع والمنتظم من الحرب إلى السلام.&

خير الأمم

بعد أشهر على ذلك، في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الأمم المتحدة حول النظام العالمي التي عُقدت في 25 نيسان (أبريل) 1945، أعلن عدد من القادة "أنّنا إذا كنّا لا نريد الموت معًا في الحرب، فعلينا أن نتعلم التعايش معًا بسلام".&

وفي 26 نيسان (أبريل) 1945، وُقع ميثاق الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو بهدف إنقاذ الأجيال القادمة من آفة الحرب. لذا أُنشئت الأمم المتحدة لتكون ردًا على حربين عالميتين، وبناءً على ذلك أُقر الميثاق في ذلك الوقت بوصفه أهم معاهدة سلام في التاريخ الحديث.&

منذ ذلك الحين، استرشدت الأمم المتحدة دائمًا بتصور للسلام يُفهم منه بطريقة إيجابية أن خير الأفراد والمجتمعات، بما في ذلك الرفاه الاقتصادي والأمن الاجتماعي وحقوق الانسان، هو الذي يسود أي تصور للسلام، يرتبط حصرًا بعدم استخدام العنف أو القوة.&

يعترف ميثاق الأمم المتحدة بأن السلام أكثر من غياب الحرب، وبالتالي يضم بنودًا قانونية بارزة لحقوق الانسان العالمية والقانون الانساني، يطبقها المجتمع الدولي بصفة عامة للتخلص شيئًا فشيئًا من أسباب الحرب. &

&

لقراءة نص الورقة الاولى باللغة الأنكليزية
“Moving towards a sustainable peace: a reflection on the United Nations’ work”

&

أسس السلام

هناك عناصر أساسية تشجع على إقامة سلام دائم في العالم، كدور التعليم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، واحترام حقوق الانسان، وحماية الأقليات، والمساواة بين الرجل والمرأة، والمشاركة الديمقراطية، وفكرة التسامح والمصالحة، ومنع النزاعات المسلحة، والقضاء على كل أشكال اللاتسامح والتمييز على أساس الدين أو المعتقد، والحوار بين الأديان، والتنوع الثقافي، والنضال ضد العنف والتطرف. يؤكد تحليل هذه العناصر أن احترام الحوار والتسامح والتعاون والتفاهم المتبادل هي أسس السلام.&

في النقاشات الحيوية التي جرت خلال عملية التفاوض حول الميثاق، تم التوصل إلى توافق بين سائر الدول يشدد على أن الجهود يجب ألا تقتصر بعد الآن على وقف مخاطر الحرب المباشرة، بل يجب أن تشمل النضال ضد اسبابها الأساسية ايضًا: الفقر والمرض والجهل وانعدام الأمن والبطالة واللامساواة والاستبداد الخارج عن القانون وانعدام الكرامة الانسانية.

رفعت الدول المؤسسة للأمم المتحدة اصواتها قبل 70 عامًا ضد الهمجية والمعاناة والبؤس. منذ ذلك الحين، نشأ هيكل أممي مركَّب وأتى تطوره نتيجة مباشرة لهذا الموقف وهذه الفلسفة. وبحسب بعض الزعماء السياسيين والمثقفين الكبار، فإن هذه المنظمة هي من المعجزات الكبيرة في التاريخ البشري.&

أركان المنظومة

في عام 2005، اعترفت الدول في وثيقة نتائج القمة العالمية بأن السلام والأمن والتنمية وحقوق الانسان أركان منظومة الأمم المتحدة وأسس الأمن الجماعي والرفاهية، واعترفت أيضًا بأن التنمية والسلام والأمن وحقوق الانسان مترابطة في ما بينها، ويعزز بعضها بعضًا.&

كما أقرت وثيقة نتائج القمة العالمية بأن تحقيق السلام والأمن يستدعي أن تلتزم الدول العمل من أجل خير البشر والحرية والتقدم في كل مكان، وتشجيع التسامح والاحترام والحوار والتعاون بين الثقافات والحضارات والشعوب المختلفة.&

وعلى الرغم من المصاعب والمآزق والإخفاقات المأسويّة، فإنّ الرسالة التي تنبعث من ميثاق الأمم المتحدة يجب أن تبقى مشرقة في العالم كما كانت في السابق. فإن الرؤية الأصلية التي نص عليها الميثاق هي مصدر إلهام لنوازع السلام التي ما زالت تظهر في العالم.&

سيكون للأمم المتحدة امتياز مهم: تبوّؤ&مكان جدير بها في التاريخ بعد أن صارت هذه المؤسسة منبرًا بالغ الأهمية للحكومات، هدفه تشجيع السلام والحوار في العالم. في السنوات السبعين الماضية، أعلنت مؤتمرات وقرارات دولية عدة باستمرار أن السلام هو الهدف النهائي الذي يجب أن يحققه الجميع.

رؤية سلمية نبيلة

بوحي من مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأهدافها، يجب أن تتوثق الأجيال الحالية من أنّها والأجيال المقبلة ستتعلم التعايش بسلام والتطلع إلى حماية الأجيال القادمة من آفة الحرب.&

لتحقيق هذه الرؤية السلمية النبيلة، تقدّم الأمم المتحدة بصناديقها وبرامجها ووكالاتها المتخصصة إلى العالم هيكلًا بشريًا هائلًا، يضم مئات آلاف الموظفين المدنيين الذين هدفهم تجسيد مبادئ وقيم الانسانية والسلام العالمي. فالأمم المتحدة هي البيت المشترك الذي لا غنى عنه للبشرية جمعاء.&

لكن الدور الذي تؤديه الدول بالغ الأهمية لبناء عالم أكثر سلامًا، كما أشارت وثيقة نتائج القمة العالمية، بإدراك أن التهديدات المتعددة مترابطة، وأن التنمية والسلام والأمن وحقوق الانسان تعزز بعضها بعضًا وما من دولة تستطيع أن تحمي نفسها بالعمل منفردة، فالدول كافة تحتاج إلى نظام أمني جماعي فاعل طبقًا لأهداف الميثاق ومبادئه.&

*ترجمة: عبد الاله مجيد