سيرة حياته العامرة بالانجازات

ولد في العام 1942 من عائلة موظف في الضرائب، وأصبح عضوًا في برلمان ولاية بادن فورتمبيرغ بين العامين 1947 و1952.
انهى الاعدادية في العام 1961، ثم درس الاقتصاد والحقوق في فرايبورغ وهامبورغ ونال شهادة المحاماة عام 1970.
انضم إلى الشبيبة الديمقراطية المسيحية، التابعة لتنظيم الحزب الديمقراطي المسيحي، في العام 1961 وأصبح من كوادرها.
انضم إلى الحزب الديمقراطي المسيحي في العام 1965 وتدرج فيه إلى أن أصبح في العام 1998 رئيسًا للحزب خلفًا لهيلموت كول.
عضو في البرلمان الألماني منذ 40 سنة، وهو من أقدم النواب الألمان الذين عاصروا 10 حكومات ألمانية متتالية.
أصبح رئيسًا لكتلة المعارضة البرلمانية بعد أن خسر الحزب انتخابات العام 1998.
من المناصب التي تقلدها: رئيس البرلمان، وزير فوق العادة في دائرة المستشار كول، وزير الداخلية، وزير المالية.

نجا فولفغانغ شويبله سنة 1990 بأعجوبة من محاولة اغتيال ارتكبها مجنون لا دوافع سياسية واضحة له، لكن الرصاصة التي اخترقت عموده الفقري تركته على كرسي المقعدين منذ ذلك الحين.

 
ماجد الخطيب من كولون: كان فولفغانغ شويبله الرجل الثاني بعد هيلموت كول في الحزب الديمقراطي المسيحي، والمرشح الرئيسي للانتقال من كرسي المقعدين إلى كرسي المستشارية خلفًا للعجوز كول. وحينما سئل كول في مقابلة تلفزيونية عن رأيه في ذلك قال: "لِم لا، كان الرئيس الاميركي روزفلت يتحرك على كرسي المقعدين أيضًا".
 
لسوء حظ شويبله أنه استحق غضب كول لاحقًا بسبب اعترافات شويبله العلنية عن تورط الحزب في أزمة التبرعات السرية التي عصفت بالمحافظين سنة 1999، وهو الأمر الذي أدار دفة اهتمام المستشار العجوز نحو انجيلا ميركل، أو الفتاة الشرقية كما كان يسميها.
 
تقلد شويبله مناصب حكومية وحزبية عدة في حياته السياسية، منها رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي، ورئيس كتلة المحافظين، ووزير الداخلية ووزير المالية. ويلخص هيربرت براتيل، الصحافي في جريدة زود دويتشه تسايتونغ المعروفة، دور شويبله في السياسة الألمانية بالآتي: "لولاه لما تحققت الوحدة الألمانية بهذا الهدوء، ولكان مقر الحكومة بقي في بون ولم ينتقل إلى برلين، ولما أصبحت ميركل مستشارة من دون دعمه، ولكانت سياسة ألمانيا الأوروبية أقل أوروبية، ولكان تجاوز أزمة اليورو الأوروبية أصعب".
 
فمن هو هذا السياسي الذي أدار أزمة اليورو من كرسي المقعدين، وأوقف انهيار اليونان، واستحق عن حق لقب مستشار أوروبا المالي؟
 
نال احترام خصومه
 
عندما بلغ فولفغانغ شويبلة السبعين، وكان ذلك في أيلول (سبتمبر) 2012، كان غريمه الاشتراكي- اليساري اوسكار لافونتين إلى جانبه في الاحتفال. وتولى لافونتين، لدهشة الجميع، تقديم كتاب"حياتان" الذي ألفه محرر مجلة شتيرن السابق هانز بيتر شوتز، وأرّخ فيه سيرة حياة شويبله، السياسي "المقعد". ووضعنا كلمة "المقعد" بين قويسات لأن الشلل النصفي الذي أصاب شويبله، بعد محاولة اغتيال تعرض لها في العام 1990، لم تقعده أبدًا في المجال السياسي، بل أصبح في العقدين الأخيرين من أشهر السياسيين الألمان، بعد هيلموت كول، الذين أثروا في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية.
 
وربما أن احترام الخصوم الذي كسبه شويبله خلال حياته السياسية، هو من أكثر الصفات التي أهلته إلى لعب هذا الدور الكبير في الدولة الألمانية وفي الحزب الديمقراطي المسيحي. وكان تقديم الكتاب من قبل اوسكار لافونتين، الخصم اليساري المخضرم، أكبر تعبير عن الاحترام الذي يكنه الخصوم لهذا السياسي المحترف. 
 
وحدتهما التجربة
 
هناك الكثير مما يجمع خصومة لافونتين وشويبله، وبينها بالطبع وقوف لافونتين في أقصى يسار الحزب الديمقراطي الاشتراكي، قبل تحوله إلى حزب اليسار، ووقوف شويبله في أقصى يمين الحزب الديمقراطي المسيحي، لكن الاحترام المتبادل كان أقوى. وإذا كان لافونتين أيضًا وزيرًا للمالية في فترة حكم المستشار جيرهارد شرودر (1998-2005)، فإن شويبله ينهض بمهام هذه الوزارة حاليًا، أي في أحلك أيامها أبان أزمة اليورو.
 
رؤية الموت عن قرب جمعت الاثنين أيضًا في عام الوحدة الألمانية 1990. ففي حين طعنت مجنونة لافونتين في أحد اللقاءات في عنقه بسكين طويلة، في 25 نيسان (ابريل)، وكادت تودي بحياته، أطلق مجنون النار على شويبله في 12 تشرين الأول (أكتوبر)، فأصابت إحدى الرصاصات نخاعه الشوكي. وكانت النتائج صفة أخرى جمعت الاثنين، لأن كليهما نجا من الموت بمعجزة، وواصلا حياتهما السياسية دون إعاقة.
 
المسؤول البارع
 
عرف عن الدكتور فولفغانغ شويبله، المحامي والاقتصادي، أنه برع في تنفيذ مهماته دائمًا، ورغم اختلاف وتنوع المناصب التي احتلها، سواء كعضو قيادي في الحزب الديمقراطي المسيحي، أو كرئيس لكتلة الحزب في البرلمان، أو كوزير في دائرة المستشار هيلموت كول، أو كوزير للداخلية، أو كوزير للمالية. بل إن ادارته لأزمة اليورو، وخصوصًا مقابل البلدان المفلسة مثل اليونان وقبرص، اكسبته احترامًا وتقديرًا على مستوى الاتحاد الأوروبي.
 
وشارك شويبله في مفاوضات الوحدة الألمانية، وفي مفاوضات توحيد عملية اليورو، ولعب دورًا مهمًا في تنظيم واستمرار مفاوضات الاندماج مع الجالية المسلمة في ألمانيا.
 
ورغم إنه يصنف موقفه السياسي في وسط المحافظين إلا أن مواقفه تجاه قضية الاجهاض، وفي الموقف من المثليين، وتشدده في تسهيل تجنيس الأجانب، ومن ثم دوره كوزير داخلية في فرض امتحانات الاندماج والتجنيس على الراغبين بالجنسية الألمانية، تشي بموقف محافظ متشدد. ولا ننسى هنا مواقفه الداعية لتأجيل التحول إلى الطاقة البديلة في ألمانيا، وموقفه المتشدد من المتظاهرين ضد مقابر النفايات النووية، وهما موقفان يقف فيهما تمامًا ضد مناهضي المفاعلات النووية.
 
لماذا خسر؟
البروفيسور غيرد لانغوت، العضو البارز السابق في الحزب الديمقراطي المسيحي، ومؤلف الكتاب عن سيرة انجيلا ميركل، وأحد دارسي حياة السياسي فولفغانغ شويبله، أجاب تحريريًا على سؤالين يتعلقان بأسباب خسارة شويبله موقع مرشح المستشار لصالح انجيلا ميركل، بعد خسارة المستشار الأسبق هيلموت كول الانتخابات ضد غريمه الاشتراكي، والمستشار السابق جيرهارد شرودر.
 
قال لانغوت: "إن فضيحة التبرعات السرية للحزب الديمقراطي المسيحي في العام 1999 كانت أساس الخلاف الذي غير رأي كول بنائبه شويبله، ومعروف أن كول خرج سالمًا من هذه الفضيحة في حين خرج شويبله مصابًا، واعترف كول بتلقي حزبه التبرعات السرية التي لم تخضع للضرائب، واستقال بعدها من رئاسة الحزب الديمقراطي المسيحي، في حين أقر شويبله متأخرًا بتلقي 100 ألف مارك من تاجر السلاح المعروف كارل هاينز شرايبر، وذلك بعد أن كان قد نفى الأمر قبل أسابيع.
 
وأضعف هذا الاعتراف موقف شويبله أمام كول الذي امتنع بشدة عن ذكر أسماء المتبرعين، واضعف حججه أمام المواطنين الألمان كذلك، رغم انه اعترف بانه لم يستفد شخصيًا من هذه التبرعات، وإنما حولها إلى حساب الحزب".
 
ويضيف لانغوت: "كظم كول غيظه منه وصار يتجنبه، وصار واضحًا للجميع أن كول سيسحب ترشيح شويبله لمنصب رئيس الحزب ومنصب المستشار، بعد أن تجنب كول حضور حفلة عيد ميلاد شويبله، في ذلك العام، ودون تقديم أية مبررات".
 
ويعتقد لانغوت أن شويبله بقي متمسكًا بالوزارة وبموقعه الحزبي بعد كل هذه الاحباطات بسبب التزام الحزب واخلاصه الشديدين اللذين ميزاه، وهما من أهم صفاته السياسية.
 
فوضى السوق كضرورة
 
التصدي الناجح لأزمة اليورو وأزمات بلدان جنوب أوروبا الغارقة في الديون السيادية، أدارت رؤوس الصحافة الأوروبية والأميركية تجاه هذا السياسي الغامض، المتحرك على كرسي المقعدين. وهكذا فسرت نيويورك تايمز نجاح شويبله على أساس رؤيته الشخصية إلى فوضى السوق على أنها ليست معرقلًا للاقتصاد الأوروبي، وإنما ضرورة. واستشهدت بمقولة له جاء فيها: "لا نستطيع الوصول إلى وحدة سياسية ما لم نمر بأزمة". فأزمة اليورو كانت بالنسبة له ضرورة لتعزيز الوحدة الأوروبية، وليست سببًا للخشية عليها.
 
صارت الصحافة الأوروبية تتعامل مع شويبله كثاني أقوى رجل مال بعد ماريو دراغي، ولم يكن ذلك لأنه يمسك بصنبور المليارات الألمانية، وإنما لأنه تعامل أيضًا بذكاء مع الأزمة تحت شعار "إذا توفرت الإرادة حضر المال".
يتعامل شويبله مع الأزمات بالطريقة الألمانية المعروفة: أنظمة وضوابط وعقوبات. ولهذا ربط المساعدات لليونان وقبرص بشروط، لأنه يعرف بأنهم انحدروا إلى الهاوية لأنهم أخلّوا بالقوانين والشروط. وكان يقول دائمًا: "أريد أن أرى خطوات، أريد أن أرى ما يعزز الثقة بعملي".
 
وكتبت صحيفة زود دويتشة زايتونغ تقول إن شويبله مثل الجراح المحترف، لا يسأل عن حجم الورم وإنما يطلب أن يناولوه المقص، لأن هدفه انقاذ المريض. ومقولات شويبله، التي سجلتها الصحافة الألمانية بهيئة مقابلات وتصريحات، تقول:" نحن بحاجة إلى وحدة سياسية أولًا كي نحافظ على وحدة العملة". وهو تعامل مع أزمة اليورو على أنها مرحلة قصيرة عابرة، "علينا خلالها أن ندير الأزمة والأعصاب أيضًا".
 
خدم الدولة
 
يقول براتيل من زود دويتشه تسايتونغ: "خدم شويبله حكومة كول كثيرًا، ثم خدم الحزب الديمقراطي المسيحي أكثر حين تحول إلى حزب المعارضة في زمن حكم شرودر، ثم خدم حكومة ميركل كثيرًا، وسيستمر في تقديم خدماته إلى النهاية، فالرجل متمسك بموقف الخادم الأمين للدولة، وهذا يقف في مقدمة أهدافه السياسية، وهو يعرف كيف يتجنب الاحباطات، ولذلك لم يصر على ترشيح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية". 
 
لم يكن شويبله صديقًا لهيلموت كول، ولا لانجيلا ميركل لاحقًا، وهذا ما صرح به بنفسه. وواصلت ميركل سياسة كول تجاه شويبله فوقفت ضد ترشيحه لمركز رئيس الجمهورية عام 2008. وهكذا، صار شويبله يحمل نقمة دفينة ضد ميركل حتى الآن، بحسب رأي مؤلف كتاب"حياتان" (عن شويبله) الصحافي شوتز. ولم يبدِ اعتراضًا لأن ترشيحه كان يحمل تعاطفًا مع مقعد، يعجز عن تنفيذ المهمات الوزارية، وهذا أكثر ما يكرهه شويبله. ويذكر الجميع أن شويبله، بعد خروجه مشلولًا من المستشفى في العام 1999، كان يتلقى المهنئين بنجاته من محاولة الاغتيال وهو يكرر القول: "الرجاء دون مظاهر عطف".
 
كل البشر مقعدون
 
بعد حياة سياسية حافلة بالنجاحات والاحباطات على كرسي المقعدين، فشل خلالها شويبله في الجلوس على كرسي المستشارية، وعلى كرسي رئاسة الجمهورية، فاز بلقب "مستشار أوروبا المالي"، وربما أن في ذلك ما يرضي طموحه كخادم أمين للدولة.
 
لايعرف أحد كثيرًا عن حياة شويبله الشخصية، عدا عن أنه متزوج من نفس المرأة منذ 45 سنة وأنه أنجب منها 3 أولاد. ويقول كاتب سيرته شوتز إن الرجل لا يملك حياة شخصية بمعنى الكلمة، لأن حياته عبارة عن سلسلة اجتماعات ومناقشات وجلسات برلمانية واجتماعات وزراء....إلخ. وربما أن دورة حياته داخل الغرف المغلقة، بهذه الطريقة، دفعت شويبله بعيدًا عن الحياة اليومية للناس وعن نبض الشارع، وهذه أكثر نقاط ضعفه وضوحًا.
 
لا أحد يعرف كيف يفكر ولا بماذا يفكر، وهذا يسري على هيلموت كول وعلى خليفته انجيلا ميركل، وربما أن ذلك هو مصدر قلقهما من مواقفه. كان يقتصد كثيرًا في الحديث أثناء اللقاءات والمقابلات، لكن ما يتحدث به كان واضحًا وجريئًا رقم قلته، وهو سببب فوزه بجائزة "الميكرفون الذهبي" في البرلمان. وحينما سئل عن نظرته إلى العالم من فوق كرسي المقعدين، أجاب: "كل البشر مقعدون، وافضليتنا نحن المقعدين، أننا نعرف ذلك". وأضاف: "شيء جيد أن لا يعرف الإنسان مسبقًا حجم الطاقة التي يمكن أن تحركه".
 

 لم أعد أشعر بقدمي

كان يوم 12 تشرين الأول (اكتوبر) 1990 يومًا غير عادي في حياة فولفغانغ شويبله. كان ذلك بعد أسابيع قليلة من فوز كول بالانتخابات على غريمه الاشتراكي اوسكار لافونتين، وخلال اجتماع جماهيري حضره نحو 300 شخص في مولهايم.

أطلق المختل ديتر ك. (36 عامًا) النار من مسدسه على شويبله المحاط برجال الحرس، وأصابه في العنق والظهر. ولم يكشف الجاني عن أية دوافع معقولة تبرر فعلته، وكان من زوار مستشفيات الأمراض العقلية.

قال مارتن شبرنغمان، الحارس الشخصي الأول لشويبله، إنه كان يراقب الرجل بالسترة الجلدية السوداء في مقدمة الحضور، لكنه لم يلحظ شيئًا غير طبيعي، عدا عن أنه الوحيد الذي لم يصفق أبدًا. تحرك الرجل بعد ذلك نحو المخرج وانتظر عبور شويبله بعد الانتهاء من المصافحات والتواقيع، ومد ذراعه بين شويبله وحارسه تمامًا، ثم أطلق النار.

سقط شويبله على الأرض، بينما حلت الفوضى في القاعة. كان الدم يتسرب من فم الضحية، في حين تجمعت بقعة أخرى تحت ظهره. وكانت أول جملة أطلقها شويبله بعد استيقاظه في صالة العمليات الجراحية هي: "لم أعد أشعر بقدمي".