الفاتيكان: يزور البابا فرنسيس من الجمعة الى الاحد ارمينيا، احد اقدم البلدان المسيحية، الواقع على مقربة من شرق اوسط، تعصف به الحروب والنزاعات.

تنطوي زيارة البابا فرنسيس، وهي الرحلة الرابعة عشرة له الى الخارج، خلال اكثر من ثلاث سنوات بقليل، اولًا على ابعاد دينية تتمثل في تشجيع نهضة المسيحية في بلد عانى كثيرًا في ظل الشيوعية السوفياتية.

إلا ان التقليد المسيحي قديم جدا وراسخ الجذور في ارمينيا. فقد كانت ارمينيا اول بلد يعتنق المسيحية دينا للدولة في العام 301، وينتمي اكثر من 90% من 3،3 ملايين ارمني الى الكنيسة الرسولية التي انفصلت عن روما في تلك الحقبة. وسيشارك البابا فرنسيس الدائم الجهوزية للقيام بما يلزم من خطوات من اجل تقارب مع الكنائس الشرقية، في قداس يتراسه الكاثوليكوس كاراكين الثاني في الكاتدرائية الرسولية الارمنية.

وسيلتقي السبت ايضا الطائفة الارمنية الكاثوليكية الصغيرة في مدينة غيومري التي ضربتها هزة ارضية في 1988. وتتسم الابعاد السياسية للرحلة بكثير من الدقة والحساسية. إذ ينتظر الارمن، الذين تأثروا كثيرا بإقدام البابا فرنسيس قبل سنة، وأمام العالم اجمع، على طرح مسألة "الابادة" الارمنية التي اسفرت عن 1.5 مليون قتيل أيام السلطنة العثمانية 1915/1916، بشغف مجيئه.

وتؤكد تركيا، التي تحتج على تعبير الابادة، ان ما حصل كان حربا اهلية، ترافقت مع مجاعة حصدت مئات الالاف من الارمن والاتراك. وبرفقة كراكين الثاني، سيزور البابا فرنسيس نصب "تزيتزرناكابرد" التذكاري الارمني، لكن بعض المراقبين يتوقعون ان يتجنب التلفظ مرة اخرى بعبارة "ابادة" حتى لا يؤجج الخلافات مع تركيا، ويعرّض المسيحيين فيها لصعوبات.

وكان البابا يوحنا بولس الثاني زار ارمينيا في 2001 للمشاركة في الذكرى 1700 "لتقبل الشعب الارمني سر المعمودية". وفي اعلان مكتوب مع كراكين، انتقد "اول ابادة في القرن العشرين"، ففجر بذلك غضب انقرة عليه.

حمام السلام 
ومن ارمينيا، اطلق البابا يوحنا بولس الثاني نداء من اجل السلام في المنطقة ايضا. وعلى خطاه، ينوي البابا فرنسيس القيام بمزيد من الخطوات على هذا الصعيد. لذلك من المقرر رفع صلاة من اجل السلام في يريفان، بحضور عشرات الاف الاشخاص.

وفي ختام الزيارة، سيزور البابا فرنسيس دير خور فيراب الارمني القريب من تركيا، لاطلاق حمامتين في اتجاه جبل ارارات، الذي كان ارمينيا حتى 1915 وبات تحت السيادة التركية، ويبلغ ارتفاعه 5160 مترا. وكان البابا فرنسيس ينوي زيارة جورجيا المعروفة ايضا بتقليدها المسيحي العريق، وجمهورية اذربيجان، التي يشكل المسلمون اكثرية شعبها، وتخوض حربا مع يريفان حول منطقة ناغورني كره باغ.

لكنه اضطر الى تأجيل هاتين الزيارتين، على ان يقوم في اواخر سبتمبر بزيارتهما، حتى لو ان الزيارتين "جزء من الرحلة نفسها"، بحسب ما اوضح المتحدث باسم البابا الأب فيديريكو لومباردي الثلاثاء. وقال لومبادري ان الرحلة قسمت الى مرحلتين، لان بطريرك جورجيا يشارك حاليا في المجمع الارثوذوكسي المقدس، الذي افتتح الاحد في جزيرة كريت. لكن مصدرا ارمينيا قال ان الكنائس المحلية تعارض الزيارة بسبب النزاع بين ارمينيا واذربيجان.

وسيحتل موضوع الاستشهاد واضطهاد الاقليات المسيحية، التي هربت من ارض اجدادها، صدارة المواضيع المطروحة للنقاش. ويتحدر قسم من السكان من الارمن الذين تعرضوا للمجازر والترحيل القسري، وخصوصا في روسيا وتركيا. واستقبلت يريفان في الاشهر الاخيرة عائلات سورية وارمنية هربت من حلب ومن مدن سورية اخرى تشهد معارك.

ويستأثر موضوع الاستشهاد باعتباره شهادة ترسخ معتقدات الناس وايمانهم، باهتمام البابا فرنسيس الذي يحب اثارته باستمرار. اما كراكين الثاني فرفع في 2015 الى مصاف القديسين جميع الشهداء الذين قتلوا اثناء الابادة.

أول بلد في العالم يعتنق المسيحية
في ما يلي ابرز النقاط المتعلقة بالجذور المسيحية العميقة لهذا البلد الصغير في القوقاز.

- اول مملكة مسيحية -
المنطقة التي تضم ارمينيا الحالية ارض توراتية وصلت اليها سفينة نوح، كما يقول سفر التكوين في الكتاب المقدس، واستقرت على جبل ارارات الموجود في تركيا اليوم. وتعتبر ارمينيا الامة الاولى في العالم التي تعتنق المسيحية دينًا للدولة في مستهل القرن الرابع.

ويعرف التقليد المسيحي الارمني ايضا باسم "الغريغورية" تيمنًا بعريغوار المستنير، القديس الشفيع ومؤسس الكنيسة الارمنية. وهو الذي حملت جهوده ارمينيا التي كانت بلدا وثنيا على اعتناق المسيحية في 301، ايام حكم الملك تريداته الرابع.

وتؤكد الكنيسة ان الرسولين برتلماوس وتداوس كانا اول من بشر في ارمينيا خلال القرن الاول، وهذا مرد لقب "الكنيسة الرسولية الارمنية". وقد ترجم القديس ميسروب الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد الى الارمنية في القرن الخامس، وهو الذي ابتكر ايضا الابجدية الارمنية.

- الكنيسة الارمنية -
ويؤكد احصاء 2011 ان حوالى 96% من الناس يقولون انهم ينتمون الى الكنيسة الرسولية الارمنية. وتشدد الكنيسة الارمنية التي توصف عادة بالاورثوذكسية على انها ليست جزءا من التيار الشرقي، الذي يضم الكنيسة الارثوذوكسية الروسية والكنائس اليونانية. وهي تنتمي الى مجموعة من ست كنائس شرقية ترفض عقيدة الطبيعة المزدوجة للمسيح، وتقول انه ذو طبيعة واحدة فقط: الالهية والبشرية معا.

وكرسي اتشميادزين المقدس، قرب يريفان، هو المقر الروحي والاداري للكنيسة الارمنية، ومقر البطريرك الـ132 كراكين الثاني، الرئيس الحالي للكنيسة الارمنية. وقد انتخب المجلس الاعلى للكنيسة المؤلف من رجال دين وعلمانيين كراكين الثاني (64 عاما) في اكتوبر 1999.

وينتمي حوالى سبعة ملايين ارمني في العالم اجمع الى عدد كبير من الكنائس الارمنية في الشتات، والتي تعترف بأسبقية كنيسة اتشميادزين. والفروع الاساسية موجودة في لبنان والقدس واسطنبول.

- الابادة -
وفي 23 ابريل 2015، رفعت الكنيسة الارمنية الى مصاف القديسين، 1.5 مليون ارمني قتلهم الاتراك العثمانيون في الحرب العالمية الاولى. واعتبر الاحتفال اكبر احتفال لاعلان القداسة في التاريخ.

ومنذ عقود، يسعى الارمن الى حمل المجموعة الدولية على الاعتراف بأن مجازر 1915-1917 كانت ابادة، لكن تركيا ترفض هذا التعبير، وتؤكد انها مأساة جماعية لقي خلالها العدد نفسه من الاتراك والارمن مصرعهم. ويتضمن البرنامج الرسمي للزيارة البابوية زيارة الى نصب تسيتسرنامابرد المشيد تكريما لضحايا الابادة.

- اقليات دينية -
ويقيم اكثر من 35 الف يزيدي في ارمينيا، وهم يشكلون اكبر اقلية دينية في البلاد. والاقليات الاخرى تتألف من 14 الف كاثوليكي، و8000 ارثوذوكسي يشكل الروس واليونانيون والجورجيون والاوكرانيون القسم الاكبر منهم.

وقد تأسست الكنيسة الارمنية الكاثوليكية في 1740 بدعم من البابا بنديكتوس الرابع عشر. وتتخذ من غومري، ثاني اكبر مدينة في البلاد، مركزها الروحي. وخلال رحلته الى ارمينيا، سيحتفل البابا فرنسيس بقداس في الهواء الطلق في ساحة غومري، ويزور كاتدرائيتين كاثوليكيتين.