خاص بايلاف من جنيف: تبين الدراسات أن في عام 2015، حصل نحو 40 نزاعًا مسلحًا، وهو الرقم الأعلى منذ عام 1999، ويزيد بنسبة 18 في المئة على عددها في عام 2013. وما زالت الكلفة والمعاناة الانسانية الناجمة عن النزاعات المسلحة والعنف عالية اليوم. وبما أن الأمم المتحدة لم تنشأ باسم أمم ودول فحسب، بل ايضًا بوصفها التزامًا من شعوب الأمم المتحدة ولشعوبها، فإنها تتحمل مسؤولية إنقاذ أجيال متعاقبة من آفة الحرب. لذا تحتفظ رؤيتها التأسيسية القائمة على حقوق الانسان والحريات الأساسية بأهميتها كاملةً اليوم. 

ولإقامة عالم أكثر سلامًا، وضع ميثاق الأمم المتحدة في مادتيه الأولى والثانية الأهداف والمبادئ الآتية: منع أعمال العدوان أو غيرها من انتهاكات السلام، وإقامة علاقات ودية بين الأمم، وتقرير المصير للشعوب، وتعزيز التعاون الدولي، وتدعيم حقوق الانسان والحريات الأساسية، وتسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية، ومنع التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي الاقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة. من هذا المنظور، يعتبر ميثاق الأمم المتحدة أهم دستور للسلام كتبه المجتمع الدولي. وينص الفصل السادس من الميثاق المخصص لتسوية النزاعات بالوسائل السلمية، في مادته 33، على ضرورة أن تعمل أطراف أي نزاع من أجل حله بالمفاوضات أو التحقيق أو الوساطة أو المصالحة أو التحكيم أو التسوية الحقوقية أو أي وسيلة سلمية أخرى.

للتسويات السلمية

تُلزَم الأطراف المنخرطة في نزاع على نحو صريح ببذل جهود نشيطة من أجل تسوية النزاع القائم بينها. وتستمر مسؤولية أطراف النزاع حتى بعد بدء العمليات المسلحة. وفي أوضاع النزاع المسلح تحديدًا، يجب أن تستمر المساعي الرامية إلى حل النزاع سلميًا. وتُدعى سائر الأطراف المنخرطة في نزاع مسلح بصورة متكررة إلى العمل من أجل تحقيق هذا الحل بصورة عاجلة. 

 

 لقراءة النص باللغة الانكليزية
Efforts to create a world free of scourge of war and conflict: the role of mediation and good offices

 

في نتائج مؤتمر القمة العالمي لعام 2005، شددت الدول الأعضاء على التزام الدول بتسوية نزاعاتها بالطرق السلمية وفق الفصل السادس، واستخدام محكمة العدل الدولية واعلان مبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول.

كما قررت الجمعية العامة أن تتطلب الوساطة المسؤولة وذات المصداقية إرادة وطنية وموافقة الأطراف المنخرطة في نزاع أو صراع معين وحياد الوسطاء والالتزام بالتفويضات المتفق عليها، واحترام السيادة الوطنية، وتنفيذ التزامات الدول وغيرها من المفاعيل ذات العلاقة بموجب القانون الدولي، واستعداد الوسطاء عملياتيًا، وتماسك جهود الوساطة وتنسيقها وتكاملها.

لكن مجلس الأمن أكد في بيانه الرئاسي في عام 2009 أن المسؤولية الرئيسة عن تسوية النزاعات سلميًا تقع على عاتق أطراف النزاع، ولا يمكن تحقيق السلام واستدامته إلا من خلال مشاركتها الكاملة والتزامها الصادق حل النزاع، بما في ذلك معالجة أسبابه.

في سبتمبر 2010، اطلقت فنلندا وتركيا مبادرة لتشكيل مجموعة "أصدقاء الوساطة في الأمم المتحدة" لتوحيد جهود المفاعيل المشاركة في الوساطة على اختلافها والدفع من أجل استخدام التسوية السلمية للنزاع بصورة متزايدة. 

تطور ريادي

بعد مفاوضات طويلة ومكثفة، قدمت المجموعة قرارها الأول: تعزيز دور الوساطة في تسوية المنازعات بالوسائل السلمية ومنع نشوب النزاعات وحلها، إلى الجمعية العامة في يونيو 2011. وقال أمين عام الأمم المتحدة إن هذا القرار "تطور ريادي يضع المنظمة في موقع الجهة المحدّدة لمعايير الوساطة". وفوجئ كثيرون بكونه أول قرار على الاطلاق حول الوساطة تصدره الأمم المتحدة. 

تقدم مبادرة "الوساطة من أجل السلام" ومؤتمر اسطنبول حول الوساطة الذي عُقد في فبراير 2012 فرصة لإعادة تفعيل الجهود في هذا الاتجاه. وكما اشار تقرير الأمين العام في هذا الشأن، فإن تعزيز قدرات الوساطة وزيادة جهود الوساطة التي تبذلها الأمم المتحدة هدف مشترك. ويتسم هذا بأهمية قصوى اليوم، ولاسيما أن عدد النزاعات يتزايد. 

في عام 2014، أكدت الجمعية العامة مجددًا في قرارها 68/303 أن على جميع الدول الأعضاء أن تتمسك تمسكًا صارمًا بالالتزامات التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة، ومنها التسوية السلمية للنزاعات، ومنع نشوب النزاعات وحلها. ورحبت بمساهمات الدول الأعضاء والأمم المتحدة والمنظمات الاقليمية وشبه الاقليمية في جهود الوساطة، ودعت الدول الأعضاء والأمم المتحدة والمنظمات الاقليمية وشبه الاقليمية إلى الاستمرار في استخدام الوساطة وغيرها من الأدوات المذكورة في الفصل السادس من الميثاق، على النحو الأمثل. 

جاء القرار 68/303 إثر قرارين سابقين بشأن الوساطة (القرار 65/283 والقرار 66/291)، وأكدت الجمعية العامة مجددًا فيهما دور الوساطة في تسوية النزاعات بالوسائل السلمية ومنع نشوب النزاعات وحلها. 

تعاون مثمر

في 19 اغسطس 2015، قدم الأمين العام تقريره "التعاون بين الأمم المتحدة والمنظمات الاقليمية وشبه الاقليمية في مجال الوساطة" (الوثيقة أي/70/328)، تناول فيه الجهود الرامية إلى تعزيز التعاون والشراكة بين الأمم المتحدة والمنظمات الاقليمية وشبه الاقليمية لبناء قدرات الوساطة وتعميق الشراكات الاستراتيجية والعملياتية في تنفيذ جهود الوساطة. 

يستعرض التقرير اتجاهات في النزاعات وجهود الوساطة، ويعيد التذكير بالمبادئ الأساس للوساطة الفاعلة بوصفها خلفية لجهود التعاون. ويتناول التقرير الخبرة المتطورة لعمل الوساطة وقدرات الأمم المتحدة والمنظمات الاقليمية وشبه الاقليمية والتعاون الذي يدعم تطوير القدرات. وهو يحدد نماذج مختلفة للتعاون ويؤكد أهمية التماسك والتنسيق والتكامل في عمليات الوساطة، ويوصي بمواصلة العمل في مجالات متعددة لتعزيز التعاون من أجل تحقيق وساطة فاعلة. 

يرتكز هذا التقرير إلى تقريرين سابقين حول الوساطة: الأول في عام 2009، مقدم إلى مجلس الأمن بعد مناقشة المجلس على مستوى عال حول الوساطة في عام 2008 (2009/189)؛ والثاني في عام 2010 (أي/66/811) الذي تضمن "توجيهات من أجل الوساطة الفاعلة"، أُعدت بطلب من الجمعية العامة. طرح هذا العمل فهمًا مشتركًا للوساطة وأقام إطارًا لتعزيز المعايير والمؤسسات والممارسات والشراكات والموارد من أجل وساطة أشد فاعلية لمنع نشوب النزاعات وإدارتها وحلها. أشار الأمين العام في هذا التقرير إلى "شراكات حقيقية بين الأمم المتحدة والمنظمات الاقليمية وشبه الاقليمية لبناء قدرات الوساطة وتعميق التعاون الاستراتيجي والعملياتي. ويجب أن تستند هذه الشراكات إلى الموارد والأفضليات النسبية للمنظمات المختلفة، وضمان وضوح الأدوار والمسؤوليات على اساس الأفضلية النسبية والتكامل، وتدعيم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي في مساعي الوساطة" (الفقرة 3). 

اتجاهات عدة

هناك حاليًا سبعة اتجاهات في النزاعات، مثل نزاعات كثيرة خفيفة الحدة، وتعدد اطراف النزاع والمصالح المرتبطة به، والنزاعات العابرة للحدود، والعدد المتزايد للقضايا الجوهرية التي يجب أن يعالجها الوسطاء، وتنوع المشاركين في الوساطة، والاعتراف المتزايد بالدور البناء الذي يؤديه وسطاء محليون من الداخل، ومطالب فاعلين في المجتمع المدني مثل الشباب والنساء بأن يكون لهم موقعهم المشروع، وأن يُسمع صوتهم في عمليات الانتقال السياسي والوساطة، والتشديد على تطبيق أُطر قانونية ومعيارية، وحقيقة أن الوساطة لا تنتهي بتوقيع اتفاقية سلام بل تستمر في أداء دور حاسم في الجهود الرامية إلى دعم الالتزام بالاتفاقيات وتنفيذها. 

يتسم دور الأمم المتحدة بأهمية بالغة من أجل حلّ هذه النزاعات خفيفة الحدة، الجديدة منها والقديمة. وبهذا الالتزام المتجدد بتدعيم الوساطة ترفع الأمم المتحدة درجة الوعي وتسلط الضوء على الأهمية المتزايدة للوساطة في منع نشوب النزاعات وحلّها بين سائر الدول الأعضاء.

في سياق منع نشوب النزاعات، تتحمل الدول المسؤولية الأولى عن حماية المدنيين واحترام حقوق الانسان وضمانها لجميع الأفراد وحماية سكانها من جرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الانسانية. وطبقًا للقرار 2171 في شأن منع نشوب النزاعات الصادر في عام 2014، أقر مجلس الأمن بالاجماع بأن "... الخروقات والانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان العالمية أو القانون الانساني، بما في ذلك العنف الجنسي والعنف على أساس الجنس، يمكن أن تكون مؤشرًا مبكرًا إلى الانزلاق إلى نزاع أو تصعيد النزاع".