عزيزي عثمان.. لست أدري أين أنت الآن، في نيويورك، أم في باريس، أم في لندن، أم في دبي، أم في الرياض، أم في مراكش، أم في طوكيو، أم في ….ليس مهما. 

أنت في العالم والعالم فيك سواء في النهار أم في الليل، في الصحو أم في المطر، في البرد أم في الحر. أنت في العالم والعالم فيك في سكونه كما في تدفقه العنيف الشبيه بتدفق الأنهار العظيمة في أوقات الفياضانات الكبرى. 

ويبدو لي أنك كنت كذلك مذ بدأت تتهجّى الحروف والكلمات لتقرا في ما بعد كتب الأقدمين، وتسافر فتى يافعا الى جزيرة "كالبري" الإيطالية بديعة الجمال مفتتحا سفرك في العالم، وبادئا مشوارك الصحفي الذي لا يزال مستمرا بنسق مدهش الى حد هذه الساعة. 

وأنا أتذكر أنني تقدمت في اوائل التسعينات من القرن الماضي بإقتراح الى رئيس تحرير صحيفة زيوريخ واسعة الإنتشار لكتابة بورتريه عنك فلم يبد تحمسا. 

لكن بعد أن قرأ ما كتبته بشأنك، هتف لي ليقول لي بنبرة تنم عن الدهشة والإستغراب: هل يوجد حقا في المملكة العربية السعودية مثقف واعلاميّ من طرازك؟! وفي اليوم التالي نشر البورتريه الى جانب بورتريه للأمير تشارلز! وها أنت تثبت يوما بعد آخر أنك حقا مثقف واعلامي من طراز رفيع! 

أثبت ذلك عندما أشرفت على رئاسة تحرير "الشرق الأوسط". وها انت تثبته مرة أخرى ناشرا لإيلاف الإلكترونية التي تزداد إشراقا، وتوهجا من سنة الى اخرى مبشرة بعصر إعلامي جديد، ومستجية لمتطلبات ثورة تكنولوجية هائلة لن تلبث أن تقوض كل ما تبقى من العالم القديم. 

و لكن هل تعرف سرّ نجاحك؟ إنه التحدي. والذين عرفوك وعملوا معك يعلمون جيدا أنك رجل التحديات بآمتياز! رجل التحديات في زمن عربي رديء، ومتقلب، ومخيب للآمال والأحلام، مشوب بالإنكسارات، والتعثرات القاتلة. زمن كل الطموحات معرضة فيه للتدمير والتخريب! لكن أنت تمضي دائما الى الأمام غير عابئ بكل هذا. 

ومن الماضي أنت لا تحتفظ إلا بما يساعدك على فتح طريق المستقبل، وليس بما يكبلك ويثبط عزيمتك، ويعيدك الى المقابر المهجورة حيث يعلو نعيق البوم والغربان، ونواح المهزومين والفاشلين. 

واصل مسيرتك إذن... ولك منّي إشراقة هذا الصباح الجميل أمام بحر الحمّامات في بداية صيف لا أدري على أيّ صورة سيكون بعد أن ذبل ربيع "ثورة الياسمين"!