إيلاف من الرياض: قال خبراء ومحللون سياسيون إن خطاب الأمير تركي الفيصل في مؤتمر المعارضة الإيرانية يأتي من باب الرد بنفس المنطق على التدخلات الإيرانية في الشؤون السعودية وشؤون الدول العربية، مشيرين في أحاديث لـ "إيلاف" الى أن الفيصل تدخل بخطاب، فيما تدخلت طهران بجيوشها ومليشياتها التي زعزعت استقرار الدول العربية.

وكانت قد انطلقت في العاصمة باريس فعاليات المؤتمر السنوي للمعارضة الإيرانية، والذي تختتم أعماله اليوم الأحد، بمشاركة شخصيات سياسية عالمية وعربية، بالإضافة الى عشرات الآلاف من أنصار المعارضة الإيرانية، حيث يتناول المؤتمر ملفات متعددة من أبرزها ملف قمع الحريات العامة في إيران، والآفاق المستقبلية للتطورات الإيرانية، في ضوء اتساع حركة الاحتجاجات الشعبية في مختلف المحافظات والمدن الإيرانية، وعلى خلفية التصعيد الخطير في الإعدامات التي بلغت رقماً قياسياً

مناصرة سعودية

وكان الأمير تركي الفيصل، رئيس المخابرات السعودية السابق ومدير مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات حاليًا، قد شارك في المؤتمر بكلمة أشار فيها الى أن الخميني رسخ سلطة مطلقة لنفسه بناء على نظام ولاية الفقيه، وأسس لمبدأ تصدير الثورة الإيرانية إلى الدول العربية والإسلامية، وأشار إلى أن القمع في إيران لا يقتصر على المعارضة بل يشمل الأقليات وخاصة العرب السنة والأكراد، مؤكدًا مناصرة السعودية والعالم الإسلامي للشعب الإيراني في ثورته ضد نظام الولي الفقيه.

الخبير الاستراتيجي الدكتور على التواتي، أوضح أن الظروف القائمة حاليًا تبرر مثل هذا التصريح ، حيث تمر المنظومة الحاكمة في طهران بإشكالية كبيرة في ما يتعلق بالعلاقة بين الأجنحة، والتي لم تعد علاقة تكاملية كما في السابق، وقال لـ "ايلاف": "سابقًا كانت الأجنحة تصل للحكم حسب الظروف، ففي أوقات معينة يحكم المحافظون وفي أوقات أخرى يحكم المتطرفون، وهي لعبة أشبه باللعبة الإسرائيلية، لكن الآن، سيطر المتطرفون على الحكم وقد ادخلوا إيران في شؤون البلاد المجاورة ولم يتركوا جسرًا للعودة ، ولا مجالاً للتبادل الذي كان يتم في السابق".

واوضح التواتي، أن الجناح الذي يحكم الآن "بات واضح العداء والتدخل السافر، حيث يرتدي قياداته البزَات العسكرية ولا يقبلون أي صوت معارض، فالأموال التي أنفقت كثيرة والدماء التي سالت كثيرة وطريقهم أصبح بلا عودة، وبالتالي كان خطاب الأمير تركي الفيصل واضحًا وصريحًا بأن الحل يكمن في إسقاط هذا النظام"، وأضاف: "تدخلات إيران لم تؤدِ إلى انتصار كما كان متوقعًا وإنما أدى إلى استعصاء والى ضريبة دم باهظة سواء في العراق أو في سوريا أو في اليمن او في لبنان ، ضريبة دم تتصاعد يومًا بعد يوم ، لم يعد الإيرانيون كشعب قادرين على تحملها، وهو السبب الذي تجمع من أجله عشرات الآلاف من الإيرانيين في باريس ليصرخوا في ضمير العالم طلبًا لإنقاذ شعبهم من سياسات حكم الملالي، والتي كلفت المواطن الإيراني حياته ومعيشته وتعليمه ورفع مستواه كإنسان متحضر".

خطابات التهديد 

وحول تصريحات الأمير تركي الفيصل، قال التواتي إن الفيصل لا يشغل منصباً رسمياً، وهو منذ أن ترك المناصب الرسمية لا يستخدم لغة الدبلوماسيين ، فلا يخلط بين الأمور ولا يلمّح، بل يتكلم بوضوح ويضع النقاط على الحروف، وأضاف: "توجد في العالم العربي نماذج من شخصيات عربية ومفكرين مستقلين يعكسون ما يؤمنون به، ويساعدهم وضعهم الاجتماعي من إبداء آرائهم بقوة، ومنهم الأمير تركي الفيصل، الذي لم يبادر بمناصبة إيران العداء، وإنما استخدم نفس المنطق"، وتابع: "إن كان الفيصل تدخل بخطاب واحد فهو قليل مقارنة بخطابات التهديد والوعيد التي تطلقها شخصيات إيرانية رسمية، بضرب المصالح السعودية أو إطلاق الصواريخ او التدخل العسكري".

من جهته، قال الدكتور محمد السلمي، رئيس مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، إن رسالة الأمير تركي الفيصل من باريس كانت واضحة، حيث بيّن أن الخلاف ليس مع الشعب الإيراني وتاريخه، بل مع النظام السياسي هناك، مشيرًا لـ"ايلاف" الى أن إيران ومنذ العام 2011 تشن حروباً بالوكالة من خلال الاعتماد على الميليشيات الشيعية المسلحة على المنطقة العربية، هذا فضلاً عن أنشطتها الاستخباراتية، إذ شهدت السنوات الماضية تفكيك كثير من هذه الشبكات التجسسية في الكويت والسعودية والبحرين والإمارات واليمن، و دائما ما تنادي طهران وبصوت عالٍ بإسقاط حكومات خليجية.

إسقاط النظام

وأوضح السلمي أن تصريحات الأمير تركي الفيصل المطالبة بإسقاط النظام هي تصريحات تعبر عن كل مواطن عربي حر ساءه الحال التي وصلت إليها المنطقة جراء التدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي العربي، سواء في سوريا والعراق أو في اليمن ولبنان، وجميعها مناطق صراع تم إشعالها من قبل الجانب الإيراني، وأضاف: "حتى أعظم المقدسات والمواسم الإسلامية وهي الحج ، لم يسلم من التدخل الإيراني ومحاولة زعزعته، إذ انه ومنذ حكم الملالي في إيران، وهم يحاولون جاهدين لتحويل الحج إلى مكان للمسيرات السياسية والمذهبية بقصد إحداث الفوضى والبلبلة والعبث بأمن الحجاج وسلامتهم".

وأكد السلمي أن تصريحات الأمير تركي الفيصل تأتي في ظل إصرار نظام طهران على الاستمرار في هذا النهج، حيث كشفت رؤية النظام الإيراني المستقبلية العمل على تطوير التوجه الحالي وترسيخه، مما يعني عزم طهران على الاستمرار في سياسة تدخلاتها في الشأن الداخلي العربي ورغبتها في استمرار التوترات والعزف على الصراع الطائفي في المنطقة ومحاولة ضمان بقاء ناره متقدة لأطول فترة، وعلى أكبر مساحة ممكنة، مما يؤكد استمرار النظام الإيراني في إستراتيجية الهروب إلى الأمام وإشغال الداخل عن مطالبه واستحقاقاته من خلال خلق العداء مع الخارج لقمع أي صوت في الداخل يطالب بإصلاح أو حقوق دينية أو سياسية أو اجتماعية ومعيشية.