إيلاف من القاهرة: قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية سامح عباس، إن تركيا لجأت إلى التطبيع مع إسرائيل وروسيا، بسبب معاناة مع العزلة الإقليمية، بعد انهيار حلم استعادة الخلافة العثمانية، بسبب فشل ثورات الربيع العربي، وإسقاط حكم الإخوان في مصر. 

وأضاف عباس أستاذ الدراسات العبرية في جامعة قناة السويس، لـ"إيلاف" أن زيارة وزير الخارجية المصرية سامح شكري إلى إسرائيل، تأتي في ظرف دقيق، مشيراً إلى أنها تهدف إلى بحث سبل تحقيق مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي لإقامة دولة فلسطين، ومن أجل استعادة مصر دورها الكامل في القضية الفلسطينية، بعد استقطاع تركيا وقطر جزءا منه مؤخراً.

وأوضح أن التواجد الإسرائيلي في الفناء الخلفي لمصر في أفريقيا، يمثل تهديداً للأمن القومي المصري، مستبعداً أن تكون تل أبيب تلعب دوراً في حل أزمة سد النهضة.

 كيف ترى مسارعة تركيا للمصالحة مع روسيا وإسرائيل، رغم أن الخلافات بينها وبين تلك الدولتين كانت عميقة؟

لم تكن الخلافات بين تركيا وإسرائيل تتسم بالعمق كما يبدو ولكن كانت هناك عوامل كثيرة أدت إلى تصلب الموقف التركي تجاه إسرائيل، عقب حادث أسطول الحرية الذي كان يهدف إلى كسر الحصار على قطاع غزة، أبرزها انطلاق ثورات الربيع العربي ورغبة القيادة التركية برئاسة إردوغان لعب دور أكثر محورية في منطقة الشرق الأوسط، والاستعاضة عن التحالف مع إسرائيل بالتحالف مع دول أخرى أكثر نفوذاً في المنطقة ومنها مصر، لاسيما في ظل تصاعد نفوذ جماعة الإخوان عقب اندلاع ما يسمى بثورات الربيع العربي.

أما في ما يتعلق بالعلاقات مع روسيا، فكان محور الخلاف في الأساس هو الرئيس السوري بشار الأسد، وكان حادث الطائرة العسكرية الروسية التي استهدفها الطيران التركي مجرد القشة التي عملت على انهيار العلاقات بين البلدين.

ولجأت تركيا إلى الإسراع في تحسين العلاقات مع روسيا وإسرائيل، بسبب شعورها بالعزلة الإقليمية وانهيار حلم الخلافة لدى إردوغان بعد فشل حلم الربيع العربي. وهناك عامل مهم أيضا هو تزايد العمليات المسلحة للأكراد ضد تركيا وفشل إدارة إردوغان حتى الآن في إيجاد حل جذري ونهائي للمشكلة الكردية يكون من حساب تركيا الخاص وليس على حساب سوريا أو العراق.

هل تدخلت أطراف إقليمية مثل إيران أو دولية مثل أميركا للتطبيع بين تركيا وروسيا وإسرائيل؟

استبعد توسط إيران أو أميركا في التطبيع بين روسيا وتركيا، ولكن كانت هناك رغبة حثيثة لدى تركيا لإنهاء الأزمة مع روسيا لتجنب الصدام معها، لكن في ما يخص العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، فقد لعبت الوساطة الأميركية دوراً فيها على ما يبدو، إلا أنه رغم طوال الخلافات بينهما، لم تنقطع العلاقات بشكل كامل، فقد كانت العلاقات التجارية والسياحية والأمنية مستمرة بين البلدين. 

هل لهذا التصالح والتطبيع علاقة بالأزمة السورية، هل اقتنع إردوغان بالتخلي عن الإطاحة ببشار الأسد؟

من المؤكد أن الوضع المتأزم في سوريا له تأثير واضح على العلاقات الروسية التركية، لاسيما أن التدخل الروسي في سوريا أسهم بشكل قاطع في تغير موقف تركيا حيال الرئيس السوري بشار الأسد، وتراجعت الدعوات التركية- بشكل واضح- بضرورة الإطاحة بنظام بشار الأسد، وصار النظام التركي يتحدث عن ضرورة التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية.

هل يضر التطبيع في العلاقات الإستراتيجية والعسكرية بين تركيا وإسرائيل الأمن القومي المصري أو دول المنطقة العربية؟

من المؤكد أن التحالف التركي- الإسرائيلي له تأثير سلبي على الأمن القومي المصري، لكن يبدو أن عنوان (مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط) قد يجمع بين كل الأطراف المتعارضة نظرا لتواجد مصلحة مشتركة لمحاربة هذا الإرهاب الذي بات يهدد جميع الأنظمة في المنطقة، خاصة في ظل التقدم الذي يحققه تنظيم داعش على الأرض. جميع الأطراف الإقليمية تدرك التعاون الحالي لدحض الإرهاب هو الهدف الأسمى وصاحب الأولوية القصوى.

لماذا تصرّ تركيا على العداء لمصر والتصالح مع إسرائيل مثلا رغم أن الأخيرة قتلت لها مواطنين أتراكا في أثناء محاولة أسطول الحرية فك الحصار عن غزة؟

إصرار تركيا على العداء لمصر موجه للنظام الحالي بعد الإطاحة بنظام حكم الإخوان المسلمين، والذي كان يعول إردوغان عليه كثيراً في بناء أحلامه التوسعية وتحقيق وطموحاته الإقليمية. وتعتبر تركيا حاليا المعقل الأخير لجماعة الإخوان المسلمين الهاربين من مصر. وستكون المصالحة بين أنقرة والقاهرة السهم الأخير في قلب المعارضة الإخوانية.

وأعتقد أن تلك المصالحة باتت وشيكة في ظل تغير مواقف السياسة العامة لتركيا في الفترة الأخيرة، وستكون مصر المحطة الأخيرة في قطار المصالحات التركية مع الأطراف الإقليمية، لضمان عدم عزلها إقليميًا في مقابل تعزيز التحالفات مع أعدائها التاريخيين (اليونان وقبرص). ويبدو أن اكتشافات الغاز في منطقة شرق المتوسط له تأثير حاسم في تغير موقف السياسة التركية.

وكيف ترى زيارة وزير الخارجية إلى إسرائيل؟

من المؤكد أن زيارة وزير الخارجية المصري لتل أبيب هي الأولى لمسؤول مصري بهذا المستوى منذ 9 سنوات، وتحمل الزيارة دلالات سياسية عديدة أهمها عودة مصر للعب دورها التاريخي في القضية الفلسطينية، واستعادة رصيدها الكبير فيها بعد استقطاع أجزاء منه لصالح قطر وتركيا.

كما أن الزيارة تأتي استكمالًا لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة وضع حل نهائي وعادل للقضية الفلسطينية، والتي ستحل كثيرا من المشكلات في منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها الإرهاب. وتؤكد زيارة شكري لتل أبيب أن السياسية الخارجية المصرية باتت ترتدي ثوبا جديدًا، وتهدف إلى الانفتاح على كل الأطراف في المنطقة، لإيجاد حلول جذرية ونهائية لمشاكلها.

هل تعتقد أن زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى الدول الأفريقية ساهمت في الإسراع في إتمام زيارة وزير الخارجية؟

ليس هناك ثمة علاقة بين زيارة شكري لإسرائيل وزيارة نتنياهو الأفريقية، إلا أن السعي الإسرائيلي لترسيخ وجوده في أفريقيا يستهدف في الأساس مصر، ومن المؤكد التواجد الإسرائيلي في الفناء الخلفي لمصر يمثل خطورة قصوى على الأمن القومي المصري على المدى المتوسط والبعيد. ولا ننسى دور إسرائيل في تقسيم السودان وقيام دولة جنوب السودان.

هل تعتقد أن حل أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا بات جزءا منه في يد تل أبيب، وهل تتوقع إبرام صفقة لتوصيل المياه لإسرائيل مقابل تدخلها لدى أديس أبابا؟

 أما في ما يتعلق بسد النهضة الإثيوبي، فأعتقد أن لدى مصر أوراقا كثيرة لتلعب بها مع إسرائيل من أجل تحقيق مصالحها الوطنية، لاسيما أنها تحاول العبث بالفعل بأزمة سد النهضة، لكني استبعد حدوث اتفاق لتوصيل المياه إلى إسرائيل عبر نهر النيل، خاصة أنها لا تعاني حالياً أزمة مياه. كما أن إسرائيل تعمل على سرقة المياه السورية واللبنانية وكانت تستورد المياه من تركيا. وأؤكد مجددا أن مصر لديها أوراق قوية يمكن الضغط بها على إسرائيل لتحقيق مصالحها القومية.