وصف دونالد ترامب الاتفاق النووي المعقود مع إيران بأنه كارثي، وأعلن نيته تمزيقه إن وصل إلى سدة الرئاسة الأميركية.

عبد الاله مجيد: اعلن المرشح الجمهوري دونالد ترامب عن نيته تمزيق الاتفاق النووي مع ايران اذا ما انتخب رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، ووصف الاتفاق بـ "الكارثي"، وقال إن مفاوضًا أميركيًا أشد حزمًا من المفاوض الذي أرسلته إدارة أوباما يستطيع أن ينتزع تنازلات أكثر من ايران. 

مقايضة مربحة

ويبدو أن ايران تتابع ما يقوله ترامب، إذ كتب المرشد الأعلى علي خامنئي على موقعه الرسمي: "إذا كانت الولايات المتحدة ستمزق الاتفاق، فإيران ستحرقه". 

لكن محللين يتساءلون إن كان ترامب محقًا في ما يقول. فهل كان في مقدور المفاوض الاميركي لو هدد بالانسحاب من المفاوضات أن يجبر إيران على القبول بشروط أفضل لصالح الولايات المتحدة، أم أن ترامب لا يفعل سوى تشجيع ايران على العمل سرًا لانتاج أسلحة نووية ظنًا منها بعدم وجود إدارة أميركية تستطيع أن تضمن أن الادارة التي تأتي بعدها ستلتزم الاتفاق، وبذلك يكون من المتعذر إبرام أي اتفاق. 

وتستند الاتفاقيات النووية إلى منطق بسيط هو المقايضة، توافق فيه دولة مثل ايران تريد زيادة انتشار الاسلحة النووية في العالم على ايقاف برنامجها النووي أو انهائه. في المقابل، توافق دولة مثل الولايات المتحدة على تخفيف أعمالها العدائية أو تقديم حوافز مشجعة أو الاثنين معًا. نظريًا، يخرج الطرفان رابحين من مقايضة كهذه. 

كلفته زهيدة

في حالة الاتفاق النووي مع إيران، تحصل طهران على نهاية العقوبات المفروضة ضدها، والمزيد من الأمن على المدى القريب بسبب تخفيف الأعمال العدائية ضدها، وتقليل احتمالات الضربة الوقائية لمنشآتها، والقدرة على تحويل موارد مالية تُنفق على انتاج اسلحة نووية إلى برامج مجدية. 

في هذه الأثناء، تمنع الولايات المتحدة أي تغير في ميزان القوى العسكرية لصالح طهران إذا نجحت في انتاج سلاح نووي. وسيكون منع حدوث مثل هذا التغير لصالح الولايات المتحدة. فكثيرا ما يتراجع أعداء الدول النووية في الأزمات العسكرية، ولو امتلكت ايران ترسانة نووية سيكون في مقدورها أن تلوح بها لتحقيق المزيد من اهدافها السياسية.

تخفيف العقوبات

الأفضل من ذلك كله هو أن الاتفاق كان زهيد الكلفة بالنسبة إلى واشنطن التي يتمثل ما دفعته من ثمن اساسًا في تخفيف العقوبات وتحرير أرصدة ايرانية مجمدة، كما يقول الباحث وليام سبانيل، زميل مركز الأمن الدولي والتعاون في جامعة ستانفورد. 

ويرى سبانيل أن لبلدان مثل إيران حافزًا لالتزام مثل هذه الاتفاقات على المدى البعيد، إذا توفرت الظروف الملائمة. فالدول ذات القدرات النووية ربما يغريها التمتع، على المدى القصير، بمنافع توهم الآخرين بأنها تلتزم الاتفاق في حين تعمل سرًا على تطوير أسلحة نووية. وفي النهاية، تستطيع أن تجني الثمار الأمنية لانتاج قنبلة نووية. ولهذا السبب، يتضمن الاتفاق النووي مع ايران اجراءات تحقق صارمة.

تكاليف باهظة

بحسب الباحث سبانيل، إذا جاء صوغ الاتفاق صحيحًا فسيضع على عاتق الطرف الذي يريد انتاج اسلحة نووية تكاليف باهظة إذا انتهك بنود الاتفاق ويمنحه الكثير من المنافع إذا نفذها. وبذلك يكون الاستمرار في البرنامج النووي عملا لا يستحق المخاطرة. 

لكن هذا لا يكون صحيحًا إلا إذا كان الطرف صاحب البرنامج النووي يستطيع التعويل على جني منافع في المستقبل، إذ لا حافز لالتزام الاتفاق إذا قرر الفرقاء بصورة مفاجئة وقف التنازلات أو إعادة العقوبات أو خلافه التراجع عن التزاماتهم بموجب الاتفاق. 

لهذا السبب، قال خامنئي في رسالة مفتوحة إلى الرئيس حسن روحاني في اكتوبر 2015: "فرض عقوبات جديدة على أي مستوى وبأي ذريعة، ويُعد خرقًا للاتفاق وستستأنف إيران برنامجها النووي". 

ورقة تفاوضية

من هذا المنطلق، يكون تهديد ترامب بتمزيق الاتفاق واعادة التفاوض سيفًا ذا حدين، على حد وصف الباحث سبانيل. وعلى افتراض أن إيران تحسب أنه من المرجح أن تُجبر على العودة إلى طاولة المفاوضات الآن أو في وقت ما لاحقًا، فإن هذا سيكون سببًا لأن تحاول الآن وبمزيد من النشاط انتاج سلاح لتكون بيدها ورقة تفاوضية أقوى عندما يحين وقت التفاوض. وقد لا تعود منافع الالتزام أكبر من تكاليف انتاج اسلحة نووية. 

إذا أقدمت ايران على ذلك، سيكون خسارة لجميع الآخرين بحسب سبانيل، متوقعًا أن على الولايات المتحدة أن تتعامل مع عالم جديد أشد تعقيدًا وأكبر خطرًا في الشرق الأوسط المتفجر. وسيبوء السياسيون الاميركيون الصقريون بالفشل في هدفهم بعيد المدى، المتمثل بمنع إيران من أن تصبح قوة نووية، بحسب سبانيل.

 

اعدت ايلاف المادة عن صحيفة واشنطن بوست

المادة الاصل هنا