عاد الصراع من جديد إلى داخل بيت حزب جبهة التحرير الوطني (الأفلان) الحاكم في الجزائر بين القيادة الحالية الممثلة في الأمين العام عمار سعداني وبين خصومه الذين يقودهم الأمين العام السابق عبد العزيز بلخادم، وذلك قبل أقل من سنة من موعد الانتخابات التشريعية التي سيكون للفائز فيها دور بارز في تحديد المرشح للرئاسيات في 2019.

إيلاف من الجزائر: لم يستطع سعداني أن يقضي عطلته الصيفية التي تنتهي الشهر الجاري بسلام، فقد تصاعدت نشاطات المعارضين له بوتيرة لافتة تنبئ بعودة حركة تصحيحية قوية داخل الحزب الحاكم الذي يرأسه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، قد تهدد مقعد الأمين العام الحالي.

&وللمرة الاولى، أبدت الامانة الحالية غضبها بشكل علني من تصرفات جناح بلخادم، الذي يقوده المنسق الوطني السابق للحزب عبد الرحمان بلعياط الذي عقد تجمعًا مؤخرًا بمدينة تنس غرب البلاد،&وعلق أحمد بومهدي عضو المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني، الذي يتولى نشاطات الامين العام بالنيابة خلال هذه الفترة، أن نشاطات جماعات بلعياط "لا تشرفهم".

وجاء ذلك خلال افتتاح فعاليات الجامعة الصيفية لأشبال الحزب الذي نظم بولاية الشلف التي تضم مدينة تنس،&وحرص بومهدي على التأكيد على أن عمار سعداني يحظى بالثقة الكاملة من مناضلي الحزب، ضاربًا موعدًا للرد على خصومه خلال التشريعات المقبلة،&وقال بومهدي: "نحن لا يهمنا أحد، لدينا أمور أخرى نهتم بها، وهؤلاء لا يفعلون أكثر من الدعاية لأنفسهم ويبحثون عن الشرعية".

تموقع

في المقابل، اكد عبد الرحمان بلعياط أن جماعته ستواصل نضالها لاستعادة الحزب الى سكته الحقيقية،&وتطهيره ممن سماهم بـ" الدخلاء والانتهازيين"،&وبرأي الكاتب الصحافي بلقاسم جير، المهتم بالشأن السياسي، فإن هذا الصراع ما هو إلا بحث من قبل مختلف الأجنحة عن إعادة تموقع داخل الحزب.

&وقال جير لـ" إيلاف"، إن "الحرب الدائرة بين مناضلي الحزب على مستوى القاعدة هدفها التموقع داخل قوائم وترشيحات الانتخابات التشريعية بغية الفوز بمقعد في البرلمان والمجالس المحلية"،&وبحسب بومهدي، فإن& "من يترشح للانتخابات التشريعية سوف يخضع لتقييم الهياكل وكذلك المسؤولين"،&ويفهم من هذا الكلام أن ترشيحات التشريعيات قد تكون فرصة لسعداني لتطهير مختلف الهيئات الرسمية من المناوئين له، خاصة داخل البرلمان الذي يضم مناضلين أعلنوا صراحة عدم رضاهم عن النهج السياسي الذي يسير عليه الأمين العام الحالي.

ورغم تأكيده على أن “الإنقسامات الحاصلة في هرم الحزب حول شخص الأمين العام وطبيعة شخصيته، التي أثرت كثيرًا على سمعته منذ "2013، إلا أن بلقاسم جير لا يعتقد أن ذلك سيؤثر على حصاده من المقاعد في الانتخابات المقبلة، أو فشله في المحافظة على تقدمه.

وقال:& "الافلان لن يتأثر كثيرًا بصراعه الداخلي في الانتخابات التشريعية، لأنه يعتبر بمثابة جهاز حيوي للنظام الذي لن يفرط فيه، في 2012 وصل الصراع أشده، وفي 2004 نتذكر صراع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وغريمه المرشح للرئاسيات علي بن فليس، وبقي الافلان الأول في كل الظروف لأن أجهزة الدولة توفر له القاعدة للفوز"

يد الرئاسة

وبرأي بلقاسم جير، فإن حسم الخلاف داخل بيت الحزب الحاكم يبقى بيد رئاسة الجمهورية، كما أن عودة الأمين السابق إلى قيادة الافلان مرتبطة برضا هذه المؤسسة عنه،&وأردف جير قائلاً "أمر عودة بلخادم أو غيره هو بيد الرئاسة وأطراف في النظام التي تصنع القيادة في الافلان، وإذا أرادت افلان فإنها تضعه بأية طريقة كانت".

ويرى مساندو عبد العزيز بلخادم في حال عودته إلى الأمانة العامة لجبهة التحرير الوطني مرشحًا ذا حظوظ وفيرة للفوز برئاسيات 2019، والأنسب لتمثيل الحزب بالنظر إلى عدم وجود شخص آخر في خبرته من داخل تشكيلتهم السياسية قد يخلف الرئيس بوتفليقة.

&ويتداول اسم بلخادم في الدوائر السياسية في الجزائر، رفقة الأمين العام للحزب للتجمع الوطني الديمقراطي احمد أويحيى والوزير الأول عبد المالك سلال والمدير العام للأمن الوطني عبد الغني هامل ورئيس الأركان الفريق أحمد قايد صالح، كمرشحين محتملين للنظام في الرئاسيات المقبلة ليخلفوا بوتفليقة الذي لن يترشح لعهدة جديدة.

غير أن& بلقاسم جير يستبعد أن يكون بلخادم ضمن المرشحين، وأوضح لـ"إيلاف"، أن " ترشيح الرئيس يكون دائمًا بعد توافق بين الرئاسة والجيش وما تبقى من رجالات المخابرات، فهم الذين يصنعون الرئيس، ولم تكن مسألة الرئيس أبدًا من صنع الأحزاب منذ الاستقلال، وبلخادم من الشخصيات المغضوب عليها من قبل الرئيس بوتفليقة"

وأضاف: "قضية طرح اسم بلخادم للرئاسة أمر مستبعد جدًا، خاصة وأن شخصيته الإسلامية لا تلقى الإجماع داخل النظام رغم ولائه التام للنظام".

وارتبط اسم الرئيس في الجزائر دومًا بجهاز المخابرات، غير أن الأمين العام الحالي للأفلان عمار سعداني يحرص في خطاباته دائمًا على التأكيد أن هذا العهد قد انتهى مع& ما تضمنته التعديلات& الدستورية الأخيرة، ويقول إن "الدولة المدنية" التي حرص على إرساء قواعدها الرئيس بوتفليقة قد أنهت عهد صناعة الرؤساء، على حد قوله.

اجتماع

إلى ذلك وبعيدًا عن حمى التجاذبات السياسية، ما يزال الوضع الاقتصادي للبلاد بسبب الأزمة النفطية يشكل هاجسًا للحكومة الجزائرية التي ينتظر أن تعقد نهاية الشهر الجاري لقاء حاسمًا مع ممثلي البنك العالمي،&وينتظر أن تبحث الجزائر والبنك العالمي آفاق الاقتصاد في ظل تراجع أسعار النفط.

وستنظم هذه المباحثات عبر ندوة عن بعد، سيشارك فيها رئيس الخبراء الاقتصاديين بالبنك العالمي لمنطقة الشرق الأوسط& وشمال أفريقيا& شانتا ديفاراجان، وتندرج في إطار الأعمال التحليلية التي ينجزها البنك العالمي ويشاطرها مع الدول الأعضاء.

أما بشأن& ما جاء في تقرير الخارجية الأميركية الأخير حول حرية الممارسة الدينية في الجزائر، فقد أكد وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى أن "الشان الديني بالجزائر شان جزائري خالص، ولن نحتاج لأي جهة تحاكمنا أو تقومنا أو تملي علينا دروسًا".&

وتضمن التقرير انتقادًا لظروف ممارسة الشعائر الدينية في الجزائر من قبل اليهود والمسيحيين وغير السنة من المسلمين كالشيعة والأحمديين،&وأعلن عيسى السبت أن "وزارة الشؤون الخارجية سترد رسميًا على التقرير الأميركي"،&وأشار إلى أن العدالة الجزائرية "تجرم كل شخص يشتم أو يسيء للديانات أو للأنبياء والرسل".

وقال: "سيتم تطبيق القانون& الجنائي على الشخص الذي أساء مؤخرًا ليس للدين الاسلامي فقط، بل لشخصية الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم- بإحدى ولايات الوطن"،&كما ذكر أن القانون "يمنع أيضًا القيام بحملات تبشيرية باستغلال القصر والمحتاجين من أجل تغيير دينهم وعقيدتهم، وذلك حفاظًا على الأمن العمومي".

& ورغم هذه الانتقادات، يرى عيسى أن هذا التقرير "حمل ايجابيات كثيرة "، وقال إن" السلبيات التي ذكرها راجعة لكون الثقافة الأميركية لم تفهم الثقافة الجزائرية فهمًا جيدًا"،&وأضاف أن " أرض الجزائر هي أرض الإسلام وارض السنة وارض الوسطية&والاعتدال وارض حوار الحضارات، كما أن& انفتاحها على الآخر لا يعني تفسخها وانحلالها عن دينها"،&&ويرى الوزير أنه "أحسن تقرير كتب عن الجزائر منذ شروع كتابة الدولة الأميركية في إعداد تقارير حول حرية المعتقد بالعالم".&