باريس: اعلن عدد من رؤساء البلديات في جنوب شرق فرنسا بينهم رئيسا بلديتي مدينتي نيس وفريجوس لوكالة فرانس برس مساء الجمعة انهم سيبقون على قراراتهم القاضية بمنع ارتداء البوركيني رغم قرار مجلس الدولة الذي علق قرارا مشابها في منطقة مجاورة.

واعلنت بلدية نيس انها "ستواصل تحرير محاضر" بحق النساء اللواتي يرتدين البوركيني ما دام قرارها بهذا الصدد لم يبطل. كما اعلن رئيس بلدية فريجوس وهو ينتمي الى اليمين المتطرف ان قراره "لا يزال ساريا".

وكان&مجلس الدولة الفرنسي، وهو اعلى هيئة قضائية في البلاد، قرر&الجمعة تعليق قرار منع لباس البحر الاسلامي (البوركيني)، محذرا رؤساء البلديات الذين اتخذوا قرارا مماثلا من ان اي حظر لهذا اللباس يجب ان يستند الى "مخاطر ثابتة" على النظام العام.

وهذا القرار القضائي الذي يشمل خصوصا منتجعا سياحيا على الكوت دازور لكنه سيطبق في كل انحاء فرنسا، لاقى ترحيبا من ممثلي الديانة الاسلامية الذين اعتبروه "انتصارا للحق والحكمة".

واثار النقاش حول منع هذا اللباس جدلا واسعا في فرنسا والخارج.

وذكر مجلس الدولة جميع رؤساء البلديات الذي لجأوا الى مبدأ العلمانية بأن قرار منع ارتياد الشواطئ ينبغي الا ينطلق الا من مبدأ النظام العام مع ما يعنيه من "سلامة الوصول الى الشاطئ وامن السابحين اضافة الى الصحة العامة".

وقال الامين العام للمجلس الفرنسي للديانة الاسلامية عبدالله زكري لفرانس برس ان "هذا القرار الحكيم سيتيح حلحلة الوضع الذي اثار استياء قويا لدى مواطنينا المسلمين وخصوصا النساء".

واعتبر باتريس سبينوزي محامي هيئة حقوق الانسان التي كانت لجأت الى مجلس الدولة ان هذا القرار "ينبغي ان يتحول الى قانون"، مضيفا "نعم، هناك مساس غير متكافئ بحرية الديانات ولا سلطة لدى رئيس البلدية لتقييد هذه الحرية".

وتحدث الرئيس فرنسوا هولاند الخميس للمرة الاولى حول هذا الموضوع، فدعا الى عدم الاستسلام لـ "الاستفزاز" ولا الى "التمييز"، لافتًا الى "الرهان الكبير" الذي يمثله على "الحياة المشتركة" في البلاد، التي تضم اكبر عدد من المسلمين في اوروبا.

كذلك سيكون قرار أعلى سلطة قضائية ادارية موضع اهتمام كبير على المستوى الدولي، لاسيما أن الجدل الفرنسي حول لباس البحر الذي يغطي جسد المرأة من الرأس حتى القدمين، يتابع ببعض القلق والذهول.

واعتبر جون دالويسن، مدير برنامج أوروبا في منظمة العفو الدولية، في بيان، أن القضاء الفرنسي "امامه الفرصة لإلغاء حظر تمييزي يرتكز&على الاحكام المسبقة والتعصب ويتغذى منها".

وزاد في الطين بلة نشر صحيفة نيويورك تايمز على صفحتها الاولى صورًا لامرأة محجبة لا ترتدي البوركيني على احد شواطئ نيس، محاطة بأربعة شرطيين بلديين، ما أثار موجة من الاستنكار والقلق.

وتحدثت الصحف الالمانية من جهتها عن "حرب دينية"، واعتبر رئيس بلدية لندن صديق خان انه "لا يحق لأحد أن يملي على النساء ما يجب أن يرتدين... الامر بهذه البساطة".

جدل متكرر

يندرج البوركيني في اطار جدل متكرر في فرنسا حول مكانة الاسلام مترافقًا مع جدالات وقوانين. ففرنسا هي اول بلد في اوروبا يحظر في 2010 الحجاب الكلي (النقاب والبرقع) في الاماكن العامة. كما منع الحجاب أو وضع رموز تدل على انتماء ديني في 2004 في المدارس الحكومية.

وتذهب القرارات البلدية ابعد من ذلك. فمن دون أن تتضمن بشكل صريح كلمة "بوركيني" تفرض هذه القرارات ملابس تحترم "التقاليد والعلمانية"، لكنها تستهدف في الحقيقة لباس البحر الاسلامي الذي يغطي الجسد من الرأس حتى القدمين.

وبرر رؤساء بلديات عدة قرارهم بضرورة صون "الامن العام" المهدد برأيهم بملابس "تكشف بشكل صارخ عن انتماء ديني". ولفتوا الى الوضع المتوتر للغاية على الساحل المتوسطي منذ الاعتداء الدامي الجهادي الذي اوقع 86 قتيلاً في نيس في 14 يوليو.

لكن رابطة حقوق الانسان اعتبرت ذلك امرًا غير مقبول، والخميس ندد المحامي باتريس سبينوسي الذي ينتمي اليها، بما اعتبره "مساسًا بحرية الرأي والمعتقد". وكان المجلس الاسلامي الفرنسي ابلغ الحكومة الاربعاء عن "القلق الكبير" لدى المسلمين في فرنسا.

وقبل عشرة اشهر من موعد الانتخابات الرئاسية، وفي بلد يحتدم فيه الجدل حول مكانة الاسلام بشكل منتظم لم تبقَ الطبقة السياسية في منأى عنه.

فأكد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي المرشح الى الانتخابات التمهيدية الرئاسية اليمينية مجددًا الخميس رفضه البوركيني، واعتبره "استفزازًا"، واقترح ايضًا منع الرموز الدينية في الشركات والادارات والجامعات.

وفي سياق ذلك، طالب حزب الجبهة الوطنية اليميني المتشدد توسيع نطاق منع الحجاب ليشمل كافة الاماكن العامة. وفي داخل الحكومة أثارت المسألة الانقسام. فأدان وزيران قرارات رؤساء البلديات ما يتضارب مع موقف رئيس الحكومة مانويل فالس، الذي ايّدهم باسم الحفاظ على الامن العام.

واعتبرت وزيرة التربية نجاة فالو بلقاسم المدافعة عن حقوق النساء والمعارضة لارتداء البوركيني، أن "تكاثر" القرارات لحظر البوركيني "غير مرحب بها" ووصفتها بـ"الانحراف السياسي" الذي "يطلق العنان للكلام العنصري".

ورد فالس بقوله إن هذه القرارات "ليست انحرافًا"، لكنه اكد الخميس "ان كل ما يمكن ان يبدو تمييزًا، وأي رغبة في مهاجمة الاسلام، مدان بالتأكيد".

وقال فالس على قناة بي اف ام تي في: "لسنا في حرب ضد الاسلام (...) إن الجمهورية متسامحة (مع المسلمين) وسنحميهم من التمييز"، لكنه اعتبر أن "البوركيني دلالة سياسية للدعوة الدينية تخضع المرأة".
&