تسعى إيران إلى بسط نفوذها في المنطقة عبر لعب أدوار سياسية وعسكرية في غير مكان، وذلك عبر استخدامها لسيول هادرة من الشيعة غير الايرانيين في ميادين القتال والمواجهات المباشرة.&

واشنطن: أشار الكاتب علي آلفونه، مؤلف كتاب "إيران سافرة: كيف يقوم الحرس الثوري بتحويل الحكومة الدينية إلى دكتاتورية عسكرية"، إلى أن مدينة حلب المحاصرة أصبحت رمزًا لمعاناة السكان المدنيين السوريين العالقين بين قوات المتمردين المتنافسة من جهة وقوات النظام وحلفائه من جهة أخرى. ومع ذلك، فقد فرضت الحملة الطويلة عبئًا ثقيلاً أيضاً على المحاصرين، ومن بينهم أفراد من فيلق الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية الأخرى.

آلفونة أضاف، ضمن مقال نشره معهد واشنطن: "عند النظر إلى عدد الأفغان والإيرانيين والعراقيين واللبنانيين والباكستانيين الذين قتلوا في المعارك منذ يناير 2012، نلاحظ خسائر كبيرة في ضواحي حلب، لا سيما منذ بدء التدخل الروسي في سبتمبر 2015. ولكن بينما يتطابق بعض من تلك الوفيات مع التقارير الصحفية عن المعارك الأخيرة في حلب، لا نجد ما يعكس المعارك الأخرى في هذه المعطيات". وتابع: "إن التحقيق عن كثب في هذه التناقضات، يوفر معلومات قيّمة عن التقسيم الذي تنتهجه قوات التحالف الشيعية في عملها، وكذلك عن الاعتبارات التكتيكية الإيرانية خلال الحصار على حلب. ولذلك، فإن تحليل هذه الخسائر وفقاً للجنسية يبيّن أن إيران توصلت تدريجياً إلى تفاهم مع الميليشيات الشيعية بشأن تقاسم الأعباء لتخفض بذلك عدد مواطنيها الذين يسقطون في حلب".

تكتم

ووفقاً لإشعارات الوفيات الرسمية والتقارير الصحفية عن مراسيم الجنازات، التي جرت في إيران ولبنان، قُتل ما مجموعه 1987 مقاتلاً شيعياً (من بينهم أفراد من الجيش الإيراني) في المعارك التي دارت في سوريا بين 19 يناير 2012 و 29 أغسطس 2016.

ولم يُعلن مكان الوفاة إلا لـ 408 من هؤلاء المقاتلين، مع الإشارة إلى وجود تباينات كبيرة بين الجنسيات. وعلى الرغم من الإفادة عن مكان وفاة أكثر من نصف القتلى الإيرانيين، وجماعات أخرى - فرقة «الفاطميون» الأفغانية والميليشيات العراقية و«حزب الله»، ولواء «الزينبيون» الباكستاني - لا تزال الجماعات الأخرى تبدي تكتماً شديداً حول أماكن وفاة مقاتليها، بحسب ما أوضح الكاتب.

وقد يُعزى هذا التكتّم جزئياً إلى اعتبارات عسكرية، إلا أن العوامل الدينية تلعب دورها أيضاً. ففي جميع الأحوال، لا يزال الدفاع عن مقام السيدة زينب في ضواحي دمشق العامل الرئيسي وراء إضفاء الشرعية على وجود القوات الشيعية الأجنبية على الأراضي السورية، ولذلك فإن أي عمليات تنفذها هذه القوات خارج تلك المنطقة قد تفتقر إلى الشرعية الدينية.

ومن بين القتلى البالغ عددهم 408 والذين أُعلن عن مكان وفاتهم، ذكرت بعض التقارير أن 229 منهم قُتلوا في ضواحي حلب. وربما أن العديد من الشيعة الذين لقوا حتفهم منذ أكتوبر 2015 قُتلوا في منطقة حلب أيضاً، حتى لو لم يتم تأكيد تلك المعلومات علناً. ويبدو هذا الاستنتاج مبرَراً لأن ضحايا حلب المُعلَن عنهم قد بلغوا ذروتهم بالتزامن مع مجمل الخسائر الشيعية في سوريا.

بالإضافة إلى ذلك، تفضي المقارنة بين عدد القتلى منذ أكتوبر والمعارك المذكورة في الصحف العالمية إلى نتائج مختلطة. ففي حين أن ذروة بعض الوفيات تتطابق مع تواريخ تلك الاشتباكات، يبدو أن المعارك الأخرى لم تشهد أي وفيات في صفوف الشيعة أو أن الإعلان عن الموتى جاء متأخراً للغاية.

موجة احتجاج

والجدير بالذكر، بحسب الكاتب، هو أن حادثة الوفاة الأولى التي تم تسجيلها في حلب في صفوف المقاتلين الشيعة كانت في 19 ديسمبر 2013، وهي وفاة المقاتل في «حزب الله» علي موسى كوراني التي تزامنت مع عملية "نجم سهيل" التي نفذها الجيش السوري. وقد مُني «حزب الله» بما يصل إلى 86 قتيلاً في ذلك الشهر، ولكن لم يتم تحديد مكان وفاة معظمهم، وعندما تم ذكر ذلك، قيل إنه في ضواحي دمشق أو القلمون، وليس حلب.

وفي المقابل، جاءت نتائج الهجوم الذي شنّه النظام في فبراير 2016 للسيطرة على مدينتَي نبل والزهراء الشيعيتين في محافظة حلب، في المعطيات التالية: سُجٍّل مقتل 32 إيرانياً و 9 لبنانيين و 3 باكستانيين في حلب في ذلك الشهر، وكذلك الأمر بالنسبة للكارثة التي وقعت في شهر مايو في خان طومان، بلدة أخرى في حلب، وأودت بحياة ما لا يقل عن 3 أفغان و22 إيرانياً، و10 لبنانيين.

ولا يمكن المغالاة في وقع خسائر خان طومان على الرأي العام الإيراني. فغالبية الإيرانيين الذين قتلوا في تلك المعركة كانوا من أبناء محافظة مازندران في شمال إيران، وكانوا ينتمون إلى "فرقة "كربلاء" الـ 25 &في «الحرس الثوري الإسلامي». وقد أثارت تلك الخسائر موجة احتجاج في البلاد، مما دفع «الحرس الثوري» إلى اتخاذ خطوة لم يسبق له أن أقدم عليها خلال الحرب، وهي الإعلان رسمياً عن نقل كافة الأفراد الناجين في الفرقة إلى إيران، ومن بينهم 21 جريحاً. وفي غضون ذلك، ألقى أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله خطاباً رئيسياً في 24 يونيو تعهّد فيه بنشر المزيد من المقاتلين في سوريا.

بيد أن عدد الخسائر في صفوف التحالف الشيعي بدأ بالتقلّب على ما يبدو بعد معركة خان طومان. فالهجوم المضاد الذي شنّه المتمردون في أواخر يوليو لفك الحصار عن حلب تسبب بمقتل 3 شيعة أفغان، وإيراني واحد، ولبناني واحد، و 9 عراقيين كما قُتل 13 مقاتلاً من «حزب الله» في المنطقة.

اعتبارات تكتيكية

وفي حين قد تكون مثل هذه التقلبات ناشئة عن عدة عوامل، إلا أنه من المحتمل أن تكون طهران قد توقعت في البداية الانهيار الوشيك لمعاقل المتمردين في حلب، فعملت على تسليم العديد من مواقعها الأمامية إلى قوات بشار الأسد لكي ينسب النظام الفضل في "تحرير" المنطقة إلى نفسه. ولكن حين لم يستسلم المتمردون كما كان متوقعاً، لم يكن أمام طهران أي خيار سوى تخصيص عدد أكبر من مقاتلي «حزب الله» للاستمرار في فرض الحصار. وفي 27 أغسطس على سبيل المثال، بثّت "قناة العالم" لقطات تستعرض، كما زُعم، مقاتلين من "الحرس الجمهوري" السوري و"القوات المسلحة" السورية و«حزب الله» وهم ينفذون هجوماً كبيراً للسيطرة على "الكلية التقنية" في حلب. ولكن، على الرغم من تزايد العمليات العسكرية، &نجحت طهران في إبقاء معظم مقاتليها الإيرانيين بمنأى عن الخطر في الآونة الأخيرة.

في المحصلة، أكد الكاتب أنه وبغض النظر عن الاعتبارات التكتيكية التي تعمل بها طهران هذا الصيف، لم يحدث تغيير في استراتيجية إيران الشاملة حول سوريا وعزمها على مساعدة نظام الأسد في الاستحواذ على حلب بأكملها. لكن هذه الأهداف بحاجة إلى سيلٍ ثابت من المقاتلين الشيعة غير الإيرانيين، كونه يقلّص معدل وفيات المواطنين الإيرانيين في ما أصبح حصاراً مكلفاً. أما إذا كان وكلاء طهران لا يزالون على استعداد لدفع ثمن تدخل الجمهورية الإسلامية في المنطقة - مثل «حزب الله» والميليشيات العراقية - فمن المرجح أن يستمر بعضهم في ذلك لأسباب دينية أو عقائدية أو سياسية. أما البعض الآخر، على غرار العدد المتزايد من المقاتلين الأفغان، فلا يزال مستعدّاً لذلك مقابل وعودٍ بتوفير فرص العمل والمواطنة؛ وبعبارة أخرى، أنّ وجود أفغان شيعة يائسين يعني وجود متطوعين أفغان في سوريا.
&