الفلوجة: زينت قوات الشرطة والجيش الحواجز بالورود البلاستيكية ترحيبا باول دفعة من السكان العائدين الى مدينة الفلوجة في اعقاب استعادتها من ايدي الجهاديين في يونيو. 

وقال فواز الكبيسي الذي كانت عائلته في اول دفعة من اهالي الفلوجة العائدين "اليوم هو يوم ميلاد جديد". وعندما وصل الكبيسي الى منزله للمرة الاولى منذ عام، كانت سيارته البيضاء لا تزال متوقفة امام بوابته، الا ان زجاج نوافذها محطم، كما ان اطاراتها مختفية تقريبًا تحت العشب الاصفر. 

وكانت عائلته التي تعيش في الفلوجة منذ سبعين عامًا غادرت المدينة في اول ايام حكم الجهاديين لها قبل ان يشن تنظيم الدولة الاسلامية هجومه الواسع في انحاء العراق في يونيو 2014. وقال الكبيسي، وهو يشير بيده الى مبنى طويل في الجهة الاخرى من الشارع، "مقاتلو داعش كانوا في تلك البناية هناك". 

اضاف "لقد عشت وحيدا هنا لاكثر من عام، وكان الامر مخيفا (..) وفي النهاية اضطررت الى المغادرة في العام الماضي. واوصدت هذين البابين، وتركت البيت، وسلمت امري لله". 

ووجد الكبيسي بعض القطع في منزله محطمة او مفقودة، الا ان الاثاث بكامله كان موجودا، والسرير في غرفة النوم الرئيسة لا يزال مرتبًا، كما ان فناجين القهوة في غرفة الضيوف لا تزال في مكانها. اما اسوأ الاضرار في المنزل فقد كانت من نصيب النوافذ التي تكسر زجاجها على الارجح بفعل التفجيرات القريبة.

واعربت زوجته العجوز ام احمد عن رغبتها في البدء في تنظيف المنزل مند لحظة دخولها اليه. وقالت والابتسامة تعلو محياها "هذا افضل يوم في حياتي"، واضافت مشيرة الى الاضرار "هذا لا يهمّ، يمكن اصلاح او استبدال كل الاشياء". واكدت "مدينتنا لن تبقى خالية، سترى، خلال اسبوع ستعود الحياة الى طبيعتها". 

14 عائلة فقط 
ربما تكون ام احمد مبالغة في التفاؤل، اذ ان عددا قليلا من احياء المدينة الواقعة على بعد 50 كلم غرب بغداد، اصبح صالحا لعودة السكان اليه. وفي الحدث الذي تم ترتيبه بدقة وشارك فيه المسؤولون المحليون الذين سارعوا الى الوقوف امام الكاميرات لالتقاط الصور، فإن المجموعة الاولى من العائلات عادت السبت فقط الى الاحياء الشمالية. 

وقد تجنبت هذه الاحياء نسبيا اعمال العنف التي تخللت العملية التي نفذتها قوات الامن العراقية طيلة اسابيع لاستعادة المدينة من سيطرة التنظيم المتطرف في يونيو، الا ان الجزء الجنوبي من المدينة شهد دمارا اكبر وينتظر تطهيره من العبوات الناسفة. 

قال ضابط الجيش الذي لم يكشف عن اسمه "المكان آمن هنا، والاطفال بامكانهم اللعب في الشوارع". وفي هذا الوقت قام رجاله برش دهان على جدار منزل العائلة العائدة للدلالة على انه آمن. وقال "لقد بحثنا في كل منزل وكل شارع في هذه الانحاء، لكننا نفعل ذلك مرة اخرى امامهم لطمأنتهم وتشجيعهم". 

ولم يتجاوز عدد العائلات التي عادت السبت 14 عائلة، وهو اقل بكثير من العدد الذي وعدت به السلطات وقالت انه سيتجاوز المئات. ولا تزال الكتابات التي تشيد بـ"الخلافة" التي اعلنها الجهاديون ماثلة على جدران الفلوجة، ولا تزال السلطات في حالة حذر شديد رغم سيطرتها المحكمة على المدينة. 

وفيما كان الكبيسي والعدد القليل الاخر من العائلات التي اختيرت لبدء عملية العودة الى المدينة، ينزلون من الحافلة، فتح جنود النار على شاحنة تابعة للبلدية بعد ان اعتقدوا انها شاحنة مفخخة. 

خدمات غير مكتملة 
تقول الامم المتحدة ان قرابة 900 الف شخص عادوا الى المناطق التي تمت استعادتها من تنظيم الدولة الاسلامية في العراق خلال العامين الماضيين. وتعتبر العودة السلسة للسكان امرا مهما لضمان تاييدهم للعمليات المستقبلية ضد تنظيم الدولة الاسلامية وتعزيز المصالحة الوطنية. 

الا ان جيريمي كورتني رئيس منظمة "تحالف الحب الاستباقي" الانسانية التي وزعت المواد الاساسية على القلة العائدة الى الفلوجة، قال ان الحكومة لم تقم بواجباتها كاملة. واضاف ان "اعداد السكان الذين عادوا اليوم اقل بكثير مما كنا نامل ومما وعدونا به. لقد اعددنا اغذية وامدادات لاستقبال 1200 شخص". 

وقال ان المسؤولين المحليين انشغلوا بشكل اكبر بالظهور على التلفزيون وفوتوا فرصة اظهار التزامهم بسكان الفلوجة. الا ان الامل لا يزال سائدا بين العدد القليل من العائلات العائدة.

ورغم ان منازلهم تنتظر وصلها بشبكات الكهرباء والماء الحكومية، الا ان العائدين ازالوا الغبار عن اجهزة التلفزيون ونظفوا خزانات المياه. وبعدما وعد المسؤولون المحليون والدها بتقديم المساعدة الكاملة اليه وغادروا المكان، خرجت ابنة الكبيسي الى الشارع وبعثت الى جيرانها السابقين صورة لمنزلها من هاتفها لتبلغهم ان بامكانهم العودة الى ديارهم.