وقعت وزيرة التربية الجزائرية في ورطة كبيرة إلى حد مطالبة نواب بإقالتها بسبب خطأ في خريطة العالم الخاصة بكتاب الجغرافيا الخاص بالتعليم المتوسط في البلاد، الذي أورد إسرائيل دولة وغابت عنه فلسطين.

إيلاف من الجزائر: أحدث خطأ تضمنه كتاب الجغرافيا للسنة الأولى من التعليم المتوسط في الجزائر غضبًا شعبيًا وحزبيًا، بعدما تضمنت خريطة العالم إسرائيل مكان فلسطين، ما اعتبره البعض اعترافًا بتل أبيب، التي ترفض الجزائر التطبيع معها، وهو ما جعل الأصوات المنادية بإقالة وزيرة التربية نورية بن غبريت تتعالى من جديد، بالنظر إلى فداحة الأخطاء التي تضمنتها مناهج الجيل الثاني من الإصلاحات التربوية، التي شرع في تطبيقها هذا العام، رغم مطالبة النقابات بتأجيلها إلى العام المقبل.

تضمن كتاب الجغرافيا في صفحته الخامسة والستين خريطة للعالم استبدلت فيه إسرائيل بفلسطين. وحملت كتب الجيل الثاني التي طبقت على السنتين الأولى والثانية ابتدائي، والسنة الأولى من التعليم المتوسط، أخطاء عدة، منها درس في التربية المدنية حول الاستفتاء الديمقراطي، بالاستعانة بمثال يتعلق باستفتاء استقلال الجزائر، والذي يظهر من خلال الشرح المقدم، وكأن فرنسا كانت حاكمة للجزائر لا مستعمرة لها.

مطالبة بالمحاسبة
فور اكتشاف "فضيحة" كتاب الجغرافيا، أعلنت الوزيرة نورية بن غبريت فتح تحقيق في الملف، نافية أن تكون لها أية مسؤولية في القضية مثلما يحاول البعض أن يتهمها.

وقال بيان لوزارة التربية بحوزة "إيلاف" إنه "تبعًا لاكتشاف خطأ في صفحة من الكتاب المدرسي لمادة الجغرافيا للسنة الأولى متوسط، المطبوع من قبل دار النشر "المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية"، قررت وزارة التربية الوطنية السحب الفوري لهذا الكتاب ومطالبة الناشر بتصحيحه".

أضاف البيان أن الوزارة &قررت أيضًا "فتح تحقيق في هذا الشأن، كما أكدت على أن النسخة التي تم اعتمادها لم تتضمن الخطأ الذي يقع &تحت مسؤولية الناشر".

وطالب رئيس الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين الصادق دزيري في تصريح مكتوب لـ"إيلاف"، وزيرة التربية، "بالاعتذار من الشعب الجزائري، وتصويب الموضوع، ثم محاكمة ومعاقبة المتورطين والمتسببين في هذه المؤامرة، مهما كانت مسؤولياتهم".

ودعا دزيري "كل الغيورين على وطنهم الوقوف صفًا واحدًا لحماية مقومات الهوية الوطنية ومقدسات الأمة ولتحصينها من كل أسباب التهديد والتهديم".

تشكيل لجنة تدقيقية
وأوضح أنه "بعد إتمام عمليتي التقويم والتقويم للمناهج والبرامج ومضامين الكتب سنعلن عن موقفنا الصريح بوضوح تام تجاه ما يسمى بإصلاحات الجيل الثاني".

أما رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري فقد أعلن بعد خطأ كتاب الجغرافيا عن تشكيل حزبه للجنة تهتم بدراسة كل ما تضمنته كتب الجيل الثاني من الإصلاحات التربوية.

وقال على حسابه الشخصي على فايسبوك "إننا شكلنا من أجل هذا لجنة خاصة من أهل الاختصاص للحصول على كل الكتب المدرسية ودراستها كتابًا كتابًا، وسنقدم بعد ذلك تقريرًا شاملًا يتعلق بجوانب الهوية والجوانب البيداغوجية، وسنتعاون حول هذا الموضوع الحساس مع كل الهيئات والشخصيات المهتمة بالموضوع، ونرحّب ونسعد بكل من يريد مد يد العون علميًا وثقافيًا وبيداغوجيًا في مواجهة هذه المخاطر التي تحوم حول المنظومة التربوية".

تبادل التهم
وقبل ظهور نتائج التحقيق، يتبادل كل من قد تطاله أيادي التهم. ورفض حميدو مسعودي مدير المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية التي حملتها الوزارة مسؤولية الفضيحة أن يكون كبش الفداء.

وقال مسعودي في تصريحات صحافية "إن الخطأ يتحمله مصمّم الكتاب، الذي هو مفتش في التعليم الثانوي، برفقة المكلف بالأنفوغرافيا على مستوى المطبعة، وبالتالي المسؤولية مشتركة".

وأوضح أن المكلف بالأنفوغرافيا على مستوى المطبعة ليست لديه الحرية في التصرف، لافتًا إلى أن الكتاب تم تقديمه أمام لجنة مختصة للتصحيح مرة ثانية، كما تم تقديمه أمام المعهد الوطني للأبحاث البيداغوجية، بحضور مصمّمي الكتاب ومفتشي التعليم الثانوي.

أما دزيري فتساءل عن محل "دور لجان المراجعة والتصحيح والمصادقة على كل المنشورات التي تصدر من قطاع التربية ومنح التأشيرات للطبع والتوزيع" في هذه القضية.

ودعا قويدر يحياوي المكلف بالتنظيم في النقابة الوطنية لعمال التربية في حديثه مع "إيلاف" وزارة التربية إلى "معاقبة ومتابعة المتسببين في هذه الفضيحة مهما كانت مسؤولياتهم".

تهاون
ورأت نقابات التربية في الأخطاء التي تصحب تطبيق إصلاحات الجيل الثاني استهتارًا من طرف وزارة التربية وعدم اهتمام في إعداد المناهج الموجهة للتلاميذ، كما ذكرت بالنداءات التي أطلقتها سابقًا لتأجيل تطبيق هذه الإصلاحات.

وقال الصادق دزيري "إن هذه الأخطاء تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك والريبة أن عمل وزارة التربية الوطنية لم يخضع لأسس علمية، بل أوكل إلى من ليست لهم علاقة بالقطاع ولا بذوي الاختصاص، مما لحق أضرارًا بليغة بجزائر التاريخ والمبادئ وبأبنائنا التلاميذ أجيال المستقبل".

وذكر أن "إصلاحات الجيل الثاني تمت في سرية تامة من طرف المسؤولين على القطاع لتمريره في غفلة من أهل القطاع والمختصين في الشأن التربوي".

وأردف قائلًا "ها هي الفضائح تتوالى الواحدة تلو الأخرى في قطاع حساس، مثل قطاع التربية الوطنية، واستمرار فصول هذا المسلسل الذي لن يتوقف، لقد حدث ما قد حذرنا منه منذ البداية من خطورة الارتجالية والاستعجال والسرية المريبة التي اعتمدتها وزارة التربية الوطنية في الإقدام على ما سمي بإصلاحات الجيل الثاني، وفي ظل التغييب المبرمج والإبعاد الكلي للشركاء الاجتماعيين".

طرح الإقالة
أما النائب البرلماني عن جبهة العدالة والتنمية حسن عريبي فقد طرح من جديد في تصريح مكتوب لـ"إيلاف" مطلب إقالة وزيرة التربية نورية بن غبريت.

وقال "على رئيس الجمهورية تحمل المسؤولية كاملة عن تداعيات ما قد ينجر عن تصرفات الوزيرة وإهانتها لكرامة الأمة ولعبها بمشاعر الجزائريين، ومحاولة استهداف هويتهم وقناعاتهم وتوجهاتهم، وهو مطالب بإقالتها فورًا وعرضها على المساءلة القانونية وإبلاغ الرأي العام بنتائج هذه المسائلة لتطييب خاطر الشعب وتهدئة غضبته التي تنذر بعواقب وخيمة".

وكان عريبي قد طالب برفقة أكثر من 100 نائب برلماني في وقت سابق بإقالة نورية بن غبريت من على رأس وزارة التربية بتهمة أنها تريد فرنسة المدرسة الجزائرية، وتضمينها أفكارًا دخيلة تتنافى والهوية الجزائرية.

في المقابل، لقيت الوزيرة مساندة من بعض أحزاب الموالاة، وفي مقدمتهم حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يترأسه أحمد أويحي مدير ديوان الرئيس بوتفليقة، &وحزب تجمع أمل الجزائر، الذي يرأسه وزير السياحة السابق عمار غول.

مؤامرة إسلاموية
بدورها، دافعت وسائل الإعلام الناطقة بالفرنسية عن بن غبريت، واعتبرتها بريئة من التهم الموجهة إليها، ورأت في الواقعة مجرد أخطاء ستزول بتصحيحها، ولا ينبغي أن تعطى بعدًا إيديولوجيًا.

ورأى موقع "الجزائر باتريوتيك" في الانتقادات التي طالت الوزيرة بن غبريت على أنها "مؤامرة جديدة من الإسلاميين ضد بن غبريت" لإعاقة إصلاحات المنظومة التربوية.

أما صحيفة "ليبرتيه" لمالكها الملياردير يسعد ربراب فقالت إن الضجة التي أثيرت حول خطأ كتاب الجغرفيا هو "استهداف جديد ضد الوزيرة بن غبريت"، وتساءلت "إلى أين يريد أن يذهب الإسلاميون في هجومهم على وزيرة التربية".
&