ترى غالبية قرّاء "إيلاف" أن التقسيم ليس أمرًا واقعًا في سوريا، على الرغم من كل التصريحات الدولية في هذا الشأن، ورغم سعي النظام إلى اللعب بهذه الورقة.

إيلاف من دبي: وسط صمت عالمي مؤلم على المجازر بقنابل النابالم، التي ينفذها الطيران الروسي والسوري بحق المدنيين في بعض أحياء حلب، اتهم وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت النظام السوري "بلعب ورقة تقسيم سوريا"، وقال على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن قصف حلب السورية يظهر أن هدف نظام الأسد وحلفائه هو "تقسيم البلاد من خلال محاولة استعادة السيطرة على كل المناطق المفيدة فيها"، أي المناطق بين دمشق وحلب، وتضم حمص وحماه وإدلب، إضافة إلى منفذين على المتوسط عبر اللاذقية وطرطوس.

أضاف إيرولت: "يمكن وصف الوضع بأنه ميئوس منه تمامًا، وعلى موسكو - حليفة دمشق - أن توقف هذه المجزرة، وحان الوقت لاعتماد مقاربة مشتركة لإدارة النزاع السوري".

ليس أمرًا واقعًا!
هذه ليست المرة الأولى التي يتهم فيها نظام الأسد بلعب هذه الورقة، حتى إن كثيرًا من المراقبين السياسيين ومتابعي الشأن السوري المتفجر على قناعة تامة بأن لا عودة إلى سوريا واحدة موحدة.

لكن، حين طرحت "إيلاف" سؤالها الأسبوعي الآتي: "هل صار تقسيم سوريا أمرًا واقعًا؟"، أجاب 80 في المئة من المشاركين (3305 مشاركين) بالنفي، في مقابل 20 في المئة (827 مشاركًا من أصل 4132) اعترفوا بأن سوريا الموحدة صارت أثرًا بعد عين. وربما تكون هذه إحدى المرات القليلة التي تأتي في آراء غالبية المشاركين في الاستفتاء مخالفة لما يراه المراقبون، وما يحلله المحللون السياسيون.

يخالف منطق رفض التسليم بانتهاء الأزمة السورية بتقسيم سوريا منطقًا سائدًا، عبّر عنه جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في 30 يوليو، إذ قال إنه غير متفائل في شأن مستقبل سوريا، "ولا أعرف إذا كان يمكن عودة سوريا موحدة مرة أخرى، أو لا يمكن ذلك"، وذلك في اعتراف علني نادر من مسؤول أميركي كبير بأن سوريا ربما لن تبقى كما كانت قبل اندلاع الأزمة-الحرب منذ خمسة أعوام".

أضاف برينان إنه لا حل لهذه الأزمة ما دام الأسد في السلطة، مشددًا على ضرورة الانتقال السياسي في سوريا.

سيناريو الخمسة
في يونيو 2015، تسرّب محضر اجتماع وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا حول سوريا، وفيه أنهما توافقا على تقسيمها. لم يرد نَفي أميركي ولا روسي لمضمون التسريب، فيما شاعت سيناريوهات "أمر واقع" عديدة لتقسيم سوريا خمسة أقسام، بحسب ما تفرزه المعارك في الميدان. فحتى اللحظة، يدور الحديث عن خريطة أمر واقع لا خريطة قانونية:

- سوريا الغربية هي ما تبقى من الجمهورية العربية السورية، وملجأ الأقليات السورية في مرحلة ما بعد انهيار حدود سايكس – بيكو. وتمتد مساحة سوريا الغربية من دمشق حتى اللاذقية، مرورًا بحمص.
- منطقة شمال سوريا، التي تسيطر عليها "جبهة النصرة"، المتحالفة مع فصائل إسلامية اخرى، وتضمّ إدلب وحلب وجسر الشغور ومنبج والباب.
- المنطقة الثالثة فهي المنطقة الكردية، وتتشكّل من القامشلي ورأس العين.&
- تضمّ المنطقة الرابعة المنطقة الشرقية، الواقعة تحت سلطة داعش، وتشمل الرقة والحسكة وضفاف الفرات، حتى الحدود العراقية.&
- تمتد الخامسة في الجنوب السوري وتشمل القنيطرة ودرعا، بينما يبقى أمر السويداء الدرزية معلقًا.

الدولة السورية تفككت
من جانب المعارضة، قال المعارض السوري كمال اللبواني في مايو الماضي، إن تقسيم سوريا بات أمرًا واقعًا، وأضاف: "هذا تقسيم طائفي قومي أيديولوجي وعسكري يعكس فشل الدولة السورية وتفككها".

ورأى اللبواني لـ"إيلاف" أن سوريا الطبيعية تضم مكونات عديدة، ولا تضم أمة حديثة مكتملة التكوين موحدة الهوية، "وهذا التقسيم ظهر واضحًا بعد سنوات من الصراع الهادف إلى إسقاط نظام السجن الذي حكم سوريا ثم دمرها، وأثار فيها كل أنواع الصراعات، وأدخل الدول الإقليمية للدفاع عنه، ويعتمد تفادي التقسيم على عوامل اقتصادية واجتماعية لا تبدو فاعلة في زمن الحرب، لذلك لا نتوقع عكس مسار التقسيم، قبل أن تضع الحرب أوزارها، كما لا يمكن إعادة بناء الوحدة من ضمن أي من الأيديولوجيات الصراعية الحالية، التي تبدو ضرورية اليوم لكسب الحرب، فمهما كانت نتيجة الحرب، فإن لتيار السلام والاستقرار مسارًا واحدًا معروفًا، تقوم عليه الحضارة الحديثة، ولا يوجد طريق آخر بنظري يحقق خير الشعوب غير هذا الطريق، فلا التطرف والاستبداد والجريمة يمكنها أن تنتصر".

شعار وشائعة
لكنّ ثمة فريقاً يقف في جانب قرّاء "إيلاف" رافضي التسليم بالتقسيم أمرًا واقعًا. فجانب من المعارضة الثورية القريبة من الواقع السوري، المتصلة دائمًا بالميدان وأحواله، تصف مسألة التقسيم هذه بالخديعة التي مارسها النظام السوري والعلويون منذ الأيام الأولى للثورة، وفق شعار مخفي: "نحكم سوريا أو ننفصل عن سوريا". في حينه، كان الطريق معبدًا نحو تركيا،، حيث ينتشر ملايين العلويين من أصل سوري.

كان الهدف، بحسب مراقبين سوريين قريبين من أوساط الثوار السوريين، جرّ العلويين أكثر فأكثر إلى الحرب، وإخافة الطوائف الأخرى المُتمسكة بوحدة البلاد، فيُفضلون بشار الأسد على التقسيم. ويتهم هؤلاء النظام الإيراني بالوقوف وراء إذكاء هذه "الشائعة" وإشاعتها بشكل أوسع، من أجل توريط السوريين، والعراقيين أيضًا، في اقتتال سني – شيعي مذهبي بأدوات عربية، مُطعمة بمرتزقة "شيعة" من غير العرب.&

بدأ هذا السيناريو بإلغاء الحدود بين العراق وسوريا عبر إسقاط الأنبار وتدمر بيد داعش، بهدف فتح ساحات القتال بين الفصائل المسلحة المختلفة على الأرض من القلمون اللبناني &إلى حمص وتدمر، فالعراق.

لكنّ الإيرانيين والعلويين، وكل من يحلم بالتقسيم من السوريين وغيرهم، يعلمون أن أي كانتون علوي لا يمكن أن يعيش طويلًا بلا حماية. والإيرانيون لن يستمروا في دورهم العسكري هنا إلى ما لا نهاية، والأمر نفسه ينطبق على الكانتونات الطائفية الأخرى. ولا ننسى أن أي وحدة طائفية بلا بعد إقتصادي لا تستطيع الاستمرار، وهذا ما لا يمكن أن يتحقق بشكل نهائي.

إلى ذلك، تقسيم سوريا لا يتوقف عند حدود سوريا. فالمنطقة كلها ستكون مهددة بتغيير خريطتها السياسية، وهذا ما لن تستطيع الدول الإقليمية التسليم به، لأنه يمهد لواقع أكثر اشتعالًا، خصوصًا أن المزاج السائد اليوم هو الاتجاه ناحية التطرف.
&