يمثل سيف بن غباش أول ضحية خليجية برصاص الفلسطيني المأجور أبي نضال، وقد اغتيل بينما كانت الإمارات في أمس الحاجة إلى كفاءته ومعرفته وسعة اطلاعه.


محمود العوضي من دبي: في 25 أكتوبر 1977، اغتالت جماعة صبري البنا، المعروف بـ «أبو نضال»، وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الامارات العربية المتحدة سيف بن غباش بينما كان يرافق عبد الحليم خدام، وزير خارجية سورية آنذاك، إلى قاعة الشرف في مطار أبو ظبي مودعًا.

حين أطلق عليه الرصاص، أصيب بن غباش في كتفه وبطنه، ففارق الحياة. ما أصيب خدام في الحادث لأنه «انبطح» فوق أرض المطار لحظة سماعه دوي الرصاص.

كان القاتل شابًا فلسطينيًا اعترف للسلطات الإيرانية أنه عضو في جماعة أبي نضال التي كان نظام البعث في بغداد يقدم لها الدعم، وأن سيف بن غباش لم يكن المستهدف، بل خدام، بأمر من قيادة البعث العراقي التي كانت على خلاف مستحكم مع قيادة البعث السوري. فأعدم القاتل رميًا بالرصاص.

أدلة كثيرة

أحدث هذا الحادث صدمة عارمة، لأنها كانت أول مرة تستخدم فيها أنظمة عربية «متطرفة» أرض دولة خليجية لتصفية حساباتها.

إلا أنه تبين لاحقًا أن بن غباش نفسه كان المستهدف، لا خدام. فنظام دمشق، كما نظام بغداد، كان يستخدم البنا وجماعته لتنفيذ العمليات الخارجية، بعدما صار أبو نضال مرتزقا لمن يدفع أكثر. وكان أبو نضال بدأ يبتزّ الدول الخليجية للحصول منها على الأموال.

وأتى اغتيال بن غباش، بصفته وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، وسيلة ضغط على الحكومة الإماراتية لتدفع المال.

والدليل على ذلك أن جماعة البنا نفسها تبنت في فبراير 1984 اغتيال السفير الاماراتي خليفة بن أحمد بن عبد العزيز البمارك في باريس. وثمة دليل آخر، هو دس الجماعة نفسها قنبلة في طائرة تابعة لطيران الخليج المتوجهة من كراتشي إلى الدوحة عبر أبو ظبي، فانفجرت في سبتمبر 1983 ومات 122 شخصًا كانوا على متنها.

والدليل الدامغ أتى على لسان عاطف أبو بكر، العضو السابق في جماعة أبي نضال والسفير الفلسطيني الأسبق في يوغوسلافيا، إذ أدلى باعترافات وشهادات في برنامج حواري.

من هو؟

مثّل سيف بن غباش كفاءةً استثنائية، وكانت الامارات في أمسّ الحاجة إليه في بداية مسيرتها التنموية. إنه سيف بن سعيد بن غباش المري، المولود في 21 أكتوبر 1932 في أحد أحياء رأس الخيمة.

التحق بالمدرسة الأحمدية ودرس الإنكليزية في مدارس ليلية، وتتلمذ على الشيخ أحمد بن حجر مستقيًا منه علم النحو والبديع والبيان والفقه والفرائض. في خريف 1949، ذهب سيف إلى البحرين ملتحقًا بإحدى المدارس الإبتدائية، فتفوق على الطلبة البحرينيين.&

ثم التحق بالمدرسة الثانوية في البحرين أيضًا، ليتخرج منها في عام 1953. غادر سيف إلى بغداد حيث حصل على منحة من الحكومة العراقية لاتمام دراسته الهندسة، فاجتاز السنتين الأولى والثانية في عام واحد.&

قتلته فلسطين؟

في بغداد، تعلق قلبه العروبة، فشارك في تظاهرات احتجاجية بعد العدوان الثلاثي على مصر، فسفّرته السلطات العراقية مع من سفرته إلى مصر، وكانت حينها تحت حكم جمال عبد الناصر.

أراد إتمام دراسته في القاهرة، إلا أن الجامعة هناك ما اعترفت بدراساته العراقية، فسافر إلى الكويت ليجمع المال، ثم إلى النمسا فألمانيا ففرنسا، وانتهى به المطاف في جامعة لينينغراد للعلوم والتكنولوجيا بفضل منحة سوفياتية، فحصل على الماجستير، جامعًا إلى علمه ثقافة واسعة، وإتقان ستّ لغات.

في عام 1969، عاد إلى رأس الخيمة، وصار رئيسا لقسم الهندسة في بلديتها، ثم وكيلًا لوزارة الخارجية ثم عيّن في 25 ديسمبر 1973 وزير دولة للشؤون الخارجية في الإمارات، فكان خير ممثل لها بين الأمم، إلى أن قتله رجل يحمل جنسية فلسطين، التي أفنى حياته رافعًا لواء إعادتها إلى عروبتها ومدافعًا عن حق شعبها في دولة مستقلة.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن حلقة من برنامج "على رمال الخليج" الذي يعده ويقدم البحريني الدكتور عبدالله المدني.

يمكن مشاهدة الحلقة على الرابط الآتي:

https://www.youtube.com/watch?v=diDbIBwKLUI​