أثارت وفاة الرئيس السابق وأحد أركان الدولة الإيرانية علي أكبر هاشمي رفسنجاني التساؤل الأهم عن خلافة المرشد الأعلى علي خامنئي، لكنّ تقريرًا صحافيًا نشر في لندن حمل بعض معالم الجواب، ويلقي الضوء على هوية الخليفة المنتظر.

إيلاف: يقول التقرير الصحافي إن رجل دين محافظًا في السادسة والخمسين من العمر، وغير معروف بصورة كبيرة للعالم الخارجي، بدأ يبزغ نجمه بهدوء كمرشح رئيس ليصبح الزعيم الأعلى لإيران.

يضيف التقرير، الذي كتبه الصحافي البريطاني (الإيراني الأصل) سعيد كمالي دهغان، لصحيفة (الغارديان)، تحت عنوان "المحافظ الذي قد يكون المرشد الأعلى المقبل لإيران"، إن رجل الدين المعني هو إبراهيم رئيسي، وهو رئيس أكبر أثرى مؤسسة خيرية في العالم الإسلامي، والمؤسسة المسؤولة عن إدارة أهم المزارات المقدسة في إيران.

يشار إلى أن إبراهيم رئيسي هو سادن العتبة الرضوية المقدسة، المؤسسة الخيرية الأكثر ثراءً في العالم الإسلامي، والمنظمة المسؤولة عن أكثر أضرحة إيران قدسيةً. ويُعتَقَد أنَّه يجري إعداده ليكون أحد أبرز المرشّحين لخلافة المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي البالغ من العُمر 77 عامًا.

زعامة مستمرة&
يشير تقرير (الغارديان) إلى أن زعامة خامنئي ستسمر طالما بقي على قيد الحياة، ولكن وفاة الرئيس الإيراني السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، أدت إلى تساؤلات عمّن سيخلف خامنئي حال وفاته.

يضيف أن رئيسي ضمن الدائرة المقربة لخامنئي، ولكن خبرته العملية محدودة نوعًا ما، وصعوده التدريجي في الآونة الأخيرة كان مصدر دهشة للكثير من المعلقين السياسيين.

كان رفسنجاني كشف في مقابلةٍ مع إحدى الصحف في يونيو أنَّ شخصين فقط قد اختيرا مرشَّحين نهائيين للمنصب من قِبَل مجلس خبراء القيادة، الهيئة الدينية المسؤولة عن اختيار المرشد الأعلى المقبل، رغم أنَّه لم يكن هناك تأكيد رسمي.

3 مرشحين
المرشَّحون الثلاثة الآخرون هم الهاشمي الشاهرودي، وصادق لاريجاني، الرئيسان السابق والحالي للسلطة القضائية، والرئيس الحالي لإيران، حسن روحاني. ويُعَد رئيسي أقرب إلى دائرة خامنئي المقرَّبة، لكنَّه يمتلك خبرةً تنفيذية أصغر نسبيًا من باقي المرشَّحين.

وكان رئيسي بالكاد قد بلغ مرحلة الرشد عند حدوث الثورة الإسلامية في 1979، لكنَّه تدرَّج بسرعةٍ بين مراتبها. وفي صيف عام 1988، كان واحدًا من بين 4 قضاة شرعيين يقفون خلف الإعدامات الجماعية لليساريين والمعارضين.

وفي الآونة الأخيرة، كان رئيسي مُدَّعيًا عامًا لإيران، وما زال يتولَّى قسمًا مهمًا جدًا داخل القضاء باعتباره رئيسًا للمحكمة التي تحاكم رجال الدين المثيرين للمشاكل. وهو متزوجٌ بابنة آية الله المتشدِّد، الذي يمثِّل خامنئي في محافظة خراسان رضوى الشرقية، موطن ضريح الإمام الرضا.

قاعدة قوية&
ونقل تقرير (الغارديان) عن حسين رسَّام، وهو مستشارٌ سابق لشؤون إيران في وزارة الخارجية البريطانية، قوله إنَّ وظيفة رئيسي الحالية تمثِّل قاعدةً قويةً لزيادة فرص قيادته. وقال رسَّام: "إنَّه سادنٌ لضريحٍ يُمثِّل مقصدًا لملايين الحجاج الشيعة كل عام، وأعتقد أنَّ ذلك مهمٌ للغاية". وتُقدَّر أعداد الزائرين لضريح الإمام الرضا (في العتبة الرضوية) كل عام بنحو 30 مليون حاج.

أضاف: "لدى رئيسي أيضًا علاقاتٌ وثيقة بفاعلين رئيسيين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بدءًا من المرشد الأعلى نفسه، وصولًا إلى الحرس الثوري. وتشير كل الدلائل إلى أنَّ فرصه في أن يصبح المرشد الأعلى المقبل تتزايد بسرعةٍ كبيرة".

وقال رسَّام إنَّ رئيسي استفاد أيضًا من تورُّط الشاهرودي ولاريجاني في قضايا فساد، وكذلك من بقائه بعيدًا عن النزاعات الداخلية. ورأى رسَّام أنه ليس من المُرجَّح أن يُضِر دوره في الإعدامات الجماعية للمعارضين في الثمانينات بموقفه، هذا في الوقت الذي أبرزت فيه الصور التي ظهرت لقادةٍ عسكريين بارزين أثناء جلوسهم بصورةٍ رمزية عند قدميه، خلال زيارتهم له في مدينة مشهد، سلطته وقوته.

ويقول رسَّام إنَّه في ظل هذا المناخ الحالي في إيران، يمتلك رئيسي "فرصةً كبيرةً للغاية في أن يصبح المرشد الأعلى التالي".

علاقات واسعة
وقال مرتضى كاظميان، وهو ناشطٌ سياسي بارز يعيش في المنفي في باريس، إنَّ علاقات رئيسي بالحرس الثوري، ووكالات الاستخبارات، ودائرة خامنئي المقرَّبة، بما في ذلك ابنه مُجتَبى، جعلته الأوفر حظًا ليكون المرشد الأعلى المقبل. وأضاف: "فرص رئيسي أعلى، لكن ما سيحدث في اليوم الذي يموت فيه خامنئي يعتمد كثيرًا على التوازن السياسي الذي سيكون قائمًا في تلك اللحظة".

يشير التقرير إلى أن تقدُّم رئيسي في الصدارة منذ اختياره في مارس فاجأ الكثير من المعلِّقين السياسيين. وهو يعتمر عمامةً سوداء، في إشارةٍ إلى كونه سيدًا، أي من نسل النبي محمد بحسب المذهب الشيعي.

حقيقة مهمة&
وقال محسن كاديفار، الذي درس في حوزة قُم، أبرز المراكز الدينية الشيعية في إيران، إنَّ هذه الحقيقة وحدها تزيد من فرصه لتولي المنصب الأعلى بنسبةٍ تصل إلى حوالي 30-40%. آية الله الشاهرودي كذلك سيدٌ هو الآخر.

وتوصَّل كاديفار، الذي هو الآن أستاذٌ باحث في جامعة ديوك في الولايات المتحدة، إلى ملحوظةٍ أكثر تحفُّظًا. فعلى الرغم من أنَّه يرى رئيسي كمرشَّحٍ محتملٍ، إلّا أنَّه يعتقد أنه لا توجد إشاراتٍ كافية إلى اعتباره المرشَّح الأوفر حظًا. وحذّر من أنَّ "سلطة خامنئي فعَّالةً طالما أنَّه حي، لكن بمجرد وفاته، ربما تتغير كل الولاءات السياسية، ما يجعل كل الحديث عن المرشَّحين المُحتمَلين مجرد تخمين".

وأضاف: "فرص روحاني أكبر بكثيرٍ من الآخرين. فلديه الخبرة، والعلم الإسلامي، والمصداقية في أوساط النُخَب".

تعديلات دستورية
ويعتقد كاديفار، وهو منتقدٌ قوي للفقه الإسلامي، أنَّ هناك إشاراتٍ إلى أنَّ خامنئي يرغب في إجراء تعديلاتٍ دستورية لإلغاء منصب الرئيس، أو جعله رمزيًا، وإعادة دور رئيس الوزراء.

وقال كاديفار: "أثبت الرؤساء في إيران أنَّهم مُزعِجون للغاية للمرشد الأعلى، بينما البرلمان عادةً ما كان يتحرَّك في إطار الخطوط الحمراء. ومن شأن رئيس وزراءٍ مُعيَّنٍ من قِبَل برلمانٍ كهذا أن يُهدِّئ من مخاوف المرشد".

وفي الأخير، فإن هناك ثمة نظرية أخرى ترى أنَّ خامنئي قد يُحدِّد مدة ولاية منصب المرشد الأعلى بعشر سنوات، ما يجعل من المرشد الأعلى المقبل أقل نفوذًا. وفي حين يعتقد الكثيرون أنَّ شخصيةٍ كخامنئي ستكون راغبةً في اختيار خليفتها بنفسها، يعتقد رسَّام أنَّ آية الله خامنئي سيترك القرار إلى المقرَّبين منه، وسيصادق مجلس خبراء القيادة ببساطة بصورةٍ شكلية على ذلك الترشيح.