واشنطن: يستمرّ مسؤولون أميركيون ودبلوماسيون أجانب، وحتى شخصيات مخضرمة داخل الكابيتول هيل، في محاولة فهم الاتجاه الذي ستسلكه إدارة ترامب الجديدة. وحتى الآن، يبدو أنّ معظم ردود الفعل تتميّز بمزيج من الخوف وعدم الإيمان وبعض الأمل.&

السبب الرئيس لهذا العجز عن تقييم اتجاه الإدارة والتغييرات التي سيجريها الفريق الجديد في السياسة الخارجية للولايات المتحدة هو انقطاع التواصل الواضح والمباشر بين ترامب وجميع من حوله، والحيرة أكبر حتى بين أولئك الذين تفاعلوا مع الفريق الانتقالي لترامب. فهم في كثير من الأحيان كوّنوا انطباعاً قوياً بأن أولئك الذين يعملون على الانتقال ما كانوا يعرفون حقاً ما الذي يدور في رأس الرئيس المنتخب، وكانت أسئلتهم تستند إلى تصريحاته العلنية، بدلًا من الاتصال المباشر معه أو مع أقرب معاونيه، وعلى سبيل المثال، سأل مسؤول&في وزارة الخارجية مرارًا وتكرارًا: كيف يمكن تفسير اعتماد سياسة أكثر صرامة على ايران من جهة وأكثر انفتاحًا تجاه روسيا من جهة أخرى؟

وتتبلور المشكلة في الوضع السوري، حيث عملت روسيا هذا الأسبوع، جنبًا إلى جنب مع ايران وتركيا، على صياغة اتفاق لوقف اطلاق النار، مستبعدين الولايات المتحدة. وفي حين يلقي الكثير من المراقبين معظم مسؤولية تهميش اميركا على عزوف إدارة أوباما عن الانخراط أكثر في الحرب الأهلية السورية، ويتفهمون أن تكون إدارة ترامب راضية عن إمساك روسيا بزمام المبادرة، لكنهم غير قادرين على رؤية إيران تؤدّي أيضًا دورًا دائمًا في الشؤون السورية. وكما قال محلل سياسي هذا الاسبوع: "لقد استخدمت إيران حزب الله كقوة أساسية في سوريا، لا سيما في ظل الانحطاط المتدحرج للقدرات العسكرية السورية، الأمر الذي يسمح لإيران بتوسيع نفوذها على نحو غير مسبوق".&

إحتواء إيران

وفي هذا السياق، تلفت مصادر دبلوماسية إلى أنّ مثل هذا التطور قد يُشكل خطرًا محتملًا على إسرائيل. ولا شك في أن الإسرائيليين بدأوا يشعرون بالضغط. ووفقًا لمسؤول أميركي، فإن لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرًا مع فلاديمير بوتين في موسكو قد نُظّم لضمان استمرار مرونة إسرائيل في التعامل مع عمليات نقل الأسلحة من سوريا إلى حزب الله في لبنان. أما احتمال أن يتمركز حزب الله أو غيره من القوات المتحالفة مع إيران في الجانب السوري من مرتفعات الجولان، فهو يعني أن جبهة كانت هادئة في السابق، يمكن أن تتغيّر إلى الأسوأ مع مرور الوقت.&

من ناحية أخرى، فإنّ احتضان الرئيس ترامب الدافئ لإسرائيل، هو تحوّل مرحّب به، في موقف لطالما كان باردًا، وفي النهاية عدائيًا من قبل إدارة أوباما، ولا سيما بشأن مسألة المستوطنات اليهودية الجديدة في الضفة الغربية. ومع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، تحرك الإسرائيليون بسرعة للحصول على إذن بتوسيع المستوطنات القائمة. ووفقًا لمصدر مطّلع، فقد تمّ ذلك، على الأقل في جزء منه، كـ"ردّ" على سماح الولايات المتحدة لمجلس الأمن الدولي بإدانة سياسة الاستيطان الإسرائيلية من خلال عدم ممارسة حق الفيتو كما كانت تفعل بشأن التدابير السابقة.

ومهما كانت هذه الإجراءات مُرضية نفسيًا وسياسيًا بالنسبة إلى حكومة نتانياهو، فالتدابير الأخرى "الموالية لإسرائيل"، خصوصًا وعد ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، لا تعتبر أولوية. وفي حين أن الإسرائيليين لا يشاطرون الآخرين وجهة نظرهم المروّعة بأنّ مثل هذه الخطوة من شأنها أن تؤدي إلى انتفاضة فلسطينية وتسبب توترًا مع جيرانهم العرب والخليجيين، فهم لا يعتبرون هذه الخطوة بمثابة أولويةً تستحق المخاطرة بأي ضغوط، لا سيما على الأردن التي تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. بدلًا من ذلك، فهم يفضلون مشاهدة الولايات المتحدة تستخدم نفوذها السياسي والعسكري في محاولة لاحتواء إيران.

تغيير قواعد الاشتباك&

هنا، يتوقع بعض المراقبين أن يتم إعطاء القادة المحليين مجالًا أكبر للرد على أي تهديد إيراني للقوات الأميركية في المنطقة. وفي هذا الإطار، صرّح أحد المراقبين المخضرمين بأنّه يعتقد "أنّ قواعد الاشتباك ستتغيّر"، لافتًا أنّ مستشار الأمن القومي ووزير الدفاع، استنادًا إلى الخبرة العسكرية المكتسبة من تعرّض القوات الخاضعة لقيادتهما لهجوم من القوات المدعومة من إيران، وخصوصًا في العراق، لن يتقيّدا بحسابات البيت الأبيض السياسية كما كان الحال في عهد الرئيس أوباما. أما بالنسبة إلى الإيرانيين، فمصادر دبلوماسية تمتلك معلومات مباشرة عن المواقف الإيرانية، تعتقد أن طهران قلقة من الإدارة الجديدة.&

ضمن هذا السياق، يقول ديبلوماسي أميركي رفيع: "الإيرانيون يعلمون أنهم ما عادوا يتعاملون مع إدارة تتطلع الى تحسين العلاقات معهم. وفي الوقت الحالي، هم مرتبكون بشأن ترامب. فهم يعرفون أنّه، على أقل تقدير، لا يمكن التنبؤ بأفعاله". هذا الدبلوماسي وغيره من الذين كانت بلدانهم أطرافاً في الاتفاق النووي مع ايران، لا يعتقدون أن إدارة ترامب ستتخلّى عن الاتفاق. ومع ذلك، فهم لا يعترضون على اعتماد خط أكثر صرامة.&

ارتياح سعودي&

السياسة الأميركية الصارمة تجاه إيران هو مطلب مزمن لعدد كبير من الدول العربية، لا سيما دول الخليج وعلى رأسهم السعودية، وهذا الأمر يُشكل أولوية في العلاقة بين الطرفين، خصوصًا في ظل الدور الإيراني المتعاظم في العراق وسوريا واليمن ولبنان.

وفي حين يبقى دعم الولايات المتحدة للسعودية في صراعها مع إيران أولوية بالنسبة إلى الرياض، فإنّ مراجعة، أو ربما إلغاء، قانون جاستا الذي أقرّه الكونغرس الأميركي مؤخرًا، والذي يسمح لعائلات ضحايا 11 سبتمبر 2001 بمقاضاة السعوديين، يشكّل أيضًا أولوية لا بد من معالجتها بأسرع وقت ممكن.

وعلى صعيد أكثر إشراقًا في العلاقات الأميركية السعودية، لم يصنف ترامب السعودية ضمن الدول التي &يُعتبر مواطنوها تهديدًا إرهابيًا محتملاً، كما هي الحال مع الدول الإسلامية السبع، وعلى رأسهم إيران والعراق.&

في المحصلة، يشعر السعوديون، عقب وصول ترامب، أنهم بدأوا لعبتهم بأوراق أفضل، فيما بدأ القلق يسلك طريقه نحو طهران.