لندن: أصيب أسلافنا بمرض "الهربس" الجلدي أو "القوباء" قبل أن يتحولوا بشرًا على الحال التي نحن البشر عليها الآن، أي منذ كانوا أنواعًا بدائية من الثدييات، أو قرودًا بتعبير آخر. والعدوى بهذا المرض شائعة اليوم إلى درجة أن منظمة الصحة العالمية تقدر أن ثلثي البالغين دون سن الخمسين يُصابون بالقوباء وقروحها الفموية الحادة، وأن واحدًا من كل ستة اشخاص يصابون بالقوباء التناسلية.

يقول العلماء إن البشر كانوا يستطيعون تجنب الإصابة بهذا المرض، لولا احتكاك حصل في غابر الأزمنة بين أسلافنا الأوائل وأحد رئيسات الثدييات، أو أحد القرود. وبحسبهم، المسؤول عن القوباء التناسلية هو مخلوق ينتمي إلى الرئيسات الثدية، قوي الفكين، اسنانه كبيرة، أُطلق عليه لقب "كسار البندق"، واسمه العلمي بارانثروبوس بويسي (Paranthropus boisei)، وذلك وفقًا لما توصل إليه فريق من علماء الفيروسات والأنثروبولوجيا، بناءً على أدلة جغرافية وأحفورية.

بحسب هؤلاء العلماء، الفيروسات المسببة للقوباء متعددة وقديمة، فهناك أكثر من 100 نوع مختلف من هذا المرض، يصيب ثمانية منها البشر بانتظام مؤدية إلى الجدري وتكثّر وحيدات النواة في الدم أو ما يسمى "داء التقبيل".

قتله وأكله

القوباء الفيروسية المعروفة نوعان: واحدة يسببها فيروس هربس البسيط 1 الذي يطور القروحات الفموية؛ وثانية يسببها فيروس هربس البسيط 2 الذي ينتقل من طريق العملية الجنسية.

تُصاب قردة الغوريلا والشمبانزي، وهي أقرب المخلوقات إلى الإنسان، بعدوى القوباء أيضًا. وقالت شارلوت هولدكروفت، عالمة الفيروسات في جامعة كامبردج البريطانية، إن كل جنس من أجناس الرئيسات الثدية لا يُصاب إلا بنوع واحد من فيروس هربس البسيط، مشيرةً مع اعضاء فريقها إلى أن الأمر مختلف في الانسان، بسبب تزاوج نوعين الرئيسات الثدية في الزمان الغابر.

استخدم الفريق العلمي أنموذجًا احصائيًا لربط اجناس الرئيسات الثدية بالطرائق الممكنة لانتقال الفيروس. وقالت هولدكروفت إن الحدث لا بد من أن يرتبط بتبادل سوائل جسمية بين هذين الجنسين، مرجحة أن يكون العنف هو السبب.

نقلت صحيفة واشنطن بوست عن هولدكروفت قولها: "لعل جدنا الأعلى قتل الرئيسي الثدي بارانثروبوس بويسي وأكله، أو لعل الانسان المنتصب هومو إريكتس ( Homo erectus) كان يقتات من جثة بارانثروبوس بويسي، أو لعل كسار البندق غرس اسنانه في إنسان منتصب هاجمه، وكان يدافع عن نفسه".

الأدلة قوية

إلى ذلك، قال جول فيرتهايم، عالم البيولوجيا النشوئية في جامعة كاليفورنيا، إن فكرة أن الفيروس ربما انتقل خلال اشتباك عنيف مصحوب بعملية قتل وأكل فكرة مماثلة لانتقال فيروسات حديثة من قردة الشمبانزي إلى البشر.

واوضح فيرتهايم أن البشر الذين قتلوا قردة الشمبانزي وعبثوا بجثثها كانوا أول من تعرضوا للإصابة بفيروس مرض الأيدز الوبائي.

قال ريك بوتس، المختص بالمتحجرات البشرية في برنامج دراسة أصول الانسان بمعهد سميثسونيان في واشنطن، إن هذا السيناريو جائز والأدلة قوية على حدوث تداخل بين الأجناس قبل 1.5 مليون أو مليوني عام.

في هذه الأثناء، تستمر فيروسات الرئيسات الثدية في التطور. وقال فيرتهايم: "ستواصل الفيروسات الانتقال من أنواع أخرى إلى البشر، خصوصًا من القردة، وإن معرفة أصل هذه العوامل المُمْرضة وكيفية انتقالها إلى البشر يمكن أن يساعدنا لنعرف أين يمكن أن تتفشى الأوبئة التي سنواجهها في المستقبل".

 

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "واشنطن بوست". الأصل منشور على الرابط التالي: 

https://www.washingtonpost.com/news/speaking-of-science/wp/2017/10/02/this-ancient-primate-may-be-responsible-for-genital-herpes/?utm_term=.4fa1a34d4029