الرباط: قال محمد أوجار، وزير العدل المغربي، إن "عقوبة الإعدام لها قدر كبير من الأهمية في المغرب"، مؤكدا أن هذا الموضوع "ما زال يحظى بنقاش وطني وحقوقي وسياسي واسع، في محاولة لإيجاد التوازن والتوازي اللازم بين حماية المجتمع من الجناة وضمان حقهم في الحياة".

وسجل وزير العدل المغربي، في افتتاح ندوة إقليمية حول عقوبة الإعدام في إفريقيا الفرنكفونية، صباح اليوم بالرباط، بأن بلاده لم تعرف تنفيذ حكم الإعدام منذ سنة 1993، وأضاف بأن الأحكام الصادرة بهذه العقوبة بمختلف محاكم المملكة بلغت "90 حالة إلى غاية غشت 2016"، وأفاد بأن مشروع القانون الجنائي الذي أحالته الحكومة على البرلمان نص على تخفيض عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام من "31 إلى 8 جرائم فقط، مع إضافة جرائم جديدة هي جريمة الإبادة الإنسانية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، ليصل عددها إلى 11 جريمة وذلك بانخفاض بلغ الثلث".

و قال اوجار إن مشروع قانون المسطرة الجنائية أقر اشتراط إجماع الهيئة المصدرة للحكم مع تحرير محضر للمداولة يشار فيه إلى إجماع القضاة ويوقع من طرف جميع أعضاء الهيئة"، وأضاف أن هذا التوجه كان له "انعكاس إيجابي حيث تراجعت أعدادها ويبطل عدد منها في الاستئناف".

وشدد المسؤول الحكومي على أن آلية "العفو" التي يصدرها العاهل المغربي في المناسبات الدينية والوطنية، تظل "مخرجا ساهم في تحويل عدد كبير من أحكام الإعدام إلى عقوبات محددة أو محدودة"، مبرزا أن موضوع إلغاء عقوبة الإعدام بالمغرب "مازال محل نقاش حقوقي ومجتمعي واسع تتضارب داخله الأفكار والمواقف والاتجاهات".

وأضاف أوجار أن الآليات والمؤسسات الحكومية والوطنية والعمومية لكل بلد تحاول أن تساير "الاختيار الأساسي للبلاد بهذا الصدد، حكومة وبرلمانات وتشريعات مع ميول أكثر للمؤسسات الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان نحو الدفع في اتجاه إلغاء عقوبة الإعدام انتصارا لحقوق الإنسان وعلى رأسها الحق في الحياة".

وأكد وزير العدل المغربي على أن دستور المملكة لسنة 2011 ينص في الفصل 20 لأول مرة على الحق في الحياة وحماية هذا الحق، بتأكيده على أن الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان ويحمي القانون هذا الحق"، معتبرا أن هذا الفصل "إقرار دستوري وخطوة جريئة في التفكير الدستوري والقانوني المغربي وهو ما سارت عليه باقي القوانين والتشريعات الوطنية".

وزاد أوجار قائلا "غير أن القانون الجنائي استثنى من هذه القاعدة العامة التي نص عليها الدستور إمكانية الحكم بعقوبة الإعدام وحدد لذلك جرائم بمواصفات معلومة ودقيقة في 31 حالة".

ودعا أوجار لمواصلة النقاش بهدف "الارتقاء بالتفكير الوطني في هذا الموضوع الشائك لإنضاج وتعميق النظر في هذه الإشكالية"، مؤكدا أنه في انتظار إنضاج هذا التصور وتعميقه " استمر المغرب في الامتناع عن التصويت على القرار السنوي في اللجان العامة للأمم المتحدة المتعلقة بتنفيذ هذه العقوبة".

وأشاد وزير العدل المغربي بالدور الذي يلعبه المجلس الوطني لحقوق الإنسان في هذا الملف، معتبرا أن المؤسسة الحقوقية الوطنية "تظل دوما رافعة تشد إلى الأعلى والأفضل في مجال حقوق الإنسان وقوة دفع لا تفتر سعيا نحو الوصول إلى النتائج التي نتوخاها جميعا"، وذلك في موقف مؤيد من وزير العدل لمطالب إلغاء عقوبة الإعدام الذي يعارضه حزب العدالة والتنمية قائد التحالف الحكومي.

من جهته، قال أليكسيس لوكور كرانميز، وزير مستشار لدى السفارة الفرنسية بالمغرب، إن بلاده ملتزمة بالدفاع عن إلغاء عقوبة الإعدام في مختلف بلدان العالم، مؤكدا أن فرنسا تناصر وتدعم جهود ومبادرات المجتمع الدولي في هذا المجال.

وأضاف كرانميز أن العالم يحرز تقدما في هذا المجال وعدد من الدول الإفريقية أقدمت على إلغاء عقوبة الإعدام، من بينها الكونغو ومدغشقر الا أن دول قليلة مازالت تحتفظ بها، مطالبا بالاستمرار في "تقوية الحركة ومناهضة حكم الإعدام". 

وأفاد المسؤول الفرنسي بأن الجهود يجب أن تنصب على المشاركة في "تطوير العقليات ونشر ثقافة حقوق الإنسان ومناهضة عقوبة الإعدام ضد التهميش والتمييز"، كما طالب بالتركيز على "الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى الجريمة". 

بدوره، اعتبر رفاييل تشينويل هازان، الرئيس التنفيذي لجمعية "معا ضد عقوبة الإعدام"، أن الفقراء والمهمشين يمثلون الغالبية العظمى من المدانين بعقوبة الإعدام، مشددا على أن مناهضة عقوبة الإعدام "معركة ونضال ضد التهميش والتمييز".

وأشار هزان إلى أن فكرة التمييز الاجتماعي تربطها "علاقة وثيقة مع حكم الإعدام"، لافتا الى أن الجمعية التي يراسها تسعى لتوضيح هذا الأمر ل"المجتمعات والحكام وصناع القرار"، وأكد أن حقوق الإنسان "جزء لا يتجزأ من المجتمعات الحديثة والقضية الأساسية فيها هي الحق في الحياة ومناهضة حكم الإعدام".

وقال الحقوقي المناهض لعقوبة الإعدام "حان الوقت لنقول وداعا لهذه الممارسات التي ما زالت تمارس في عدد من الدول"، مطالبا بالاستمرار في العمل من أجل "إقناع المجتمع والمسؤولين بإلغاء العقوبة". 

وشهدت الجلسة الافتتاحية للندوة الإقليمية حول عقوبة الإعدام، تقديم شهادة لأحد المحكومين سابقا بعقوبة الإعدام، الذي قدم شهادة حية عن المعاناة والمأساة التي يعانيها المدانون بالإعدام، مبرزا أن الذين يواجهون هذه العقوبة التي وصفها ب"غير العادلة"، "يواجهون كابوس الموت ويقتلون كل يوم في انتظار تنفيذ الحكم"، موجها دعوته للمسؤولين بالقطع مع هذه العقوبة "القاسية".

وتواصل الندوة الإقليمية أشغالها إلى يوم غد الخميس، من خلال عقد عدة جلسات علمية يؤطرها خبراء وحقوقيون ومسؤولون من مختلف الدول الفرنكفونية بإفريقيا، لمناقشة "واقع عقوبة الإعدام في العالم وفي إفريقيا"، و"الإشكاليات الخاصة بالعقوبة واستراتيجيات مناهضتها"، بالإضافة إلى وسائل عمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان من أجل إلغاء عقوبة الإعدام".